وقفات مع آية ( وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم )


 بسم الله الرحمن الرحيم 

قال - تعالى -: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال، وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} [إبراهيم: 45 - 47].

 

 تذكرت هذا النص القرآني وأنا أتابع قصة إخراج الطاغية الزائيري موبوتو سيكي سيكو والبطانة القريبة منه من زائير سابقاً الكونغو الديمقراطي حالياً. موبوتو الذي حكم البلاد وعاث في الأرض الفساد لمدة تزيد عن الثلاثين سنة. ثلاثون عاماً أو يزيد من الصلف والتبختر والخيلاء حتى يخيل لمن يراه وهو في ذلك الحال أنه سيعمر إلى أبد الآبدين.

 

ففي عهده لم يكن فرق بين ملكية الدولة والملكية الخاصة له وللحاشية المقربة منه. استشرى الفساد بين هذه الفئة فازدهرت وحققت ثراء فاحشاً على حساب أحد أفقر شعوب العالم.

 

هكذا كان حاله أيام عتوه وتجبره وعندما طرد ذكرت الوكالات أن رئيس جنوب أفريقيا - مانديلا - كان يبحث له عن مأوى لأن جميع الأبواب سدت في وجهه، ففرنسا التي يملك فيها فيلا فخمة ترفض استقباله، والمغرب الذي يملك فيه قصراً ويمكث الآن فيه لن يستقبله إلا لفترة قصيرة. ونقلت نفس المصادر عن مصدر دبلوماسي في قمة هراري التي عقدت في بداية شهر حزيران (يونيو) قوله: \"سدت كل الأبواب في وجه موبوتو، لا أحد يريده… الرجل أمامه بضعة شهور [هذا الأمر بيد الله يحدده متى شاء] يعيشها [لأنه يعاني من سرطان البروستاتا]، إنه يبحث عن مكان يموت فيه\" اه.

 

أما ما تعرض له المقربون منه فنقتصر على ذكر قصة ابنة أحد جنرالات موبوتو وهي في طريقها للهروب حيث تقول: \"يجب أن نخرج من هنا بأسرع ما يمكن… هذا الصباح فقط أهانني سائق سيارة أجرة زائيري، قال لي بأنه لا يريدني في سيارته\" اه، هذه البنية التي كانت تعيش في دلع ولم يكن الضباط الكبار يتجرؤون على نهرها واعتراض طريقها دارت الأيام دورتها وجاءت اللحظة التي تجرأ فيها عليها سائق سيارة أجرة!!!.

 

ويل للظالمين من عقوبة الله إذا حلت بهم {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال}. لكن الظالمين لا يتعظون من ذلك ولا يدركون وهم في أبهتهم أن \"دوام الحال من المحال\" وأنه \"إذا دامت لغيرك ما وصلت إليك\". فأين فرعون وقارون وهامان؟ وأين عاد وثمود وإخوان لوط وقوم تبع وأصحاب الأيكة؟ وأين الذين جاءوا من بعدهم مثل: الشاه وعبد الناصر والسادات وبومدين وتيتو وبوكاسا وسياد بري وبورقيبة وغيرهم وغيرهم؟ لقد أبادهم الله جميعاً بسبب تماديهم في غيهم وعدم اتعاظهم بغيرهم، حتى خيل إليهم بعد إحكام سيطرتهم وسطوتهم أن هذا الذي صنعوه مانعهم من عقاب الله وعذابه وسنته في الذين خلوا من قبلهم {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا}.

يقول سيد قطب - رحمه الله -: \"… والطغاة البغاة تخدعهم قوتهم وسطوتهم وحيلتهم، فينسون إرادة الله وتقديرهº ويحسبون أنهم يختارون لأنفسهم ما يحبون، ويختارون لأعدائهم ما يشاءون، ويظنون أنهم على هذا وذاك قادرون\" اه [في ظلال القرآن: 5/2678].

 

لله ما أضعف عقول الطغاة وأضيقها رغم ما تخيله لهم أنفسهم أو حثالة المنافقين المحيطة بهم من أنهم في عزة وسؤدد، فلا يستطيعون أو لا يريدون وهم في هذا الجو أن يستعيدوا مسلسل الأحداث الذي يصور الطريقة البشعة والمهينة التي قضي فيها على الذين عبَّدوا لهم طريق الظلم والطغيان، وقد كانوا وهم في أيام العز!! ينظرون إلى غيرهم من البشر المضطهدين نظرة احتقار وازدراء وكانوا يطلبون منهم عبادتهم: \"ما علمت لكم من إله غيري\"، وأن يمتثلوا لجميع القرارات والفرامانات التي يصدرونها: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}. وفوق ذلك يتصورون أن خططهم ومكرهم وعتادهم أقوى مما يتصوره العقل البشري: {وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}، أي والله إن سياسات البطش والتعذيب التي يمارسها جلاوزتهم بأوامرهم ليشيب من هولها الولدان.

 

إن سنة الله في الذين ظلموا أن يمهلهم ليأخذهم على حين غرة {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}. [الأنعام: 44 - 45].

 

هكذا يحل عذاب الله بهم على حين غفلة وهم في غمرة ساهون غير آبهين ولا منتبهين أو متعظين بما حل بأسلافهم. يقول سيد - رحمه الله -: \"وإن هذا المثل يتجدد في الحياة ويقع في كل حين. فكم من طغاة يسكنون مساكن الطغاة الذين هلكوا من قبلهم. وربما يكونون قد هلكوا على أيديهم. ثم هم يطغون بعد ذلك ويتجبرونº ويسيرون حذو النعل بالنعل سيرة الهالكينº فلا تهز وجدانهم تلك الآثار الباقية التي يسكنونها، والتي تتحدث عن تاريخ الهالكين، وتصورهم للناظرين. ثم يؤخذون إخذة الغابرين، ويلحقون بهم وتخلو منهم الديار بعد حين\" اه. [في ظلال القرآن: 4/2112]...

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply