القرآن المعجز


 بسم الله الرحمن الرحيم

ضاقت الحيل بالمشركين، وباءت محاولاتهم في ثني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، عما جاء به بالفشل الذريع، ذلك أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، بعث ليبشر الناس بالدين الجديد، وليحطم أصنامهم ويبدل عاداتهم وتقاليدهم المنافية للإسلام، فهو ماض في ذلك، لا تزعزع عزيمته حيلة أو تعذيب أو اضطهاد، يعنيه الله - عز وجل -، لتتم كلمة الله - سبحانه وتعالى -، ولينشر الأمن والسلام، ويعم الإسلام أرجاء المعمورة، فما كان من المشركين إلا أن ازدادوا جبروتا وعنادا وأخذوا يصبون جام غضبهم وحقدهم على المسلمين، وعلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وحاولوا الإساءة إليه بما وصفوه من أوصاف، كانوا هم أنفسهم يشكون في صحة نسبتها إليه، وذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما حاولوا التشكيك بالقرآن الكريم، الذي كانوا إذا سمعوه خشعت قلوبهم وشخصت أبصارهم، وحاوت عقولهم، فهم أهل بلاغة وفصاحة، ولم يسمعوا من قبل بهذا الكلام المعجز، وها هو الوليد بن الغيرة أحد رؤوس الكفر والشرك، يجتمع إليه نفر من قريش فيقول لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر الموسم، وإن وفود العرب ستقدم إليكم، ولا بد أنهم سمعوا بأمر صاحبكم، فوحدوا فيه رأيكم ولا تختلفوه فيكذب بعضكم بعضا. فقالوا: نقول كاهن. قال الوليد: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بكلامهم ولا سجعهم. فقالوا: نقول مجنون. قال الوليد: ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه. فقالوا: نقول شاعر. قال الوليد: ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله، فما هو بالشعر. فقالوا: نقول ساحر. قال الوليد: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم. فقالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس. قال الوليد والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق {1}، وما أنتم بقائلين من هذا الشيء إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه، أن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر، يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته. ثم أمرهم أن يشيعوا هذا بين الناس، فجعلوا يجلسون بسبل {2} الناس حين قدموا الموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره. فأنزل الله - سبحانه وتعالى - في الوليد بن المغيرة الآيات التالية

 {ذرني (3) ومن خلقت وحيدا. وجعلت له مالا ممدودا (4). وبنين شهودا (5). ومهدت له تمهيدا. ثم يطمع أن أزيد. كلا إنه كان لآياتنا عنيدا. سأرهقه صعودا (6). إنه فكر وقدر. فقتل كيف قدر. ثم قتل كيف قدر. ثم نظر ثم عبس وبسر. ثم أدبر واستكبر. فقال إن (7) هذا إلا سحر يؤثر. إن هذا إلا قول البشر 8 }

كما أنزل الله - سبحانه وتعالى - في النفر الذين كانوا مع الوليد بن المغيرة، والذين تفننوا في وصف رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -

{ كما أنزلنا على المقتسمين. الذين جعلوا القرآن عضين (9). فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون 10 }

 

----------------------------------------

1- العذق: النخلة، يشبه القرآن بالنخلة التي قوي أصلها وطاب فرعها

2- بسبل: بطرق

3- ذرني: دعني واتركني

4- ممدودا: واسعا

5- شهودا: أي بنين يشهدون المحافل

6- صعودا: مشقة من العذاب

7- أن: بمعني ما

8- الآية رقم 11-25 من سورة المدثر

9- عضين: من العضة، أي الفرقة، وعضوه: أي فرقوه

10- الآية رقم 90-93 من سورة الحجر .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply