لماذا نسمع بعض القراء يكبرون عقب سورة الأضحى ؟


  بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وبعدº

كثيرا ما نسمعُ من بعضِ القراءِ في بعضِ إذاعاتِ القرآنِ الكريِم وغيرِها ترديدهم للتكبير والتهليل عقب سورة الأضحى.

فما هو الأصل في هذا الترديد؟

 

1- الأصل الذي بناه القراء لهذا الترديد:

لقد بنى القراء هذا الترديد على حديث رواه الحاكم في المستدرك (3/304) فقال: حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري الإمام بمكة في المسجد الحرام، ثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ، ثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت \" وَالضٌّحَى \" قال لي: كبر كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، واخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك، وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك، وأخبره أبي بن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك.

 

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وتعقبه الذهبي بقوله: البزي قد تكلم فيه.

وأورده الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الضحى (8/423) فقال:

روينا من طريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقرئ قال: قرأت على عكرمة بن سليمان، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين، وشبل بن عباد فلما بلغت \" وَالضٌّحَى \" قالا لي: كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة فإنا قرأنا على ابن كثير فأمرنا بذلك، وأخبرنا أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك، وأخبره أبي أنه قرأ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره بذلك.

 

2 - بيان علة الحديث:

وهذا الحديث في إسناده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقرئ، وهذه أقوال علماء الجرح والتعديل في الرجل:

ذكره الذهبي في الميزان (1/144 145) وقال: قال العقيلي: منكر الحديث.

وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، لا أُحَدِّث عنه.

وأورد له الذهبي هذا الحديث وقال: هذا حديث غريب، وهو مما أنكر على البزي. قال أبو حاتم: هذا حديث منكر.

وقال أيضا في السير (12/51): وصحح له الحاكم حديث التكبير، وهو منكر.

وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (1/310): وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: ابن أبي بزة ضعيف الحديث؟ قال: نعم، ولست أحدث عنه.

وقال العقيلي: يوصل الأحاديث.

وقال ابن كثير في التفسير (8/423): فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي، من ولد القاسم بن أبي بزة. ا. هـ.

 

وبعد هذه النقولات يتبين أن ابن أبي بزة ضعيف في الحديث، وأن الحديث قد تفرد به، وأنكر حديثه الأئمة.

 

3 - كلام العلماء على التكبير:

تكلم العلماء على هذا التكبير الذي أحدثه القراء بناء على الحديث الضعيف الذي بينا ضعفه آنفا، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقد سئل كما في الفتاوى (13/417 419): وسئل - رحمه الله - عن جماعة اجتمعوا في ختمة وهم يقرؤون لعاصم وأبى عمرو، فإذا وصلوا إلى سورة الضحى لم يهللوا ولم يكبروا إلى آخر الختمة، ففعلهم ذلك هو الأفضل أم لا؟ وهل الحديث الذي ورد في التهليل والتكبير صحيح بالتواتر أم لا؟

 

فأجاب: الحمد لله. نعم إذا قرؤوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضلº بل المشروع المسنون، فإن هؤلاء الأئمة من القراء لم يكونوا يكبرون لا في أوائل السور ولا في أواخرها.

 

فإن جاز لقائل أن يقول: إن ابن كثير نقل التكبير عن رسول الله جاز لغيره أن يقول: إن هؤلاء نقلوا تركه عن رسول الله، إذ من الممتنع أن تكون قراءة الجمهور التي نقلها أكثر من قراءة ابن كثير قد أضاعوا فيها ما أمرهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -º فإن أهل التواتر لا يجوز عليهم كتمان ما تتوفر الهمم والدواعي إلى نقله، فمن جوز على جماهير القراء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأهم بتكبير زائد فعصوا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتركوا ما أمرهم به استحق العقوبة البليغة التي تردعه وأمثاله عن مثل ذلك.

 

وأبلغ من ذلك البسملةº فإن من القراء من يفصل بها، ومنهم من لا يفصل بها وهى مكتوبة في المصاحف، ثم الذين يقرؤون بحرف من لا يبسمل لا يبسملون، ولهذا لا ينكر عليهم ترك البسملة إخوانهم من القراء الذين يبسملون، فكيف ينكر ترك التكبير على من يقرأ قراءة الجمهور؟ وليس التكبير مكتوبا في المصاحف وليس هو في القرآن باتفاق المسلمين. ومن ظن أن التكبير من القرآن فإنه يستتاب فان تاب وإلا قتل.

 

بخلاف البسملة فإنها من القرآن حيث كُتبت في مذهب الشافعي، وهو مذهب أحمد المنصوص عنه في غير موضع، وهو مذهب أبي حنيفة عند المحققين من أصحابه وغيرهم من الأئمةº لكن مذهب أبى حنيفة وأحمد وغيرهما أنها من القرآن، حيث كتبت البسملة، وليست من السورة. ومذهب مالك ليست من القرآن إلا في سورة النمل، وهو قول في مذهب أبي حنيفة وأحمد.

 

ومع هذا فالنزاع فيها من مسائل الاجتهاد فمن قال: هي من القرآن حيث كتبت، أو قال: ليست هي من القرآن إلا في سورة النمل كان قوله من الأقوال التي ساغ فيها الاجتهاد

 

وأما التكبير: فمن قال أنه من القرآن فإنه ضال باتفاق الأئمة، والواجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فكيف مع هذا ينكر على من تركه؟! ومن جعل تارك التكبير مبتدعا أو مخالفا للسنة أو عاصيا فانه إلى الكفر أقرب منه إلى الإسلام، والواجب عقوبتهº بل إن أصر على ذلك بعد وضوح الحجة وجب قتله.

 

ولو قدر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتكبير لبعض من أقرأه كان غاية ذلك يدل على جوازه، أو استحبابه، فإنه لو كان واجبا لما أهمله جمهور القراء، ولم يتفق أئمة المسلمين على عدم وجوبه، ولم ينقل أحد من أئمة الدين أن التكبير واجب، وإنما غاية من يقرأ بحرف ابن كثير أن يقول: إنه مستحب، وهذا خلاف البسملة، فإن قراءتها واجبة عند من يجعلها من القرآن ومع هذا فالقراء يسوغون ترك قراءتها لمن لم ير الفصل بها، فكيف لا يسوغ ترك التكبير لمن ليس داخلا في قراءته؟

 

وأما ما يدعيه بعض القراء من التواتر في جزئيات الأمور فليس هذا موضع تفصيله. ا. هـ.

 

وقال أيضا في الفتاوى (17/130):

والتكبير المأثور عن ابن كثير ليس هو مسندا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسنده أحد إلى ا لنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا البزي، و خالف بذلك سائر من نقله فإنهم إنما نقلوه اختيارا ممن هو دون ا لنبي - صلى الله عليه وسلم -، وانفرد هو برفعه، وضعفه نقلة أهل العلم بالحديث و الرجال من علماء القراءة، و علماء الحديث كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء. ا. هـ.

 

وذكر ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/295) الخلاف في المسألة فقال:

واستحب أحمد التكبير من أول سورة الضحى إلى أن يختم. ذكره ابن تميم وغيره، وهو قراءة أهل مكة أخذها البزي عن ابن كثير، وأخذها ابن كثير عن مجاهد، وأخذها مجاهد عن ابن عباس، وأخذها ابن عباس عن أبيِّ بن كعب، وأخذها أبيُّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. روى ذلك جماعة منهم البغويٌّ في تفسيره … وهذا حديث غريب من رواية أحمد بن محمد بن عبد الله البزي، وهو ثبت في القراءة، ضعيف في الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: هذا حديث منكر.

 

وقال في \" الشرح \": استحسن أبو عبد الله التكبير عند آخر كل سورة من الضحى إلى أن يختم، لأنه روي عن أبيِّ بن كعب \" أنه قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره بذلك \" رواه القاضي. وعن البزي أيضا مثل هذا، وعن قُنبل هكذا والذي قبله. وعنه أيضا: لا تكبير، كما هو قول سائر القُراء … وقال الآمدي: يُهللُ ويكبر، وهو قول عن البزي، وسائر القراء على خلافه. ا. هـ.

 

وقال الشيخ بكر أبو زيد في مرويات دعاء ختم القرآن (ص 5 6):

وأما وقت الختم: بمعنى ختمه في مساء الشتاء، وصباح الصيف ووصل ختمة بأخرىº بقراءة الفاتحة وخمس آيات من سورة البقرة قبل الشروع في دعاء الختم، وتكرار سورة الإخلاص ثلاثا، والتكبير في آخر سورة الضحى إلى آخر سورة الناس داخل الصلاة أو خارجها، وصيام يوم الختم.

 

فهذه الأبحاث الستة لا يصح فيها شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته - رضي الله عنهم -، وعامة ما يروى فيها مما لا تقوم به الحجة.

 

وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: تكلم شديدا في التكبير المذكور وأنه لم يرد إلا في رواية البزي عن ابن كثير. ا. هـ.

 

وذكر أيضا في \" بدع القراء \" (ص 27) سبعة أمور تتعلق بالختم منها:

هـ التكبير في آخر سورة الضحى إلى آخر سورة الناس داخل الصلاة أو خارجها.

ثم قال:

فهذه الأمور السبعة، لا يصح فيها شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته، - رضي الله عنهم -، وعامة ما يُروى في بعضها مما لا تقوم به الحجة فالصحيح عدم شرعية شيء منها. ا. هـ.

 

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في \" فتاوى إسلامية \" (4/48) سؤالا نصه:

بعض قراء القرآن يفصلون بين السورة والأخرى بقول \" الله أكبر \" دون بسملة، هل يجوز ذلك، وهل له دليل؟

جواب: هذا خلاف ما فعل الصحابة - رضي الله عنهم - من فصلهم بين كل سورة وأخرى ببسم الله الرحمن الرحيم وخلاف ما كان عليه أهل العلم من أنه لا يفصل بالتكبير في جميع سور القرآن. غاية ما هناك أن بعض القراء استحب أن يكبر الإنسان عند ختم كل سورة من الضحى إلى آخر القرآن مع البسملة بين كل سورتين. والصواب أنه ليس بسنة: لعدم ورود ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى هذا فالمشروع أن تفصل بين كل سورة وأخرى بالبسملة \" بسم الله الرحمن الرحيم \" إلا في سورة \" براءة \" فإنه ليس بينا وبين الأنفال بسملة. ا. هـ.

 

4 - تقرير غريب من الحافظ ابن كثير في المسألة:

ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره (8/423) كلام أبي حاتم، والعقيلي في البزي وقال:

لكن حكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في شرح الشاطبية عن الشافعي أنه سمع رجلا يكبر هذا التكبير في الصلاة، فقال له: أحسنت وأصبت السنة. وهذا يقتضي صحة هذا الحديث. ا. هـ.

 

وهذا كلام غريب من ابن كثير - رحمه الله - فقد ذكر تفرد ابن أبي بزة بهذه السنة، ونقل كلام العلماء في الرجل، ثم يأتي على إقرار الشافعي لذلك الرجل الذي كبر في الصلاة، ويبني على كلام الشافعي تصحيح الحديث!!

 

5 - موضع وكيفية التكبير:

قال ابن كثير في تفسيره (8/423):

ثم اختلف القراء في موضع هذا التكبير وكيفيته، فقال بعضهم: يكبر من آخر \" وَاللَّيلِ إِذَا يَغشَى \". وقال آخرون: من آخر \" وَالضٌّحَى \". وكيفية التكبير عند بعضهم أن يقول: الله أكبر ويقتصر، ومنهم من يقول: الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر.

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/296):

وقال أبو البركات: يُستحبٌّ ذلك من سورة ألم نشرح. ا. هـ.

 

6 - سببُ التكبير:

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/296) في سبب التكبير:

 

والسبب في ذلك انقطاع الوحي.

 

وقال ابن كثير في التفسير (8/423):

وذكر الفراء في مناسبة التكبير من أول سورة الضحى: أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفتر تلك المدة ثم جاءه الملك فأوحى إليه: وَالضٌّحَى. وَاللَّيلِ إِذَا سَجَى \" السورة بتمامها، كبر فرحا وسرورا. ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة أو ضعف، فالله أعلم. ا. هـ.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply