قبسات من السنة النبوية ( 14 )


بسم الله الرحمن الرحيم 

من مكارم الأخلاق  (2 )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..وبعد:

فهذه أحاديث سلوكية في مجال مكارم الأخلاق، فمن ذلك ما أخرجه الإمام مالك - رحمه الله - من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: \" كان آخر ما أوصاني به النبي - صلى الله عليه وسلم - حين وضعت رجلي في الغرز أن قال: يا معاذ أحسن خلقك للناس\" ([1]).

فهذه وصية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن داعيا ومعلما، وإنما أوصاه بذلك لأن مكارم الأخلاق من الدعائم القوية في التأثير على الناس واجتذابهم إلى الهداية.

وأخرج الإمامان أحمد ومسلم - رحمهما الله - من حديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" من يُحرمِ الرفق يحرم الخير \" ([2]).

يعني في مجال السلوك، وذلك لأن الرفق يعطي الميزان الصحيح والدقيق على جميع الأمور، فيقدم الإنسان على العمل وهو على علم بمنافعه ومضاره.

وأخرج أبو عيسى الترمذي - رحمه الله - في هذا المعنى من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"الأناة من الله والعجلة من الشيطان\" ([3]).

فالأناة هي التريٌّث في الحكم على الأمور وعدم الاستعجال في التصرف وإتاحة الفرصة للعقل كي يفكر ويتأمل بروَّية ونظر.

وكم من أمور أفسدتها العجلة!!

وكم من أمور أحكمتها الأناة!!

فلذلك كانت الأناة من الله - تعالى - لأن صاحبها يكون مسدَّدا بتوفيق من الله - جل وعلا -، والعجلةُ من الشيطان لأنه يَحضر ساعة ابتداء التفكير فيوسوس للإنسان ويضخم في فكره حظ النفس، ويُكبر في ناظريه التصرفات المرتجلة التي مآلها الإفساد ويحقِّر في نظره حظ الآخرين ويقلِّل في حسِّه جدوى التأمل وإعادة النظر الذي مآله الإصلاح.

وفي حديث آخر يبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الأناة والتريث خير في أمور الدنيا، أما أمور الآخرة فإنها يُطلب فيها المسارعة لوضوحها واغتنامُ الوقت لتقديم أكبر قدر ممكن من الأعمال الصالحة، حيث يقول - صلى الله عليه وسلم -: \" التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة\" أخرجه أبو داود - رحمه الله - من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ([4]).

ومن مكارم الأخلاق السماحة في القول والعمل، وفي ذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"من كان سهلا هيِّنا ليِّنا حرَّمه الله على النار\" أخرجه الحافظان الحاكم والبيهقي - رحمهما الله - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ([5]).

ففي هذا بيان فضل السماحة واللين واللطف في معاملة المسلمين والتخاطب معهم، وذلك بأن يأخذ المسلم من الأمور أيسرها مالم يكن إثما، وأن يتواضع لإخوانه المسلمين وأن يحسن الظن بهم وأن يكون باشًّا في مقابلتهم مبتسمًا في وجوههم، وأن يرفع الكلفة بينه وبينهم حتى لا تمنعهم هيبته من الدخول عليه ومصارحته بما يريدون.

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: \"إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عمير ما فعل النٌّغير؟ \" أخرجه الإمام البخاري - رحمه الله تعالى -([6]).

 

 

فهذا مثل من حنان النبي - صلى الله عليه وسلم - ولطفه مع الصغار فقد كان أبو عمير يحمل طائرا معه ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنه أبا عمير من باب ملاطفته ومداعبته، وهذا تواضع منه - صلى الله عليه وسلم - حتى مع الصغار.

وعن أنس بن مالك أيضًا - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فو الذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما \" ([7]).

فهذا توجيه من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى نوعين من السلوك، هما حسن الخلق وطول الصمت، فأما حسن الخلق فهو السلعة الغالية التي تجعل صاحبها مألوفا عند الناس ومحبوبا لديهم، وأما طول الصمت فإنه حماية لصاحبه من الوقوع في الخطأ، وصيانةٌ له من العثرات، وإبقاء لمهابته في النفوس.

 

-----------

([1]) الموطأ، كتاب حسن الخلق، باب 1 رقم (902).

([2]) صحيح مسلم، رقم 2592، كتاب البر، باب 23 (3003)، مسند أحمد 4/362.

([3]) سنن الترمذي، رقم 2012، كتاب البر باب 66 (4/367).

([4]) سنن أبي داود، رقم 4810، كتاب الأدب، باب 11 (5/157).

([5]) صحيح الجامع الصغير، رقم 6360.

([6]) صحيح البخاري، رقم 6129، كتاب الأدب، باب 81 (10/526).

([7]) صحيح الجامع الصغير، رقم 3927.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply