غلط منتشر في فهم قوله - تعالى -: (إنك لا تهدي من أحببت)


 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام، على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد، وآله، وصحبه، ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:

فأحيانا قد ترى، أو تسمع، أو تعلم..على بعض الناس منكرا، وقد يكونُ ممن لا يصلح الحديث معهº لكونه صغيرا، أو امرأة..،

فإذا خاطبت من هو مسئول عنه كأبيه، أو أمه، أو أخيه..، واشتكيت له حال من تحت يدهº بادرك بقوله - تعالى -: {إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهدِي مَن يَشَاء}[56 القصص]،

وكأنه بهذا يريد التخلص منك، والاستسلام للأمر الواقع، وتركهم على ما هم عليه بهذه الحجة! فهل تسوغ، وتصح حجتُه؟

 

الجواب: قد دلت النصوص من الكتاب، والسنة أن الهداية نوعان:

1- هداية التوفيق للعمل، وخلق الإيمان في القلبº وهذه لا يملكها إلا الله وهي المرادة بالآية السابقة {إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهدِي مَن يَشَاء}[56 القصص]

وبقوله - تعالى -{مَن يُضلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ} [186 الأعراف]

وقوله - تعالى -{إِن تَحرِص عَلَى هُدَاهُم فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُهدَى مَن يُضِلٌّ}[37 النحل] في قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر.

وقوله - تعالى -{أَفَأَنتَ تُسمِعُ الصٌّمَّ أَو تَهدِي العُميَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ, مٌّبِينٍ,} (40) سورة الزخرف.

وقوله - تعالى -{قُل هَل مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهدِي إِلَى الحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهدِي لِلحَقِّ أَفَمَن يَهدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقٌّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهدَى فَمَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ} (35) سورة يونس.

وقوله - تعالى -{وَكَذَلِكَ أَنزَلنَاهُ آيَاتٍ, بَيِّنَاتٍ, وَأَنَّ اللَّهَ يَهدِي مَن يُرِيدُ} (16) سورة الحـج.

وقوله - تعالى -{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهوَاءهُم بِغَيرِ عِلمٍ, فَمَن يَهدِي مَن أَضَلَّ اللَّهُ.. } (29) سورة الروم.

وقوله - تعالى -{أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلمٍ, وَخَتَمَ عَلَى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهدِيهِ مِن بَعدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23) سورة الجاثية.

وغيرها من الآيات.

 

والنوع الثاني: هداية الإرشاد، والدلالة، والبيان، وهي المرادة بقوله - تعالى -عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - {وَإِنَّكَ لَتَهدِي إِلَى صِرَاطٍ, مٌّستَقِيمٍ,}[52 الشورى]، وقوله - تعالى -{وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا} [24 السجدة]، وقوله - تعالى -في حكاية قول موسى لفرعون {وَأَهدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخشَى} (19) سورة النازعات، وقوله - تعالى -في حكاية الرجل المؤمن من آل فرعون لقومه {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَومِ اتَّبِعُونِ أَهدِكُم سَبِيلَ الرَّشَادِ} (38) سورة غافر وقوله - تعالى -{ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأتِيهِم رُسُلُهُم بِالبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاستَغنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيُّ حَمِيدٌ} (6) سورة التغابن، {وَمِن قَومِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلُونَ} (159) سورة الأعراف، غيرها من الآيات.

ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه -: \" فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم\". رواه البخاري (2783) مسلم (2406).

 

وهذه الثانية هي المطلوبة مِـنّا جميعا: ندعو، ونجتهد، ونبين، ونربي، ونقوم بما أوجب الله علينا، ونسأل الله في كل وقت أن يصلح نيتنا، وذريتنا..، ويجعلنا من عباده الذي قال فيهم {وَمِمَّن خَلَقنَا أُمَّةٌ يَهدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلُونَ}(181) سورة الأعراف.

وبهذا يظهر أن المحتج بالآية قد احتج بها في غير موضعهاº إما جهلا، إما تخلصا.

والله أعلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply