وجوب حفظ وصية النبي صلى الله عليه و سلم في آل بيته


 

تأليف
فضيلة الشيخ عبدالعزيز الناصر الرشيد
رئيس محكمة التمييز بالرياض


حقوق الطبع محفوظة


دار الرشيد للنشر والتوزيع

 

 


قوله ( ويحبون أهل بيت رسول الله ) ألخ . أي أن أهل السنة والجماعة يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتلونهم ويحترمونهم ويكرمونهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحترامهم ومحبتهم والبر بهم من توقيره واحترامه صلى الله عليه وسلم وامتثالاً لما جاء به الكتاب والسنة من الحث على ذلك ، قال تعالى ( قل لا أسالكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) وقد تكاثرت الأحاديث بالأمر بذلك والحث عليه . قال ابن كثير رحمه الله بعد كلام : ولا ننكر الوصاية بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم ، فإنهم من ذرية طاهرة وأشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً ، ولا سيما إذا كانوا متبعين وعلي رضي الله عنه وأهل بيته وذريه ، وأهل البيت هم آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين حرمت عليهم الصدقة ، كما فسر ذلك وأوى الحديث وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس وبنو الحارث بن عبدالمطلب كما جاء تفسيره في صحيح مسلم وكذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته كما دل عليه سياق آية الأحزاب ، كما قرر ذلك الشيخ تقي الدين وابن القيم وغيرهما ، انتهى ، وأفضل أهل بيته وفاطمة والحسن والحسين الذي أدار عليهم الكساء وخصهم بالدعاء ، ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى .


قوله (ويحفظون فيهم وصية رسول الله) إلخ . أي أن الرسول أوصى باحترامهم والإحسان إليهم وإكرامهم كما في الحديث الذي ذكره المصنف ، قوله (حيث قال يوم غدير خم ) الحديث .
قوله (خم) بضم الخاء وتشديد الميم هو اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الجخه وهو غدير مشهور يضاف إلى الغيضة فيقال غدير خم ، والغيضة الشجر الملتف ، والحديث رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطباً بما يدعى خم بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله عز وجل ورغب فيه ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم بالله في أهل بيتي ، فقال حسين ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال من هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس رضي الله عنهم ، قال كل هؤلاء حرم الصدقة ، قال نعم ، وروي هذا الحديث أحمد وغيره وقد رواه الترمذي وزاد فيه وإنهما لم يفترقا حتى يردا على الحوض .
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة وقال إنها ليست من الحديث ، فهذا الحديث فيه الوصيه بأهل البيت والحث على احترامهم وإكرامهم .


قوله (وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي) أي أذكركم الله ، أي ما أمر به من احترامهم وإكرامهم والقيام بحقهم . قوله (ثلاثاً) مبالغة في الحث على ذلك وكرره للتأكيد . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وهذا اليوم الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الغدير المشهور هو ثامن عشر ذي الحجة ، مرجعه من حجة الوداع ، وقد زاد أهل الأهواء في ذلك وزعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلاقة ، وذكروا كلاماً طويلاً باطلاً ، وزعموا أن الصحابة تماثلوا على كتمان هذا النص وغصبوا الوصي حقه ، وفسقوا وكفروا إلا نفراً قليلاً وقد جعل أهل البدع هذا اليوم عيداً ، وهذا ابتداع في الدين إذ الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيها الإتباع لا الابتداع ، ولم يكن في السلف ، لا من أهل البيت ولا من غيرهم من اتخذ ذلك عيداً ، انتهى من الاقتضاء قوله (وقال أيضاً للعباس) إلخ . هذا الحديث رواه الإمام أحمد وغيره عن العباس ابن عبدالمطلب قال : قلت يا رسول الله إن قريش إذا لقى بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وقال \"والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم الله ولرسوله \" رواه أحمد وفي لفظ ثم قال : يا أيها الناس من آذى عمى فقد آذاني ، فإنما عم الرجل صنو أبهه . رواه الترمذي وقال حسن صحيح .


قوله (العباس) هو ابن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووالده الخلفاء العباسيين ، وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث ، وكان إسلامه على المشهور قبل فتح مكة ، وكنيته أبو الفضل ، ومات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين وله بضع وثمانون سنة ، وصلى عليه عثمان ودفن بالبقيع رضي الله عنه . قوله (وقد اشتكى إليه) من الشكوى وهو أن تخير عن مكروه أصابك . انتهى نهاية قوله (يجفو) الجفاء ترك البر والصلة . انتهى نهاية .


قوله (والذي نفسي بيده) فيه الحلف على الفتيا ، وفيه دليل على دخول الأعمال في مسمى الإيمان ، وهذا قول أهل السنة والجماعة . قوله (لا يؤمنون) الحديث ، هذا نفى لكمال الإيمان الواجب ، ففيه دليل على عظيم حقهم ووجوب احترامهم والتحذير من بعضهم والترغيب في حبهم حقى نفى الإيمان عن من لا يحبهم، وفيه أن محبة أهل البيت وقرابة النبي صلى الله عليه وسلم من محبته واحترامه واكرامه ، وفيه دليل على فضل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم .


قوله (ولقرابتي) قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من ينسب إلى جده الأقرب وهو عبدالمطلب ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من ذكر أو أنثى ، انتهى فتح الباري . وروى البخاري عن ابن عمر ضي الله عنهما عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : أرقبوا محمداً في أهل بيته . وفي الصحيح أن الصديق قال لعلي رضي الله عنه : والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتي . وقال عمر بن الخطاب للعباسي : والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلىَّ من إسلام الخطاب لو أسلم ، لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب .


قوله (إن الله) إلخ . هذا الحديث رواه أحمد ومسلم عن وائله بن الأسقع بلفظ \"إن الله أصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم \" ورواه أيضاً الترمذي بلفظ \" إن الله اصطفى من ولد إبراهيم غسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بن كمانة\" الحديث ، قال الترمذي حسن صحيح .


قوله (اصطفى ) أي اختار والصفوة الخيار في هذا الحديث دليل على شرف نسبه صلى الله عليه وسلم ودليل على فضله وأنه أفضل الخلق على الإطلاق ، وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \"أنا سيد ولد آدم ولا فخر\" وقال ابن عباس رضي الله عنه \"إن الله فضل محمداً على أهل السماء وعلى الأنبياء \" رواه البيهقي ، وفي هذا الحديث إشارة إلى فضل إسماعيل على سائر إخوانه ، وهذا الحديث صريح في انه صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل ولا خلاف في ذلك فهو صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان ، وفيه دليل على فضل العرب وأنهم أفضل من غيرهم ، وفيه أن محبتهم دين لأن الحب والبغض يتبع الفضل ، وقد روى حب العرب إيمان وبفضهم نفاق وكفر ، وقد احتج بهذا الحديث حرب الكرمائي وغيره، فقال حرب في وصفه للسنة التي قال فيها : هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدي بهم فيها، وساق كلاماً طويلاً إلى أن قال : ونعرف العرب حقها وفضلها وسابقتها ونحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حب العرب إيمان وبغضهم نفاق ، ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل المولى الذين لا يحبون العرب ولا يقرون بفضلهم ، فإن قولهم يدعة وخلاف ، انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم ملخصاً .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply