فضل القرآن ووجوب التمسك به


 

عبد الرحمن بن محمد عثمان الغامدي

 

الخطبة الأولى

ثم أما بعد:

يا عباد الله، اتقوا الله - تعالى -، واعلموا أن الله - تعالى -قد أكرمكم بإنزال القرآن على نبيكم، وخصكم بشرف أعظم كتبه ( قَد جَاءكُم مّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَـابٌ مٌّبِينٌ O يَهدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السَّلَـامِ وَيُخرِجُهُم مّنِ الظٌّلُمَـاتِ إِلَى النٌّورِ بِإِذنِهِ وَيَهدِيهِم إِلَى صِراطٍ, مٌّستَقِيمٍ,) [المائدة 15، 16].

 

إنه العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو شفاء لما في الصدور، والحكم العدل عند مشتبهات الأمور، وهو الكلام الجزل، وهو الفصل الذي ليس بالهزل، سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يُدرك غورُه، بهرت بلاغتُه العقولَ، وظهرت فصاحته على كل مقول.

كل كلمة منه لها من نفسها طرب، ومن ذاتها عجب، ومن طلعتها غُرّة، ومن بهجتها دُرّة، لاحت عليه بهجة القدرة، ونزل ممن له الأمر فله على كل كلام سلطان وإمرة، بهر تمكنُ فواصله، وحسن ارتباط أواخره بأوائله، وبديعُ إشاراته، وعجيب انتقالاته، من قصص باهرة، إلى مواعظ زاجرة، وأمثال سائرة، وحكم زاهرة، وأدلة على التوحيد ظاهرة، وأمثال بالتنزيه والتحميد سائرة، ومواقع تعجب واعتبار، ومواطن تنزيه واستغفار، إن كان الكلام ترجية ًبسط، وإن كان تخويفا قبض، وإن كان وعدا أبهج، وإن كان وعيدا أزعج، وإن كان دعوة جذب، وإن كان زجراً أرعب، وإن كان موعظة أقلق، وإن كان ترغيباً شوق.

فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وصرفه بأبدع معنى وأعذب أسلوب، لا يستقصي معانيه فهمُ الخلق، ولا يحيط بوصفه على الإطلاق ذو اللسان الطلق، فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبره، واصطفاه للتذكير به وتذكره، فهو يرتع منه في رياض، ويكرع منه في حياض.

أندى على الأكباد من قطر الندى *** وألذ في الأجفان من سِنَةِ الكرى

 

يملأ القلوب بشرا، ويبعث القرائح عبيرا ونشرا، يحيي القلوب بأوراده، ولهذا سماه الله روحا فقال - سبحانه -: (يُلقِى الرٌّوحَ مِن أَمرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِن عِبَادِهِ)[غافر: 15]، فسماه روحا لأنه يؤدي إلى حياة الأبد، ولولا الروح لمات الجسد، فجعل هذا الروح سببا للاقتدار، وعلما على الاعتبار.

 

عباد الله، إن هذا القرآن أنزل ليكون منهج حياة هي خير حياة وأسعدُها، ومرشداً إلى سبيلٍ, هو أقوم سبيل وأنجحُه، يهذبُ النفوس ويزكيها، ويقوِّم الأخلاق ويعليها، يقودُ من اتبعه إلى سعادة الدارين، وينجيه من شقاوة الحياتين، (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلٌّ وَلاَ يَشقَى وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً) [طه: 123، 124].

 

عباد الله، كتاب ربنا بين أيدينا، نزهه ربنا عن الخطأ والزلل، وجعله فصلا في كل زمان ومكان، (لاَّ يَأتِيهِ البَـاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلاَ مِن خَلفِهِ تَنزِيلٌ مّن حَكِيمٍ, حَمِيدٍ,) [فصلت: 42]، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه حتى اتسع على أهل الافتكار طريق الاعتبار بما فيه من القصص والأخبار، واتضح به سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم، بما فصل فيه من الأحكام وفرق بين الحلال والحرام، فهو الضياء والنور، وبه النجاة من الغرور، وفيه شفاء لما في الصدور، من تمسك به فقد هُدي، ومن عمل به فقد فاز.

وجعل فيه الهداية لمن شاء من عباده المتقين، الم ذالِكَ الكِتَابُ لاَ رَيبَ فِيهِ هُدًى لّلمُتَّقِينَ [البقرة: 1، 2].

 

فسبحان من أنزل أعظم كتاب في أعظمِ شهر في أعظم ليلة هي خير من ألف شهر، (إِنَّا أَنزَلنَـاهُ فِى لَيلَةِ القَدرِ وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مّن أَلفِ شَهرٍ,) [القدر: 1-3]، ( شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـاتٍ, مِّنَ الهُدَى وَالفُرقَانِ) [البقرة: 185].

 

وعد الله بحفظه من عبث العابثين، وتحريف الغالين، إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـافِظُونَ [الحجر: 9]، وإن من أسباب حفظه في القلوب والمصاحف استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته، مع القيام بآدابه وشروطه، والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة، والآداب الظاهرة.

 

وإنما أراد الله من العباد بإنزال كتابه أن يأتمروا بأمره، وينتهوا بنهيه، ويصدِّقوا أخباره، ويوقنوا بما أخبر به من أمور الغيب، ويتخذوا من قصص الأمم الماضية المواعظ والعبر، لا ليتخذوه ظهريا، فيؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض، بل المقصود العمل به وفهم مراميه، ( كِتَـابٌ أَنزَلنَـاهُ إِلَيكَ مُبَـارَكٌ لّيَدَّبَّرُوا ءايَـاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الالبَـابِ) [ص: 29]، (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرءانَ أَم عَلَى قُلُوبٍ, أَقفَالُهَا)[محمد: 24].

ولما كان سلفنا الصالح يعملون بالقرآن ويقومون به علما وعملا، يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويقولون ءامنا به كل من عند ربنا أضحوا سادة العالم، ومنار الهداية للحيارى، فقادوا الناس به إلى ربهم وجنته.

 

وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذكر الفتن أنه قيل له: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب ربكم وسنة نبيكم)).

 

فاعتصموا ـ عباد الله ـ بالكتاب والسنة، وعليكم بما فيهما من الأوامر والنواهي، ولا تردوا كلام الله لتأويل المتأولين واتباعا لزيغ الزائغين، (هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَـابَ مِنهُ آيَـاتٌ مٌّحكَمَـاتٌ هُنَّ أُمٌّ الكِتَـابِ وَأُخَرُ مُتَشَـابِهَـاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـابَهَ مِنهُ ابتِغَاء الفِتنَةِ وَابتِغَاء تَأوِيلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالراسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ كُلُّ مّن عِندِ رَبّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الألباب) [آل عمران: 7].

 

فإذا قال الله - سبحانه - في النهي: (يَـاأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَـارَى أَولِيَاء) [المائدة: 51]، نقول سمعنا وأطعنا، وعلمنا أن ولاية غير الله مثله كمثل العنكبوت اتخذت بيتا، قال - سبحانه -: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَولِيَاء كَمَثَلِ العَنكَبُوتِ اتَّخَذَت بَيتاً وَإِنَّ أَوهَنَ البُيُوتِ لَبَيتُ العَنكَبُوتِ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ) [العنكبوت: 41].

وإذا قال - سبحانه - في الأمر: (إِنَّمَا وَلِيٌّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلواةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَواةَ وَهُم رَاكِعُونَ) [المائدة: 55]، نقول سمعنا وأطعنا.

وإذا قال - سبحانه - في الإخبار: (ياأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبّت أَقدَامَكُم وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعساً لَّهُم وَأَضَلَّ أَعمَـالَهُم) [محمد: 7، 8]، قلنا اللهم آمنا وأيقنا وصدقنا، ولا مبدل لكلمات الله.

وإذا سمعنا قوله - سبحانه - في ذكر أفعاله بالأمم المكذبة السالفة: (فَكُلاًّ أَخَذنَا بِذَنبِهِ فَمِنهُم مَّن أَرسَلنَا عَلَيهِ حَاصِباً وَمِنهُم مَّن أَخَذَتهُ الصَّيحَةُ وَمِنهُم مَّن خَسَفنَا بِهِ الأرضَ وَمِنهُم مَّن أَغرَقنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظلِمَهُم وَلَـاكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ) [العنكبوت: 40]، قلنا سبحانك اللهم يا عظيم، أجرنا من عذابك، وعلمنا أن هذا هو عاقبة الأمم المكذبة إلى قيام الساعة، قال - سبحانه -: (دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيهِم وَلِلكَـافِرِينَ أَمثَـالُهَا) [محمد: 10]

 

وإذا سمعنا قوله - سبحانه - في إنجاء الله للمؤمنين المتبعين لرسلهم زادنا ذلك اعتزازا بربنا وبديننا وثباتا على منهجنا ولو تسلط المتسلطون وتجبر الجبارون: (وَلَقَد سَبَقَت كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرسَلِينَ إِنَّهُم لَهُمُ المَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَـالِبُونَ) [الصافات: 171-173]، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُوا فِى الحَيَواةِ الدٌّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَـادُ) [غافر: 51].

 

وإذا سمعنا في القرآن حكاية عاقبة الكافرين وأنهم في الجحيم والعذاب الأليم زجرنا ذلك عن أفعالهم ومقارفة قبائحهم: (أَذلِكَ خَيرٌ نٌّزُلاً أَم شَجَرَةُ الزَّقٌّومِ إِنَّا جَعَلنَـاهَا فِتنَةً لّلظَّـالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخرُجُ فِى أَصلِ الجَحِيمِ طَلعُهَا كَأَنَّهُ رُءوسُ الشَّيَـاطِينِ فَإِنَّهُم لاَكِلُونَ مِنهَا فَمَالِئُونَ مِنهَا البُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُم عَلَيهَا لَشَوباً مِن حَمِيمٍ, ثُمَّ إِنَّ مَرجِعَهُم لإِلَى الجَحِيمِ إِنَّهُم أَلفَوا ءابَاءهُم ضَالّينَ فَهُم عَلَى ءاثَارِهِم يُهرَعُونَ وَلَقَد ضَلَّ قَبلَهُم أَكثَرُ الاوَّلِينَ وَلَقَد أَرسَلنَا فِيهِم مٌّنذِرِينَ فَانظُر كَيفَ كَانَ عَـاقِبَةُ المُنذَرِينَ) [الصافات: 62-73].

وإذا سمعنا في القرآن حكاية عاقبة المؤمنين المصدقين وأنهم في النعيم المقيم علقنا ذلك بالرغبة في الجنة، والشوق إلى لقاء الرب - تعالى -، فكان داعيا لإصلاح العمل، وقوة الرجاء، والبعد عن طريق البعداء: (وَمَا تُجزَونَ إِلاَّ مَا كُنتُم تَعمَلُونَ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ المُخلَصِينَ أُولَـئِكَ لَهُم رِزقٌ مَّعلُومٌ فَواكِهُ وَهُم مٌّكرَمُونَ فِى جَنَّـاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ, مٌّتَقَـابِلِينَ يُطَافُ عَلَيهِم بِكَأسٍ, مّن مَّعِينٍ, بَيضَاء لَذَّةٍ, لّلشَّـارِبِينَ لاَ فِيهَا غَولٌ وَلاَ هُم عَنهَا يُنزَفُونَ وَعِندَهُم قَـاصِراتُ الطَّرفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيضٌ مَّكنُونٌ) [الصافات: 39-49].

الله أكبر، عباد الله، (تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفُرقَانَ على عَبدِهِ لِيَكُونَ لِلعَـالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان: 1].

 

القرآن منهج حياة، ودستور ونظام، شريعة الله إلى أهل الأرض، قضى ألا يحتكموا إلا إليها، وألا يؤمنوا إلا بما وافقه، وأن يعرضوا عن زبالات أذهان الناس من الشرق أو الغرب، إن الحاكمية لله وحده، فهو الحكم العدل، أَفَحُكمَ الجَـاهِلِيَّةِ يَبغُونَ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكماً لّقَومٍ, يُوقِنُونَ [الغامدي: 50]، قال - سبحانه -: (أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزعُمُونَ أَنَّهُم ءامَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّـاغُوتِ وَقَد أُمِرُوا أَن يَكفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيطَـانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلَـالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوا إِلَىا مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيتَ المُنَـافِقِينَ يَصُدٌّونَ عَنكَ صُدُوداً فَكَيفَ إِذَا أَصَـابَتهُم مٌّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَت أَيدِيهِم ثُمَّ جَاءوكَ يَحلِفُونَ بِاللَّهِ إِن أَرَدنَا إِلاَّ إِحسَاناً وَتَوفِيقاً أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعلَمُ اللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِم فَأَعرِض عَنهُم وَعِظهُم وَقُل لَّهُم فِى أَنفُسِهِم قَولاً بَلِيغاً) [النساء: 60-63]، إلى أن قال - سبحانه -: (فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِى أَنفُسِهِم حَرَجاً مّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلّمُوا تَسلِيماً) [النساء: 65]، فلا بد من التحاكم إلى الرسول، والرضا بحكم الرسول، والتسليم لحكم الرسول، حتى يتحقق الإيمان، وإلا فلا وربك لا يؤمنون.

 

عباد الله، يا مسلمون، يا أمم الأرض، يا من ينشدون السعادة ويرجون النجاة، كتاب الله بين أيدينا كلامه ونوره ورحمته شفاؤه، من أراد الهدى فبالقرآن: (إِنَّ هذا القُرءانَ يِهدِى للتي هي أَقوَمُ وَيُبَشّرُ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعمَلُونَ الصَّـالِحَاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبِيرًا) [الإسراء: 9]، من أراد الغنى فبالقرآن قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله - عز وجل - خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل؟!)). وهذا ـ والله ـ هو الربح والغنى عباد الله.

 

ومن أراد مضاعفة الأجور فبالقرآن قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ حرفا من كتاب الله كان له حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).

 

ومن أراد الشفاعة فبالقرآن قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يأتي القرآن شفيعا لأصحابه، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهم)).

 

ومن أراد الشفاء ففي القرآن قال - سبحانه -: (قُل هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ فِى ءاذَانِهِم وَقرٌ وَهُوَ عَلَيهِم عَمًى أُولَـئِكَ يُنَادَونَ مِن مَّكَانٍ, بَعِيدٍ,) [فصلت: 44].

 

وبالجملة من أراد الخير كله ففي التمسك والعمل بالقرآن، ومن أراد الشر كله فبالإعراض عنه، (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلٌّ وَلاَ يَشقَى وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيـامَةِ أَعمَى قَالَ رَبّ لِمَ حشرتني أَعمَى وَقَد كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذالِكَ أَتَتكَ آياتنا فَنَسِيتَهَا وَكَذالِكَ اليَومَ تنسى [طه: 123-126].

فيا من يشتكون من عدم استقرار البيوت عليكم بالقرآن، ويا من يشتكون من القلق والوساوس عليكم بالقرآن، ويا من يشتكون من ضعف الإيمان عليكم بالقرآن.

 

عباد الله، أحيوا بالقرآن ليلكم، استعذبوا ألفاظه، وتأملوا إتقانه، قوموا به مع القائمين، اصبروا أنفسكم على صلاة التراويح والقيام، ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) [البخاري ومسلم].

 

فلا تستطل ـ ياعبدالله ـ ساعةً تقفها بين يدي مولاك، وجاهد هواك، فإن المأسور من أسره هواه، والمحروم من أبعده مولاه، والجهاد طريق الفلاح، (وَالَّذِينَ جَـاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ)[العنكبوت: 69].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي زين أولياءه بزينة الإيمان، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - تسليما كثيرا.

 

وبعد:

فيا عباد الله، قال رسولنا: ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران))، وقال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وقال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها))، وقال: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها حلو، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، والمنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر)).

 

عباد الله، احذروا من هجر القرآن، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي يوم القيامة يحاج قومه كما أخبر الله - تعالى -بقوله: (وَقَالَ الرَّسُولُ يارَبّ إِنَّ قَومِى اتَّخَذُوا هَـاذَا القُرءاَنَ مَهجُوراً) [الفرقان: 30].

وإن هجر القرآن يكون هجر تلاوة، وهجر تدبر وتفكر، وهجر سماع، وهجر عمل. فاستعيذوا بالله من أنواع الهجر كلها.

 

عباد الله، إن أمامكم العمر كله، وأنتم في شهر الخير والبركات، فاغتنموا ـ عباد الله ـ فرصة العمر فاهتبلوها، وإياكم والغرور بالدنيا فإنكم تاركوها، واحرصوا على تعليم من ولاكم الله أمرهم، فعلموهم القرآن حتى يحمدوكم عند الكبر، ويكونوا صالحين فيدعوا لكم عند زوال الأقدام عن الدنيا.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply