وقفة مع من وصف الإمام الترمذي بالتساهل في التصحيح والتحسين


 بسم الله الرحمن الرحيم

 


(فالوقفة الأولى مع منهج الترمذي في التصحيح والتحسين ، واتهامه بالتساهل ، ثم بعدم الاعتماد عليه في ذلك!
قلت: فهذه المقالة نسيت مكانة الترمذي بين جهابذة المحدثين ونقاده ، وغفلت عن تباين اجتهادات المحدثين في التصحيح والتضعيف...أحيانا ، وأن الاختلاف في ذلك لا يدل على تساهل المصحح أو تشدد المضعف ، ما دام أن الأمر اجتهاد ممن له حق الاجتهاد ، على أسس وأصول متفق عليها ، تختلف النتائج عليها ، بسبب تفاوت العلم بكل جزئية ، لا بسبب التساهل والتشدد.
لذلك فإن تصحيح الترمذي أو تحسينه لأحاديث رواة خالفه فيهم جمع من الحفاظ بتضعيف أحاديثهم ، لا يصح أن يكون دليلا على تساهله. وإلا لما نجا من هذا الاستدلال على التساهل أحد يذكر من نقاد الحديث ، إذ لا يخلو أن يوثق العالم منهم راويا ويصحح أحاديثه ، بينما يخالفه في ذلك بالتضعيف غيره ، ويكون الصواب مع من ضعفه.
وإن جرينا على مثل هذا المنوال ، وعكسنا قاعدتهم السابقة ، فيحق للترمذي أن يكون متشددا في التصحيح ، لأنه –وفي عدد كثير- يحسن أحاديث في الصحيحين أو أحدهما!! بل وجدته قال عن حديث في الصحيحين كليهما ، قال: \"غريب\" وعن غير حديث في أحدهما قال أيضا: \"غريب\"!!! والمعروف أن الترمذي إذا قال: \"غريب\" ، ولم يقرنه بصحة أو حسن ، فإنه يعني به تضعيف ذلك الحديث. وذلك هو ما ذكره مغلطاي بن قليج الحافظ علاء الدين المصري (ت762) في كتابه (الإعلام بسنته عليه السلام شرح سنن ابن ماجه). وحققه أيضا الدكتور نور الدين عتر في كتابه: (الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين).
وعلى هذا: فهل يكون الترمذي متشددا في التصحيح أيضا؟! فيكون بذلك متشددا متساهلا؟!!
وقد دافع الدكتور نور الدين عتر في كتابه السابق ذكره ، عن اتهام الترمذي بالتساهل فأحسن الدفاع عن الترمذي ، وطول في ذلك. لكنه لم يذكر ما سبق ، مما يصلح أن يكون دليلا على تشدد الترمذي عن من ندفع قولهم بتساهله!) المرسل الخفي 1/312

ويقول حفظه الله:
(وزاد الذهبي عليه فوائد ، حيث قال في (الموقظة): \"الثقة من وثقه كثير ولم يضعف ، ودونه: من لم يوثق ولا ضعف ، فإن خرج حديث هذا في (الصحيحين) فهو موثق بذلك ، وإن صحح له مثل الترمذي وابن خزيمة ، فجيد أيضا، وإن صحح له كالدارطني والحاكم ، فأقل أحواله: حسن حديثه\".
ثم تكلم الذهبي –رحمه الله-كلاما نفيسا على ما نستفيده من تخريج صاحبي الصحيح في الحكم على الراوي ، على تفصيل تخريجهما له ، إن كان في الأصول ، أو الشواهد والمتابعات ، وإن كان ممن تكلم فيه من متعنت ، أو منصف ، أو لم يتكلم فيه ، ففصل رحمه الله وأبدع! لكن ما سبق يكفيني هنا.
ومن أهم ما جاء في كلام الإمام الذهبي تنصيصه على الترمذي ، وأن من صحح له فإنه (ثقة) ، أو كما عبر هو (جيد).
ثم إن هذا ينسف ما سبق أن ذكرناه من اتهام الترمذي بالتساهل ، حيث إن الإمام الذهبي هو أعظم من وصف الترمذي بذلك ، فتمسك به المتمسكون من غير موازنة كلام الذهبي ببعضه ، بل أخذوا بعض كلام الذهبي ، فردوا به تصحيح الترمذي جملة وتفصيلا!!
وقد وجدت لأبي الحسن ابن القطان تطيبقا عمليا لهذه الطريقة في معرفة الثقات حيث قال في (بيان الوهم والإيهام): \"وحبيب بن سليم العبسي قد روى عنه وكيع وعيسى بن يونس وأبو نعيم قاله أبو حاتم ولم يزد وأرى أن الترمذي وثقه بتصحيح حديثه\".
وفي موطن آخر ، ذكر ابن القطان حديثا صححه الترمذي ، وفي إسناده من جُهِّل ، فقال متعقبا: \"وزينب كذلك ثقة ، وفي تصحيح الترمذي إياه-يعن الحديث-توثيقها ، وتوثيق سعد بن إسحاق ولا يضر الثقة أن لا يروي عنه إلا واحد\") المرسل الخفي 1/314.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply