أسئلة القراء عن الأحاديث


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يسألُ القارئ: محب الدين سرور، شربين محافظة الدقهلية عن هذه الأحاديث:

1- تمعددوا، واخشوشنوا، وانتعلوا، وامشوا حفاةً.

2- أن أخوين مات أحدهما قبل الآخر بجمعةٍ,، ففضَّل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الذي مات أولاً، وقال: "إنه صلى بعده أربعين صلاة".

3- حياتي خير لكم، ومماتي خيرٌ لكم، تعرضُ عليَّ أعمالكم، فما وجدتُ من خيرٍ، حمدتُ الله عليه، وما رأيتُ من شرّ استغفرت الله لكم.

والجواب بحول الملك الوهاب:

أما الحديث الأول: "تمعددوا.." فضعيف جدّا.

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (6061)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (4-2361) عن صفوان بن عيسى، والطبراني في "الكبير" (ج19- رقم 84)، وأبو نعيم في "المعرفة" (5801)، وأبو الشيخ في "كتاب السبق"، وابن شاهين في "الصحابة" عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وأبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" (1655، 1987)، ومن طريقه أبو نعيم في "المعرفة" (5800) عن إسماعيل بن زكريا ثلاثتهم عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن القعقاع بن أبي حدردٍ, مرفوعًا به.

ووقع عند البغوي: "ابن أبي حدردٍ" غير مسمى. وسمَّاه البغوي مرة "عبد الله" ومرة: "قعقاع".

ونقل السيوطي في "الجامع الكبير" (12850-526) عن ابن عساكر قال: "اعتقد البغوي أن ابن أبي حدردٍ,، هو عبد الله فأخرجه في ترجمته، وإنما هو القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد، وكذلك رواه صفوان بن عيسى ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن عبد الله بن سعيد المقبري، فيكون الحديثُ مرسلاًº لأن القعقاع لا صحبة له، وعبد الله بن سعيد ضعيف بمرة". انتهى.

قلت: وقد اختلف في إسناده، فرواه صفوان بن عيسى، ويحيى بن زكريا، وإسماعيل بن زكريا ثلاثتهم عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن القعقاع ابن أبي حدردٍ,.

وخالفهم عبد الرحيم بن سليمان فرواه عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن رجل من أسلم يقال له: ابنُ الأدرع مرفوعًا فذكره.

أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2386)، والرامهرمزي في "الأمثال" (136) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرميّ، قالا: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وهذا في "المصنف" (9-22)، وفي "المسند" (597) قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان بهذا.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (ج22- رقم 885) من طريق سعيد بن سليمان، عن إسماعيل بن زكريا، عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي حدردٍ, مرفوعًا، وهذا اضطرابٌ شديد، وآفته عبد الله بن سعيد فإنه واهٍ,، متروك الحديث.

وقد صحَّ هذا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: "أمَّا بعدُ، فاتزروا وارتدوا، وانتعلوا وارموا بالخفاف، واقطعوا السراويلات، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإيَّاكم والتنعم وزيّ الأعاجم، وعليكم بالشمس، فإنها حمام العرب، وتمعددوا، واخشوشنوا، واخلولقوا، وارموا الأغراض، وانزوا نزوًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن الحرير إلا هكذا: أصبعيه، السبابة والوسطى، قال: فما علمنا أنه يعني إلا الأعلام".

أخرجه أبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1030) قال: حدثنا عليّ بنُ الجعد. وابنُ حبان (5454) عن عيسى بن يونس عن شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أبا عثمان النهدي يقول: أتانا كتاب عمر، ونحن بأذريبجان مع عتبة بن فرقد: "أما بعدُ... إلخ".

وأخرجه البغوي أيضًا (1031) قال: حدثنا علي بن الجعد، والبيهقي (10-14) عن آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي عن عمر نحوه وزاد: "وتعلموا العربية".

وتوبع شعبة على هذا الوجه. فأخرجه البخاري في "اللباس" (10-284)، ومسلم (2069-12) عن زهير بن معاوية وأحمد (1-43) قال: حدثنا يزيد بن هارون، وأبو يعلى (213) عن حماد بن سلمة ثلاثتهم عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر نحوه مطوَّلاً ومختصرًا. وأخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" (3-325) قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي العدبَّس الأسدي، عن عمر نحوه.

وأبو العدبَّس فيه جهالة.

وأخرجه البخاري (10-284) عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان قال: كنا مع عتبة- يعني: ابن فرقد- فكتب إليه عمرُ. فذكر بعضه مرفوعًا: "لا يلبس الحرير في الدنيا، إلا لم يُلبس منه شيء في الآخرة".

 

وأما الحديث الثاني: "أن أخوين... إلخ" فهو حديثٌ باطلٌ.

أخرجه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت في "الأول من الفوائد" (ق83-2) قال: حدثنا أحمد بن بكر البالسيٌّ، ثنا داود بنُ الحسن، ثنا مبارك بنُ فضالة، عن الحسن البصري، عن أنس بن مالك فذكره. وهذا إسناد مسلسلٌ بالعلل.

فأحمد بن بكر البالسيٌّ، ترجمه ابنُ عدي في "الكامل" (1-191) وقال: "قال لنا عبد الملك بن محمد: أحمد بن بكر البالسيٌّ روى أحاديث مناكير عن الثقات" ونسب الذهبي في "الميزان" (1-86) هذا القول لابن عدي، ولم يتعقَّبهُ في "اللسان" (1-237) وقد رأيت أنه قول شيخ ابن عدي. ونقل في "اللسان" أن الدارقطني ضعَّفه، بل قال أبو الفتح الأزدي: "كان يضع الحديث" ولعلَّه بالغ كعادته. وأمَّا ابنُ حبان فقد ذكره في "الثقات" (8-51) وقال: "كان يخطئ". وداود بن الحسن لم أجد له ترجمة، فليحرر. ومبارك بن فضالة ضعيفٌ وكان يدلس. والحسن البصري لم يسمع من أنس بن مالك. فالإسناد ساقط كما رأيت، والله أعلم.

 

وأما الحديث الثالث: "حياتي خير لكم... " فضعيف منكرٌ.

أخرجه البزار (1925- البحر) قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: نا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّادٍ,، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعودٍ,، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لله ملائكة سياحين، يبلغوني عن أمتي السلام". قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حياتي خيرٌ لكم... " الحديث.

قال البزار: "وهذا الحديث آخره لا نعلمه يروى عن عبد الله، إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد". فاعلم- أيها المسترشد- أن جماعة من ثقات أصحاب سفيان الثوري رووا هذا الحديث عنه، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود بأوله حسبُ، ولم يذكر واحدٌ منهم آخره. فأخرجه النسائي (3-43)، وأحمد (1-452) عن معاذ بن معاذ العنبري، والنسائي، وأبو يعلى (5213)، وابن أبي شيبة (2-517)، وابن حبان (914) عن وكيع بن الجراح، والنسائي (3-43)، والطبراني في "الكبير" (ج10- رقم 10529) عن عبد الرزاق، وهذا في "المصنف" (2-215)، والدارمي (2-225) قال: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، وأحمد (1-387) قال: حدثنا عبد الله بن نمير، والنسائي في "اليوم والليلة" (66) عن ابن المبارك، وهو في "كتاب الزهد" (1028)، وأحمد (1-441) قال: حدثنا وكيع وعبد الرحمن بن مهدي، والهيثم بن كليب في "المسند" (825) عن زيد بن الحباب، والبزار (1923)، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي" (21) عن يحيى القطان، والهيثم بن كليب (826)، والطبراني (10530) عن فضيل بن عياض، والبيهقي في "الشعب" (1582)، وفي "الدعوات الكبير" (159)، والبغوي في "شرح السنة" (3-197) عن أبي نعيم الفضل بن دكين، وأبو نعيم في "الحلية" (4-201) عن محمد بن كثيرٍ,، والحاكمُ (2-421)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2-205) عن أبي إسحاق الفزاري، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (159)، والبغوي في "شرح السنة" (3-197) عن عبيد الله بن موسى كلهم عن سفيان الثوري عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعودٍ, مرفوعًا بالفقرة الأولى من الحديث، دون قوله: "حياتي خير لكم..." إلخ، فقد رأيت أراك الله الخير أن يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجرح، وابن المبارك، وعبد الرزاق بن همام، ومعاذ بن معاذ العنبري، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبد الله بن نمير، وزيد بن حباب، وعبيد الله بن موسى، وأبا نعيم الفضل، وفضيل بن عياض، ومحمد بن كثير، وأبا إسحاق الفزاري، وعدتهم أربعة عشر نفرًا، قد رووه عن الثوري فلم يذكروا قوله: "حياتي خير لكم"، وخالفهم عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، فرواه عن الثوري بهذا الإسناد فذكره وقد علمنا من قول البزار أنه تفرد به عن الثوري، ولا يشك حديثيُّ- وهو المبتدئ- أن رواية عبدالمجيد منكرة، فلو لم يكن فيه مغمزٌ ربما احتمل منه، لكن تكلم فيه غير واحدٍ, من العلماء منهم الحميدي، وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي يكتب حديثه". وقال الدارقطني: "لا يحتج به، يعتبر به"، وضعَّفه أبو زرعة، وابنُ سعدٍ,، وابن أبي عمر، وغلا فيه ابن حيان فتركه.

ووثقه آخرون، ولم يرو له مسلمٌ إلا حديثًا واحدًا في "كتاب الحج" (1299-179) مقرونًا ب "هشام بن سليمان المخزومي"، ولو سلمنا أن مسلمًا روى له محتجًا به فلا بأس بصنيعه، لأنه روى هذا الحديث عن عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، وكان عبد المجيد من أثبت الناس في ابن جريجٍ, كما قال ابن معين، والدارقطني، وابنُ عدي وغيرهم، وحديثه هذا ليس عن ابن جريجٍ,، مع مخالفته لنجوم أصحاب الثوري، فحريُّ أن لا يقبل منه ما زاده عليهم، لا سيما وقد رواه الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود مرفوعًا بالحديث الأول وحده. أخرجه الحاكمُ (2-421) عن عثمان بن أبي شيبة والطبراني في "الكبير" (ج10- رقم 10528) قال: حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2-205) عن أبي سيار محمد بن عبد الله البغدادي، قالوا: ثنا أبو صالح محبوب بن موسى الفراء، ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن الأعمش بهذا. ومحبوب بن موسى، وثقه أبو داود، والعجليٌّ. وقال ابنُ حبان: "متقنٌ فاضلٌ". وكذلك رواه حسين الخلقاني، عن عبد الله بن السائب بهذا الإسناد بالحديث الأول أخرجه البزار (1924)، والخطيب في "تاريخه" (9-104) من طريق سعيد بن الحسن بن علي قالا: ثنا يوسف بن موسى القطان، ثنا جرير بن عبد المجيد، عن حسين الخلقاني بسنده سواء، والخلقاني ما عرفتُهُ، فليحرر، وبعد هذا التحرير تعلم خطأ من صحح إسناد هذا الحديث كالسيوطي في "الخصائص" (2-491) أو من جوَّده كالولي العراقي في "طرح التثريب" (3-297)، وأخف من قولهما- وإن كان موهمًا- قول الهيثمي في "المجمع" (6-24): "رواه البزار ورجاله رجال الصحيح"، وقول شيخه العراقي في "تخريج الإحياء" (4-128): "رجاله رجال الصحيح، إلاَّ أن عبد المجيد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلمٌ ووثقه ابنُ معين والنسائيٌّ فقد ضعَّفه بعضهم". انتهى. وله شواهدُ لا يفرح بها ذكرها شيخنا الألباني - رحمه الله - في "الضعيفة" (975).

ومما يدلٌّ على نكارة هذا الحديث ما أخرجه البخاري في "أحاديث الأنبياء" (6-386- 387، 478)، وفي "التفسير" (8-286، 437- 438)، وفي "الرقاق" (11-377)، ومسلم (2860-58)، والنسائي (4-117)، والترمذي (2423)، وأحمد (1-223، 229، 2235، 253)، والدارمي (2-233- 234)، والطيالسيٌّ (2638)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (11-157)، و(13-247) و(14-117)، وابن حبان (7347)، وغيرهم من طريق المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبيرٍ,، عن ابن عباسٍ, فذكر حديثًا وفيه: "ألا وإنه سيجاءُ برجالٍ, من أمتي، فيؤخذُ بهم ذات الشمال، فأقولُ: يا ربِّ أصحابي، فقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". فهذا الحديث دليلٌ على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم أعمال أمته بعده.

ويدلٌّ على ذلك أيضًا قول عيسى - عليه السلام -: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد {المائدة:117}.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply