ما مدى صحة الأثر : \ لما فرغ إبراهيم من بناء ...\


بسم الله الرحمن الرحيم

ما مدى صحة هذا الأثر

قال ابن كثير- رحمه الله -: في قوله تعالى: وأَذِّن فِي النَّاس بِالحَجِّ \" أَي نَادِ فِي النَّاس بِالحَجِّ دَاعِيًا لَهُم إِلَى الحَجّ إِلَى هَذَا البَيت الَّذِي أَمَرنَاك بِبِنَائِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَبّ كَيف أُبَلِّغ النَّاس وَصَوتِي لَا يَنفُذهُم فَقَالَ نَادِ وَعَلَينَا البَلَاغ فَقَامَ عَلَى مَقَامه وَقِيلَ عَلَى الحِجر وَقِيلَ عَلَى الصَّفَا وَقِيلَ عَلَى أَبِي قُبَيس وَقَالَ: يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ رَبّكُم قَد اِتَّخَذَ بَيتًا فَحُجٌّوهُ فَيُقَال إِنَّ الجِبَال تَوَاضَعَت حَتَّى بَلَغَ الصَّوت أَرجَاء الأَرض وَأَسمَعَ مَن فِي الأَرحَام وَالأَصلَاب وَأَجَابَهُ كُلّ شَيء سَمِعَهُ مِن حَجَر وَمَدَر وَشَجَر وَمَن كَتَبَ اللَّه أَنَّهُ يَحُجّ إِلَى يَوم القِيَامَة لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ هَذَا مَضمُون مَا وَرَدَ عَن اِبن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعِكرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير وَغَير وَاحِد مِن السَّلَف وَاَللَّه أَعلَم.

 

الجواب:

كلامك الذي نقلت عن ابن كثير هو في الأصل آثار أوردها الإمام الطبري في تفسيره وإليك ما جاء عند الطبري من هذه الآثار، وما في أسانيدها:

 

1 - حَدَّثَنَا ابن حُمَيد، قَالَ: ثنا جَرِير، عَن قَابُوس، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبَّاس، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إِبرَاهِيم مِن بِنَاء البَيت قِيلَ لَهُ: {أَذِّن فِي النَّاس بِالحَجِّ} قَالَ: رَبّ وَمَا يَبلُغ صَوتِي؟ قَالَ: أَذِّن وَعَلَيَّ البَلَاغ! فَنَادَى إِبرَاهِيم: أَيّهَا النَّاس كُتِبَ عَلَيكُم الحَجّ إِلَى البَيت العَتِيق فَحُجٌّوا! قَالَ: فَسَمِعَهُ مَا بَين السَّمَاء وَالأَرض، أَفَلَا تَرَى النَّاس يَجِيئُونَ مِن أَقصَى الأَرض يُلَبٌّونَ؟

رواه الحاكم في المستدرك (2/389)، والبيهقي في السنن (5/176) من طريق إسحاق عن جرير به، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وفي سنده قابوس وهو ابن أبي ظبيان وقد ضعفه غير واحد منهم ابن معين والنسائي والدارقطني، وقال عنه ابن حبان في المجروحين: كان رديء الحفظ يتفرد عن أبيه بما لا أصل له.

وقال الحافظ ابن حجر: فيه لين.

وقال الشيخ مقبل الوادعي تعليقا على كلام الحاكم في تتبع الشيخ مقبل على أوهام الحاكم التي سكت عنها الذهبي (2/458):

لا، قابوس مختلف فيه والراجح ضعفه. ا. هـ.

 

2 - حَدَّثَنَا الحَسَن بن عَرَفَة، قَالَ: ثنا مُحَمَّد بن فُضَيل بن غَزوَان الضَّبِّيّ، عَن عَطَاء بن السَّائِب، عَن سَعِيد بن جُبَير، عَنِ ابن عَبَّاس، قَالَ: لَمَّا بَنَى إِبرَاهِيم البَيت أَوحَى اللَّه إِلَيهِ، أَن أَذِّن فِي النَّاس بِالحَجِّ! قَالَ: فَقَالَ إِبرَاهِيم. أَلَا إِنَّ رَبّكُم قَدِ اتَّخَذَ بَيتًا، وَأَمَرَكُم أَن تَحُجٌّوهُ، فَاستَجَابَ لَهُ مَا سَمِعَهُ مِن شَيء مِن حَجَر وَشَجَر وَأَكَمَة أَو تُرَاب أَو شَيء: لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ!

وهذا السند فيه عطاء بن السائب، وهو ممن اختلط.

 

3 - حَدَّثَنَا ابن حُمَيد، قَالَ: ثنا يَحيَى بن وَاضِح، قَالَ: ثنا ابن وَاقِد، عَن أَبِي الزٌّبَير، عَن مُجَاهِد، عَنِ ابن عَبَّاس: قَوله: {وَأَذِّن فِي النَّاس بِالحَجِّ} قَالَ: قَامَ إِبرَاهِيم خَلِيل اللَّه عَلَى الحِجر، فَنَادَى: يَا أَيّهَا النَّاس كُتِبَ عَلَيكُم الحَجّ، فَأَسمَعَ مَن فِي أَصلَاب الرِّجَال وَأَرحَام النِّسَاء، فَأَجَابَهُ مَن آمَنَ مَن سَبَقَ فِي عِلم اللَّه أَن يَحُجّ إِلَى يَوم القِيَامَة: لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ!

وهذا الإسناد فيه ابن حميد كما مر في الأثر الأول.

وأيضا في سنده أبو الزبير وهو محمد بن مسلم المكي، وهو مدلس، ولم أجد في ترجمته من شيوخه مجاهد.

 

4 - حَدَّثَنِي ابن حُمَيد، قَالَ: ثنا حَكَّام عَن عَمرو، عَن عَطَاء، عَن سَعِيد بن جُبَير، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إِبرَاهِيم مِن بِنَاء البَيت، أَوحَى اللَّه إِلَيهِ، أَن أَذِّن فِي النَّاس بِالحَجِّ! قَالَ: فَخَرَجَ فَنَادَى فِي النَّاس: يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ رَبّكُم قَدِ اتَّخَذَ بَيتًا فَحُجٌّوهُ! فَلَم يَسمَعهُ يَومئِذٍ, مِن إِنس، وَلَا جِنّ، وَلَا شَجَر، وَلَا أَكَمَة، وَلَا تُرَاب، وَلَا جَبَل، وَلَا مَاء، وَلَا شَيء إِلَّا قَالَ: لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ!

فيه ابن حميد.

وهو من كلام سعيد بن جبير.

 

5 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سِنَان القَزَّاز، قَالَ: ثنا حَجَّاج، قَالَ: ثنا حَمَّاد، عَن أَبِي عَاصِم الغَنَوِيّ، عَن أَبِي الطٌّفَيل، قَالَ: قَالَ ابن عَبَّاس: هَل تَدرِي كَيفَ كَانَت التَّلبِيَة؟ قُلت: وَكَيفَ كَانَت التَّلبِيَة؟ قَالَ: إِنَّ إِبرَاهِيم لَمَّا أُمِرَ أَن يُؤَذِّن فِي النَّاس بِالحَجِّ، خَفَضَت لَهُ الجِبَال رُءُوسَهَا، وَرُفِعَتِ القُرَى، فَأَذَّنَ فِي النَّاس.

محمد بن سنان القزاز ضعيف كما ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب.

وفيه أيضا أبو عاصم الغنوي، قال أبو حاتم: لا أعلم روى عنه غير حماد بن سلمة، ولا أعرفه ولا أعرف اسمه. ووثقه ابن معين. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: مقبول.

وهناك آثار أخرى مقطوعة.

والذي يظهر أنه لا يعول عليها، إما بسبب ضعف في أسانيدها، أو أنها موقوفة ومقطوعة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply