السحاب الركامي في القرآن


 بسم الله الرحمن الرحيم

تطور علم الأرصاد الجوية اليوم، واستخدمت له الأجهزة الحديثة مثل أجهزة الاستشعار عن بعد، والطائرات, والرادارات, والأقمار الصناعية، والحاسبات الإلكترونية. واستطاع العلماء دراسة تفاصيل دقيقة عن السحب والسحب الركامية.

وهناك مفاهيم قديمة سادت الحضارات القديمة قبل البعثة المحمدية، فهناك من وصف الرعد بأنه سوط مثل حضارة الرافدين، والصينيين وصفوا الرعد بأنه قرع طبول، وفي الهند وصفوا الرعد بأنه حجر ساقط ، وفي الصين وصفوا البرق بأنه مرايا محرقة، وفي اليونان وصفوا البرق بأنه تلألؤ الماء . هذا ما كان سائد بين الحضارات قبل الإسلام.

وفي حقبة الإسلام تحدث القرآن الكريم عن الأرصاد الجوية،  وعن السحب الركامية بالتفصيل الدقيق، قال - تعالى -في وصف السحب الركامية: {ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} سورة النور آية 43.

1- بداية تكوين السحب الركامية {إن الله يزجي سحابا}:

السحاب الركامي يبدأ بأن تسوق الريح قطعا من السحب الصغيرة إلى مناطق التجميع ويؤدي ذلك لزيادة كمية بخار الماء في مسارها .

 

تطور السحب الركامية:

1- التجميع (ثم يؤلف بينه). تقترب القطع الصغيرة من السحب، لتقترب من بعضها، ثم تتلاحم وتتكاتف عند منطقة التجمع.

2- الركم. يقول - تعالى –: {ثم يجعله ركاما} إذا التحمت سحابتان أو أكثر، فإن تيار الهواء الصاعد داخل السحابة يزداد بصفة عامة، ويؤدي ذلك إلى جلب مزيد من بخار الماء من أسفل قاعدة السحابة، والذي بدوره يزيد من الطاقة الكامنة للتكثف، والتي تعمل على زيادة سرعة التيار الهوائي الصاعد، دافعا بمكونات السحابة إلى ارتفاعات أعلى وقد أثبتت الشواهد أن التحام السحب يؤدي إلى زيادة كبيرة في الركم.

ومن المعلوم أن عملية سوق السحب قد تستغرق بضعة ساعات، بينما تستغرق عمليتا التجميع والركم أقل من ذلك (حوالي ساعة أو أقل). (مجلة الإعجاز العلمي العدد الأول).

وهناك سحاب ركامي مزني يصل ارتفاعات شاهقة ويوجد به في الأسفل قطرات ماء وفي الوسط خليط من الماء والبرد، أما في القمة فتسودها بللورات الثلج، وهذا السحاب يحدث البرق والرعد ويسمى بالسحاب الركامي المزني. ومما لا يدع مجالا للشك أن البرد سبب في تولد البرقº لأن البرد يولد شحنات كهربائية أثناء تحوله من حال إلى حال وهذا ما قرره القرآن الكريم قبل 14 قرنا.

 

المعاني اللغوية والتفسيرية:

1- (ألم تر أن الله يزجي سحابا) جاء في معجم مقاييس اللغة مادة (زجى): والريح تزجي السحاب: تسوقه سوقا رفيقا.

وقال الشوكاني: (الإزجاء: السوق قليلا، المعنى أنه يسوق السحاب سوقا رفيقا). هذا ما ذكره التفسير هو نفسه الذي قرره علماء الأرصاد كما بينا سابقا.

2- (ثم يؤلف بينه). التأليف لغة هو الجمع مع الترتيب والملاءمة. وقال القرطبي: (أي يجمعه عند إنشائه ليقوى ويتصل ويكثف).

وقال الطبري: (وتأليف الله السحاب: جمعه بين متفرقها).

وفي هذه المرحلة تتألف السحب المتعددة لتكون سحابا واحدا، وبلغ التأليف بين السحب أن أصبح كيانا واحد، ولكي تتم هذه الخطوة، وهي الانتقال من مرحلة الإزجاء لقطع السحب إلى مرحلة التأليف يحتاج الأمر إلى وقت، ولذلك نرى أن الحرف الذي استعمل في القرآن للدلالة على هذه العملية هو حرف العطف (ثم) الذي يدل على الترتيب مع التراخي في الزمن (ثم يؤلف بينه).

3- (ثم يجعله ركاما) الركم لغة يأتي بمعنى إلقاء الشيء بعضه فوق بعض، وقال الطبري: (يعني تراكما بعضه على بعض).  وقال ابن كثير: (أي يركب بعضه على بعض). وفي هذه المرحلة الثالثة من مراحل تكوين السحاب الركامي المذكور في الآية الكريمة، تقابل ما ذكرناه آنفا تحت عنوان ركم السحاب، وبينا فيه أن عامل ركم السحاب الذي يكون بالنمو الرأسي لنفس السحابة، وأن الانتقال إليه من المرحلة السابقة يحتاج كذلك إلى زمن، لذلك كان استعمال حرف العطف الدال على الترتيب مع التراخي في الزمن وهو حرف العطف (ثم). (مجلة الإعجاز).

4- (فترى الودق يخرج من خلاله) الودق: هو المطر عند جمهور المفسرين. من خلاله: قال القرطبي: (وخلال جمع خلل مثل: جبال وجبل، وهي فُرجة ومخارج القطر منه).

فهذه المرحلة تعقب المرحلة السابقة وهي مرحلة الركم، وبعد أن يضعف الرفع في السحاب أو ينعدم، وهو الذي كان يسبب الركم، ينزل على الفور المطر وبضعف عملية الرفع إلى أعلى أو انعدامها تتكون مناطق ضعيفة في السحاب لا تقوى على حمل قطرات المطر إلى أعلى بسبب ثقلها فتخرج من مناطق الخلل أو الضعف في جسم السحابة. (مجلة الإعجاز).

5- (وينزل من السماء من جبال فيها برد). قال ابن مسعود في قوله: {من جبال فيها} أي: من قطع عظام تشبه الجبال في العظم.

وكشف لنا العلم الحديث أنه لابد من أن يكون السحاب في شكل الجبال الذي يسمح بتكوين الثلج في المناطق العليا.

6- (يكاد سنا برقه بذهب بالأبصار). الضمير في (برقه) يرجع إلى البرد وقد بينا فيما سبق أن البرد هو سبب البرق.

فإنك إذا تأملت في هذه الآيات تراها ترتب مراحل تكوين السحاب الركامي. من أخبر محمدا - صلى الله عليه وسلم - بكل هذه الأسرار؟ {إن هو إلا وحي يوحى}.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply