حديث يطلع عليكم الآن رجل ... في ميزان النقد


 بسم الله الرحمن الرحيم

الــحــمــدُ لــلــه وبــعــد.

نسمعُ كثيراً قصةَ عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - مع الصحابي الذي بات عنده ليتعرفَ على سببِ ثناءِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ووصفه له بأنه من أهلِ الجنةِ.

وفي هذا البحث سنعرض القصة على ميزان النقد الحديثي من جهة ثبوتها.

فهل تصحُ هذه القصة ؟؟؟؟

 

نـــــص الـــــقِـــــصـــةِ:

روى عبد الرزاق في مصنفه (20559) بسنده فقال: حَدَّثَنَا مَعمَرٌ، عَنِ الزٌّهرِيِّ، قَالَ أَخبَرَنِي أَنَسُ بنُ مَالِكٍ, قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَطلُعُ عَلَيكُم الآنَ مِن هذا الفجّ مِن أَهلِ الجَنَّةِ، قَالَ: فافَطَلَعَ رَجُلٌ مِن أهل تَنطِفُ لِحيَتُهُ مِن وُضُوئِهِ قَد عَلَّقَ نَعلَيهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فسلَّم، فَلَمَّا كَانَ الغَدُ قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - مِثلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثلَ المَرَّةِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ اليَومُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - مِثلَ مَقَالَتِهِ أَيضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثلِ حَالِهِ الأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - تَبِعَهُ عَبدُ اللَّهِ بنُ عَمرِو بنِ العَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيتُ أَبِي فَأَقسَمتُ أَن لَا أَدخُلَ عَلَيهِ ثَلَاثًا فَإِن رَأَيتَ أَن تُؤوِيَنِي إِلَيكَ حَتَّى تَمضِيَ فَعَلتَ، قَالَ: نَعَم. قَالَ أَنَسٌ : وَكَانَ عَبدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ فَلَم يَرَهُ يَقُومُ مِن اللَّيلِ شَيئًا غَيرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ - عز وجل - وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الفَجرِ، قَالَ عَبدُ اللَّهِ : غَيرَ أَنِّي لَم أَسمَعهُ يَقُولُ إِلَّا خَيرًا، فَلَمَّا مَضَت الثَّلَاثُ لَيَالٍ,، وَكِدتُ أَن أَحتَقِرَ عَمَلَهُ قُلتُ يَا عَبدَ اللَّهِ ، إِنِّي لَم يَكُن بَينِي وَبَينَ أَبِي غَضَبٌ، وَلَا هَجرٌ ثَمَّ، وَلَكِن سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ, يَطلُعُ عَلَيكُم الآنَ رَجُلٌ مِن أَهلِ الجَنَّةِ، فَطَلَعتَ أَنتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ, فَأَرَدتُ أَن آوِيَ إِلَيكَ لِأَنظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقتَدِيَ بِهِ، فَلَم أَرَكَ تَعمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ,، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيتَ. قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيتَ غَيرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفسِي لِأَحَدٍ, مِن المُسلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيرٍ, أَعطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ : هَذِهِ الَّتِي بَلَغَت بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ.

 

تـــخـــريـــجُ الـــــقِـــــصـــة:

أخرجها الإمام أحمد في مسنده (3/166)، وعبد بن حُميد في المنتحب (1157)، والبغوي في شرح السنة (3535) من طريق عبد الرزاق به. وأخرجها النسائي في الكبرى (10633)، وعمل اليوم والليلة (863) من طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر به. وجاء عند البزار في كشف الأستار (1981) من طريق ابن لهيعة، عن عقيل بن خالد، أنه سمع ابن شهاب به.

 

- طــــريــــقٌ أخــــرى:

أخرج البزار (1982) الحديث من طريق آخر عن ابن عمر فقال: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الله بن قيس، ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يدخل عليكم رجل من أهل الجنة، فدخل سعد، قال ذلك ثلاثة أيام كل ذلك يدخل سعد. قال البزار عقب هذه الرواية: لا نعلم رواه عن أيوب إلا عبد الله بن قيس، ولم نسمعه إلا من أبي موسى عنه. ا. هـ.

 

كـلامُ أهـلِ الـعـلـمِ على إسـنـادِ الـقــصـةِ:

وهذا الحديثُ ضعيفٌ لأن فيه انقطاعاً بين الزهري وأنس بن مالك - رضي الله عنه -، وأذكر كلام أهل العلم على هذه العلة.

1 - قال الحافظ المزي في تحفة الأشراف (1/395):

قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: لم يسمعه الزهري من أنسº رواه عن رجل عن أنسº كذلك رواه عقيل وإسحاق بن راشد وغير واحد، عن الزهريº وهو الصواب. ا. هـ.

 

2 - وقال ابن كثيرٍ, في تفسيره (8/96):

ورواه النسائي في اليوم والليلة عن سُويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن معمر به. وهذا إسناد على شرط الصحيحين، لكن رواه عقيل وغيره عن الزهري، عن رجل، عن أنس. ا. هـ.

 

3 - وقال الحافظ ابن حجر في النكت الظراف:

قلت: وذكر البيهقي في الشعب: أن شعيبا رواه عن الزهري، حدثني من لا أتهم عن أنس. ورواه معمر، عن الزهري، أخبرني أنسº كذلك أخرجه أحمد عنه. ورويناه في مكارم الأخلاق، وفي عدة أمكنة عن عبد الرزاق. وقد ظهر أنه معلول. ا. هـ.

 

4 - وقال العلامة الألباني - رحمه الله - في ضعيف الترغيب والترهيب (2/247):

قلت: هو كما قال يقصد الشيخ الألباني قول المنذري: رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم -، لولا أنه منقطع بين الزهري وأنس، بينهما رجل لم يسم كما قال الحافظ حمزة الكناني على ما ذكره الحافظ المزي في تحفة الأشراف، ثم الناجي، وقال: وهذه العلة لم ينتبه لها المؤلف. ثم أفاد أن النسائي إنما رواه في \" اليوم والليلة \" لا في \" السنن \" على العادة المتكررة في الكتاب، فتنبه.

قلت: أخرجه عبد الرزاق في المصنف ومن طريقه جماعة منهم أحمد: قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك. وهذا إسناد ظاهر الصحة، وعليه جرى المؤلف والعراقي في \" تخريج الإحياء \"، وجرينا على ذلك برهة من الزمن، حتى تبينت العلة، فقال البيهقي في \" الشعب \" عقبه: ورواه ابن المبارك عن معمر فقال عن معمر، عن الزهري، عن أنس. ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، قال: حدثني من لا أتهم..، وكذلك رواه عقيل بن خالد عن الزهري. وانظر \" أعلام النبلاء \" (1/109).

ولذلك قال الحافظ عقبه في \" النكت الظراف على الأطراف \": فقد ظهر أنه معلول. ا. هـ.

 

وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى تصحيح الحديث على ظاهر السند، منهم:

1 - الحافظ العراقي:

قال في تخريج الإحياء (3168): رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين، ورواه البزار وسمي الرجل في رواية له سعدا وفيها ابن لهيعة. ا. هـ.

 

2 - الحافظ الهيثمي:

قال في المجمع (8/79): رواه أحمد والبزار بنحوه غير أنه قال: فطلع سعد، بدل قوله: فطلع رجل.

وقال في آخره: فقال سعد: ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي، إلا أني لم أبت ضاغناً على مسلم، أو كلمة نحوها.

ورجال أحمد رجال الصحيح، وكذلك أحد إسنادي البزار، إلا أن سياق الحديث لابن لهيعة. ا. هـ.

 

3 - الشيخ شعيب الأرنؤوط:

قال في تخريجه لـ \" شرح السنة \" (13/114): إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3/166. وقال في تخريجه لمسند الإمام أحمد (20/125): إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأما في سير أعلام النبلاء (1/109) فقد نقل كلاما نصه: ذكره صاحب الكنز (أي: كنز العمال) ونسبه إلى ابن عساكر، وقال: ورجاله رجال الصحيح، إلا أن ابن شهاب قال: حدثني من لا أتهم، عن أنس.. ا. هـ.

 

والذي يظهر أن القصة ضعيفة لا تثبت بسبب الانقطاع بين الزهري وأنس بن مالك. والله أعلم.

- أما الطريق الأخرى عن ابن عمر فقد تكلم العلماء في أحد رجال سنده ألا وهو عبد الله بن قيس الرقاشي.

قال العقيلي في الضعفاء (2/289):

عبد الله بن قيس الرقاشي عن أيوب، حديثه غير محفوظ، ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به.

وذكر له هذا الحديث.

ونقل الذهبي في الميزان (2/473) كلام العقيلي في الرجل، وذكره أيضا الحافظ ابن حجر في اللسان (3/404 - 405).

وهذا نهاية البحث، فمن كان لديه زيادة على ما ذكرنا نكون له من الشاكرين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply