بعض الأسباب التي جعلت العلمانيين يكتبون في السيرة النبوية


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

ولقد كانت هذه الكتابات في تقدير المؤرِّخين والباحثين على حالتين:

الحالة الأولى:

 العامل القريب والمباشر وهو ظهور حركة التبشير المسيحيِّ الضخمة في القاهرة عن طريق الجامعة الأمريكية عام 1932 وتنصير عدد من الطلاب المسلمين بها وكان ذلك جزءاً من موجة ضخمة قام بها الغرب بعد أن استردت الفاتيكان الأموال الطائلة التي كانت قد احتجزتها الحكومة الإيطالية عنها.

الحالة الثانية:

 أثر الحرب العالمية الثانية في نفوس الناس بالدعوة إلى الرجعة إلى الدين والتطلع إلى آفاق جديدة تقدمها رسالات السماء وفي مقدمتها الإسلام.

غير أن هناك عوامل أخرى خفية وراء ظهور الأحداث تحدثت عنها كتابات الباحثين والمراقبين لهذه الأحداث منها:

أولاً: رغبة حزب الأحرار الدستوريين في كسب مشاعر الوطنيين بعد أن عرف عنه أنه الحزب الذي يجمع دعاة التغريب وأساطينه, والذي صدرت من تحت عباءته الكتب التي أثارت الضجة وخالفت مفاهيم الإسلام الأساسية وهزت مشاعر الناس, وفي مقدمتها (الشعر الجاهلي لطه حسين) و(الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرزاق). وكانت الفكرة التي استقر عليها الرأي هو الدخول إلى مشاعر المسلمين من طريق الكتابة عن الرَّسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- (هذا بالنسبة لكتاب حياة محمد للدكتور هيكل).

ثانياً: الموقف الذي أحدثته الحرب العالمية من ائتلاف بين البلاشفة والرأسماليين في وجه النازية وما تسرب إلى البلاد العربية من دعايات شيوعية, ورغبة الغرب في مواجهتها عن طريق تزييف مفهوم الماركسية عن البطولة الجماعية, ورد الاعتبار للبطولة الفردية التي كانت عنواناً على الفكر الليبرالي الغربيّ. ومن هنا كانت الكتابة عن البطولات الإسلاميّة من منطلق غربي (هذا بالنسبة للعبقريات).

وقد ظهرت هذه الكتابات متفرقة في الصحف: حياة محمد في ملاحق السياسة (1932) على أنها ترجمة وتلخيص لكتاب إميل درمنجم, وكانت تنشر تحت هذا العنوان (حياة محمد). تأليف \"إميل درمنجم\". تلخيص وتعليق الدكتور \"محمد حسين هيكل\") ثم ظهرت فصول (على هامش السيرة) في الأعداد الأولى من \"مجلة الرسالة\" التي صدرت (1933) بقلم الدكتور/ \"طه حسين\". أما فصول (عبقرية محمد) فقد بدأت عام (1942) بقلم الأستاذ \"العقاد\" في أحد الأعداد السَّنوية الخاصة بالهجرة بعد أن اشتعلت الحرب العالمية الثانية بعامين.

وكان الكتاب الثلاثة من المعروفين في مجال الدراسات الأدبية والسياسية بأنهم عصريون ليبراليون علمانيون، قليلو الاهتمام بالدراسات الإسلاميّة.

 بل كانت \"جريدة السياسة\" تحمل حملات ضخمة على الإسلام (هيكل – طه حسين- علي عبد الرزاق- محمد بن عبد الله عنان) وتؤازر الغزو  الثقافي، بل لقد حمل الأستاذ \"العقاد\" حملة ضارية على الكتب الإسلاميّة التي صدرت عام (1935) في جريدة \"روز اليوسف\" اليومية وعدَّها ظاهرة خطيرة، وقال: إن هذه الكتابات بمثابة مؤامرة على القضية الوطنية، وتردد يومها أن الدكتور \"محمد حسين هيكل\" قد أحرز قدراً ضخماً من الكسب المادي من كتابه ومن ثم أصبحت الكتابة الإسلاميّة موضع تقدير في نظر الكتاب، غير أن أخطر ما هنالك أن الدكتور \"هيكل, وعلي عبد الرزاق\" أعلنا موقفاً خطيراً في مجلس الشيوخ عندما أثير النقاش في كتابات \"طه حسين\" ووقفا للدفاع عنه وتبين من ذلك أن الكتابة عن الإسلام لم تكن تصدر عن إيمان برسالة الإسلام (ديناً ودولة) وإنما كانت من الأعمال السياسية والحزبية. و إذا كانت كتب: حياة \"محمد، وعلى هامش السيرة والعبقريات، قد هزت وجدان الشعب المسلم وقتها, وأحدثت نوعاً من الإعجاب والتقدير, فإن هذا كان هدفاً مقصوداً من الجهات التي شجعت ذلك وهو:

أولاً: مواجهة حركة اليقظة الإسلاميّة التي كانت تهدف إلى تقديم الإسلام كمنهج حياة ونظام مجتمع بكتابات إسلامية من أقلام لها مكانتها السياسية في الجماهير لتحويل التيار نحو المفاهيم العلمانية, والليبرالية, وهو ما يُسمَّى (تقديم البديل)المتشابه ظاهرياً والمختلف جوهراً, وهو بهذا استجابة ظاهرية للموجة الإسلاميّة ومحاولة لاحتوائها.

ثانياً: فرض المفهوم الغربيّ على السيرة والتاريخ الإسلاميّ, وهو المفهوم المفرغ من الوحي والغيبيات والمعجزات.

ولكن هذه الظاهرة بالإعجاب بكتب الليبراليين عن السيرة لم تدم طويلاً, فقد تكشفت خفاياها، وظهر أن منهج الكتابة في هذه المؤلفات لم يكن إسلامياً أصيلاً, وإنما تشوبه التبعية لمفاهيم الاستشراق والتغريب حَتَّى يمكن أن يقال في غير ما حرج: إن المؤلفات الثلاثة الكبرى (حياة محمد. على هامش السيرة. عبقرية محمد) هي نتاج غربي يعتمد على مذاهب الكتابة الغربيّة, ويخضع لكثير من أخطائها, ويسقط بحسن نية وراء مفاهيمها الكنسية والمادية. ويختلف اختلافاً واضحاً عن مفهوم الإسلام الجامع. 

ولقد تطورت الدارسات الإسلاميّة في ظل حركة اليقظة الإسلاميّة, واستطاعت أن تتحرر من هذه المرحلة التي كانت تمثل التبعية للفكر الغربيّ في دراسات التاريخ الإسلاميّ, وكتابة السيرة, وهي التي قامت على مفهوم يتسم بالتأويل للمعجزات, ومحاولة حجب الكثير من وجوه الإعجاز, ومتابعة المستشرقين في مفاهيمهم لسيرة النَّبيِّ الكريمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-

وفي الكتبِ الثلاثةِ نجد أنَّ العملَ يبدأُ غربياً,ثم يُفرَضُ على سيرةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -.

فالدكتور \"هيكل\" يبدأ عمله في كتابة السيرة بترجمة كتاب (أميل درمنجم) الكاثوليكيِّ الفرنسيِّ, ويتبنَّى كثيراً مِن آرائه التي يمكن أن توصف بالخطأ أو عدم القدرة على فهم الإسلام, أو تبني عقائد النصارى, أو متابعة هدف يرمي إلى التقريب بين الأديان, أو الدعوة إلى وحدة الأديان (وهو هدف ضال).

والأستاذ \"العقاد\" يبدأ عمله بمنطق غربي محض هو فكرة (العبقرية) التي تناولتها كتابات الغربيّين شوطاً طويلاً عن نوع من الامتياز أو الذكاء في مجال الفن, والموسيقى, والشعر, والقصة في الغرب, ويسحب هذا الوصف على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - المؤيد بالوحي, وعلى العظماء من الصحابة دون تفرقة واضحة بين النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -والصحابي.

والدكتور طه حسين يعلن في غير ما حرج أنه استوحى (هامش السيرة) من كتاب جيل لومتير عنوانه (على هامش الكتب القديمة), وأنه يحشد فيه كل ما استطاع من أساطير اليونان, والمسيحية, واليهودية, والإسرائيليات، وهكذا يتبين تبعية هذه الدراسات أصلاً للفكر الاستشراقيِّ.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply