فَوَائِد عَلى حَدِيث \ إِنمَا الأعمالُ بالنيَّات\


 بسم الله الرحمن الرحيم

هذه جُملةُ فوائد منتخبة من درر كلام الأئمة وتقريراتهم, وليس لي فيه سوى الجَمع وهذا أوانُ ذكرهِ:-

أولاً: اتفقوا على تصحيح الحديث. قال النووي في\"الأذكار\"- طبعة دار ابن خزيمة - (ص/50):\"هذا حديث صحيح متفق على صحته\"أ.هـ. المراد. وبمثله قال ابن رجب في\"جامع العلوم والحِكم\"في آخرين.

 

ثانياً: الحديث متواتر المعنى لا متواتر اللفظ. قَرَّرَهُ ابن الصلاح في\"علوم الحديث\"(ص/250 مع التقييد والإيضاح) قائلاً: حديث إنما الأعمال ليس من المتواتر بسبيل\"أ.هـ. قال السيوطي في\"منتهى الآمال\"(ص/44):\"ورد في مطلق النية من غير خصوص هذا اللفظ أحاديث كثيرة جداً تزيد على عدد التواتر\"أ.هـ. المراد. ثم ساق جملة أحاديث بهذا المعنى - بألفاظ أخرى-. وبمثله قال العراقي في\"شرح التقريب\" (2/5) في آخرين.

 

ثالثاً: أسبابه: قال ابن دقيق العيد في \"شرح العمدة\" (1/11): شرع بعض المتأخرين من أهل الحديث في تصنيف أسباب الحديث كما صنف في أسباب النزول للكتاب العزيز. وهذا الحديث واقع على سبب لأنهم نقلوا أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنما هاجر ليتزوج امرأة تُسمى أم قيسº فسمي مهاجر أم قيس, ولهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوي به الهجرة من أفراد الأغراض الدنيوية\"أ.هـ. وبمثله قال ابن حجر في \"الفتح\" (1/16) في آخرين.

 

رابعاً: تواتر النقل عند الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث. قال بن رجب في \"الجامع\" (ص/14):\"قال عبد الرحمن بن مهدي: لو صنفتُ كتاباً في الأبواب لجعلت حديث عمر بن الخطاب في: (الأعمال بالنيات) في كل باب\"أ.هـ. وكذا قال:\"من أراد أن يصنف كتاباً فليبدأ بحديث (الأعمال بالنيات) أ.هـ. انظر\"سنن الترمذي\"(7/152 مع العارضة) و\"منتهى الآمال\"للسيوطي (ص/55). وقال الإمام أحمد بن حنبل:\"أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث...\"وذكر منها حديث إنما الأعمال بالنيات -انظر\"طرح التثريب\"(2/5) و\"الأشباه والنظائر\"(ص/9) و\"الجامع\"لابن رجب (ص/7)-. وأخرج البيهقي في\"السنن الكبرى\"(2/289) عن البويطي أنه قال:\"سمعتُ الشافعي يقول: يدخل حديث (إنما الأعمال بالنيات) ثلث العلم\"أ.هـ. المراد. وقيل:

 

عمدة الدين عندنا كلماتٌ.... أربع من كلام خير البرية

اتق الشبهات وازهد ودع.... ما ليس يعنيك واعملن بنية

 

وقد أفاض وأجاد في ذكر هذه النقولات وبمثلها الإمام السيوطي في\"منتهى الآمال\"(ص/55-59) وليرجع إليها من أراد الاستزادة.

 

فائدة: وجَّهَ البيهقي - رحمه الله - في\"السُنَن الصغير\"(1/12) مقولة الشافعي: (إن حديث الأعمال بالنية ثلث العلم)º بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه, فالنية أحد أقسامها الثلاثة وهي أرجحها لأنها تكون عبادة بانفرادها وغيرها يحتاج إليها ومن ثم ورد ((نية المؤمن خير من عمله)). وقال الحافظ العراقي في\"طرح التثريب (2/5) وابن حجر في\"الفتح\"(1/17) - قبل إيرادهما توجيه البيهقي لكلام الشافعي-: وكلام الإمام أحمد يدل على أن المُراد أنها من القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام.

 

خامساً: دخول هذه الحديث في كثير من أبواب الفقهº تواتر عن الإمام الشافعي وغيره مقولة:\"يدخل حديث إنما الأعمال بالنيات في سبعين باباً\"انظر\"منتهى الآمال\"(ص/59).

 

تنبيه: ذهب بعضٌ على أن القول الذي سبق –للإمام الشافعي وغيره- يحتمل المبالغة ومن أولئك بن حجر في\"الفتح\"(1/17). وأثبت بعضٌ ذلك حقيقة. قال السيوطي في\"منتهى الآمال\"(ص/59):\"قال بن حجر: يحتمل أنه يريد بهذا القدر المبالغة. قلتُ: ليس كذلك كما سيأتي..\"أ.هـ. المراد.

 

أخيراً:\"دخول الحديث في علومٍ, أخرى غير الفقه. ومثاله: اللغة العربية والشعرº ومن ذلك: أن الكلام يُشترط فيه القصد على ما ذهب إليه سيبويه والجمهور. والمنادى النكرة إن قصد نداء واحد بعينه تعرَّف وبنى على الضم وإلا فلاº والمُنادى المَقصود نحو: يا فتى. إذا وَقَعَ في الشعر ونون: إن نوى فيه الضم جاز في نعته الرفع والنصبº وإن نوى فيه النصب تعين في النعت. والتابع الذي يجوز إعرابه بدلاً وعطف بيان مبنى على قصد المتكلم.. إن قصد يشترط الأول وإحلال التابع محله أُعرِبَ بدلاً, وإن لم يُقصد ذلك أُعريب بياناً.. والعَلَم المنقول عن صفة إن قصد شرح الصفة المنقول عنها أدخل فيه ((أل)) وإلا فلا.. في مسائل كثيرة.. واشترط أهل العروض في الشعر أن يكون موزوناً مقصوداًº فما يقع موزوناً اتفاقاً لا عن قصد من المتكلم فإنه لا يسمى شِعراً.. وعلى ذلك خرج جميع ما وقع في القرآن والحديث موزوناً\"أ.هـ. قاله السيوطي في\"المُنتهى\"(ص/62) وبمثله في\"الأشباه والنظائر\"في آخرين.

هذا, وأسألهُ سبحانه لنا أجمعين: سُلوك سبيل الرَّشاد, والعِصمة مِن أحوالِ أهلِ الزَّيغِ والعِنادِ, والدَّوام على ذلك وغيرهِ من الخير في ازدياد. وما توفيقي إلا باللهِ, عليه توكَّلتُ, وإليهِ مَتابِ.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply