قصة بدء الأذان ليلة الإسراء والمعراج


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أولاً: متن القصة:

رُوي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: لما أراد الله- تبارك وتعالى -أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها: البراق، فذهب يركبها، فاستصعبت، فقال لها جبريل: اسكني، فوالله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد - صلى الله عليه وسلم -.

قال: فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن تبارك وتعالى.

قال: فبينما هو كذلك إذ خرج ملك من الحجاب، فقال رسول اللَّه: "يا جبريل، من هذا؟" فقال: والذي بعثك بالحق، إني لأقرب الخلق مكانًا، وإن هذا الملك ما رأيته منذ خُلِقَتُ قبل ساعتي هذه.

فقال الملك: الله أكبر، الله أكبر.

قال: فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أكبر، أنا أكبر.

ثم قال الملك: أشهد أن لا إله إلا الله.

قال: فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي لا إله إلا أنا.

قال: فقال الملك: أشهد أن محمدًا رسول الله.

قال: فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أرسلت محمدًا.

فقال الملك: حي على الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، ثم قال: الله أكبر، الله أكبر.

قال: فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر.

ثم قال: لا إله إلا الله، قال: فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي: لا إله إلا أنا. قال: ثم أخذ الملك بيد محمد - صلى الله عليه وسلم - فقدمه، فأمّ أهل السماءº فيهم آدم ونوح.

قال أبو جعفر محمد بن علي: فيومئذ أكمل الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - الشرف على أهل السماوات والأرض.

 

ثانيًا: التخريج:

أخرجه البزار في "كشف الأستار" (1-178) (ح352) وقال: حدثنا محمد بن عثمان بن مخلد الواسطي ثنا أبي عن زياد بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي. فذكر القصة.

 

ثالثًا: التحقيق:

قال البزار بعد أن أخرج حديث القصة: لا نعلمه يُروى عن علي بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد، وزياد بن المنذر شيعي روى عنه مروان بن معاوية وغيره.

ولقد بيّن الإمام المزِّي في "تهذيب الكمال" (6-408) أن محمدًا بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ممن روى عن زياد بن المنذر.

والقصة واهية وعلتها زياد بن المنذر.

أورده الإمام الذهبي في \"الميزان\" (2-93-2965) قال: قال ابن معين: كذّاب.

ثم أورده الإمام النسائي في كتابه "الضعفاء والمتروكين" (225) قال: زياد بن المنذر أبو الجارود متروك الحديث.

وأورده الإمام الدارقطني في كتابه "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (234) وقال: زياد بن المنذر أبو الجارود كوفي عن أبي الطفيل والسبيعي وأبي جعفر محمد بن علي.

وقد يظن من يقرأ عبارة الدار قطني هذه أنه لم يذكر في زياد بن المنذر جرحًا ولا تعديلاً، وهذا لعدم درايته بشرط الكتاب الموضوع في المقدمة، وإلى القارئ الكريم بيان هذا الشرط.

قال أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي البرقاني: طالت محاورتي مع أبي منصور إبراهيم بن الحسين بن حَمَكَان لأبي الحسن علي بن عمر الدار قطني عفا الله عني وعنهما في المتروكين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات.

وبهذا يتبين أن كل من ذكر اسمه في كتاب "الضعفاء والمتروكين" للدار قطني فقد أجمع على تركه الأئمة الثلاثة البرقاني وابن حَمَكان والدار قطني.

ولقد أورده الإمام ابن حبان في كتابه "المجروحين" (1-302) وقال: زياد بن المنذر أبو الجارود الثقفي كان رافضيًا يضع الحديث في مثالب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويروي في فضائل أهل البيت أشياء ما لها أصول، لا تحل كتابة حديثه، قال يحيى: زياد بن المنذر أبو الجارود كذّاب عدوٌ لله ليس يساوي فلسًا.

قلت: وأخرج هذا القول بسنده الإمام الحافظ ابن عدي في كتابه "الكامل" (3-189) ترجمة (5-690).

وبهذا يتبين للقارئ الكريم أن هذه القصة واهية.

 

رابعًا: ما صحّ في قصة بدء الأذان:

القصة الأولى:

لقد بوب البخاري بابًا في كتاب "الأذان" قال فيه: "باب بدء الأذان"، ثم ذكر فيه حديث ابن عمر (ح604) كان يقول: "كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادي لها، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل قرن اليهود. فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: يا بلال قم فناد بالصلاة".

قلت: والحديث أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" (ح377) وذلك في كتاب الصلاة باب "بدء الأذان" من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -.

فائدة:

قول ابن عمر - رضي الله عنهما -: "كان المسلمون حيث قدموا المدينة وفي الوقت نفسه يدل على كذب القصة التي أشرنا إليها "قصة بدء الأذان ليلة الإسراء والمعراج".

 

القصة الثانية:

أوردها الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (2-99) باب "صفة الأذان" من حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أجمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله، قال: فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر غير بعيد قال: ثم تقول: إذا أقمت الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: فلما أصبحت أتيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما رأيت، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله"، ثم أمر بالتأذين، فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة، قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نائم، فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم. قال سعيد بن المسيب فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر. رواه أحمد وأبو داود من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه وفيه: "فلما أصبحت أتيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما رأيت، فقال: إنها لرؤيا حق- إن شاء الله- فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فإنه أندى صوتًا منك، قال: فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: فلله الحمد". وروى الترمذي هذا الطرف منه بهذه الطريق وقال: حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح.

قال الإمام الشوكاني: وأخرجه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والبيهقي وابن ماجه، قال محمد بن يحيى الذهلي: ليس في أخبار عبد الله بن زيد أصح من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم، يعني هذا لأن محمد قد سمع من أبيه عبد الله بن زيد.

وقال ابن خزيمة في صحيحه: هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمد سمع من أبيه، وابن إسحاق سمع من التيمي وليس هذا مما دلَّسه.

وقد صحح هذه الطريق البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل عنه.

قلت: وهذا الكلام الذي ذكره الشوكاني من تصحيح الأئمة لهذا الحديث وإقراره له ذكره بنصه الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" (1-196) (ح291) وأقره.

قلت: ولقد أقر تصحيح هؤلاء الأئمة محدث وادي النيل الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - في تخريجه لسنن الترمذي فعندما قال الترمذي عن حديث عبد الله بن زيد: حديث حسن صحيح. قال: وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول، وذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة.

قلت: فقام محدث وادي النيل بتخريج ما ذكره الترمذي في تخريج سنن الترمذي (1-360- شاكر) حيث قال:

"ورواية إبراهيم بن سعد التي أشار إليها رواها أحمد في المسند (4-43) عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق، ورواها أبو داود (1-187- 189) عن محمد بن منصور الطوسي عن يعقوب، والحديث رواه أيضًا ابن ماجه (1-124)، عن عبيد محمد بن عبيد بن ميمون عن محمد بن سلمة الحراني عن ابن إسحاق، وفي كل هذه الروايات صرح ابن إسحاق بسماعه من محمد بن إبراهيم ورواه أيضًا البيهقي في السنن الكبرى (1-390- 391) بأسانيد من طريق إبراهيم بن سعد ثم روى عن محمد بن عبد الله بن زيد لأن محمدًا سمع من أبيه، وابن أبى ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد".

ثم نقل عن كتاب "العلل الكبير" للترمذي قال: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث؟ فقال: هو عندي حديث صحيح.

قلت: وكفى بتصحيح أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري لحديث قصة عبد الله بن زيد في الأذان.

وبهاتين القصتين الثابتتين يتبين أن قصة "بدء الأذان ليلة الإسراء والمعراج قصة واهية".

وهذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply