المَنَاهِجُ المنحَرِفَةُ في كِتَابَةِ السِّيرَة النَّبَويَّة


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

كانَ النَّاسُ قبلَ مبعثِ النَّبيِّ(صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ)حائدينَ عن سواءِ السَّبيلِ، وصراط الله المستقيم،فكثر فيهم الشِّركُ والفسادُ،والجهل والإلحاد،والبغي والعناد،فبعث الله محمداً (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ)إِلى الناس كافة عربهم وعجمهم بشيراً ونذيراً،وداعياً إِلى الله بإذنه وسراجاً منيراً،ففتح الله به أعيناً عمياً،وآذاناً صُماً، وقلوباً غُلفاً.ولاشَكَّ أنَّ سيرتَهُ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-مِن أهمِّ مجالاتِ الدِّراسةِ التي عُنِيَ بها المسلمونَ قديماً وحديثاً، وستظلٌّ موضعَ عنايةٍ, بإذنِ اللهِº لأنَّ سيرتَهُ-عليه الصَّلاة والسَّلام-تنفيذٌ عمليُّ للتشريعِ الرَّبانيِّ وبيانٌ لأحكامِهِ.ولقد شُغِلَ المسلمون منذُ الأيامِ الأُولى للإسلامِ بسيرته -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-فاعتنَوا بتسجيلِ وقائِعها، وحرِصُوا على نقلِها دقيقةً مُوثَّقةً سواء في كتبِ الحديثِ النبويِّ أو في كتبِ السِّيرة أو كتبِ التَّاريخ العَامَّةِ.

وليس كل ما كتب في السيرة بصحيح فقد وجدت كتابات فيها الغث والسمين، بل لقد استغل الكتابة في السيرة أصحاب الفرق المنحرفة كالصوفية والشيعة وكذلك المستشرقين والعلمانيين والأدباء المنحرفين وكل من هب ودبº بل لقد استخدم الكثير من أعداء الإسلام السيرة للطعن في النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ –وفي الإسلام، ولكلٍ, أغراضه في كتابته للسيرة.

وسنلقي الضوء في هذا المبحث على بعض  المناهج المنحرفة في كتابة السِّيرَة النَّبَويَّة،

ولا يفوتنا أن نذكر بالملامح المهمة 1 التي يجب على مَن أرادَ أن يكتبَ في سيرةِ النَّبيِّ–صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ –أو يكتب في التَّاريخِ عُمُوماً أن يُراعيها.  وقبل ذلك نريد أن نعرف معنى كلمة المنهج.

 (لفظة المنهج وحدها تعني الطريق أو السبيل. ويحدد المراد منها ما تضاف إليه، فإذا قلنا المنهج الإسلامي في دراسة السيرة دل ذلك على التصورات والمبادئ التي سيضعها الإسلام كحدود ومنطلقات عامة تحكم دراسة السيرة وتفسيرها وفقاً لتلك المبادئ والمفاهيم المنبثقة من الإسلام، أما إذا قلنا منهج البحث التاريخي أو منهج إثبات الحقائق التاريخية فإنه يعني القواعد والطرق التي اصطُلِحَ على وضعها بغرض الإعانة على الوصول على صحة المعلومات والتأكد من صوابها. فيصبح المنهج بهذا المعنى الأخير أداة بحث ممكن استخدامها-إلى حد ما من قبل مجموعة من الباحثين وإن اختلفت مناهج حياتهم وعقائدهم وتصوراتهم.

أما المنهج بالمعنى الأول فإنه عند المسلم محكوم بالتصور الإيماني والالتزام العقدي أي يلتزم بمقومات العقيدة وقيمها وتصوراتها عن الله والكون والحياة وعن الإنسان ونشأته ومركزه في هذا الكون ووظيفته وغاية وجوده ومصيره الذي ينتهي إليه، ولا بد للباحث المسلم من الالتزام بالمنهج الإسلامي في منطلقاته وتصوراته وأن تساعد كتابته على بناء العقيدة الصحيحة، وقيمها التربوية والخلقية.

وعلى هذا الأساس من الالتزام بالعقيدة تُقَاس أعمالُ المُؤرِّخينَ والباحثين وتوزن مناهجهم ومذاهبهم في التأليفºلأن الباحث المسلم ليس له مطلق الحرية في اتخاذ المواقف وتفسير الحوادث وتقييمها كيفما عنّ له الخاطر.إنما هو مقيد بالقواعد الشرعية والأصول العلمية المتبعة في إثبات الأخبار وردها، فليس من حقه أن يتهم أحداً بناء على رواية لم يتأكد من صحتها وعدالة رواتها واتصال سندها.ثم إذا ثبتت الرواية فإن هناك قيوداً شرعية يلزم مراعاتها في نقد الأشخاص وملاحظة مقاماتهم مثل الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنهُم أو الأئمة الذين استفاضت عدالتهم،لأن الكلام في نقد مثل هؤلاء ليس كالكلام في أحد غيرهم، كما أن الكلام في عموم الناس له حدود وضوابط ويجب أن يكون بحق وعلم، وهذا المفهوم العقدي للمنهج والالتزام به في تلقي العلم ومناهج البحث والدراسة هو مفرق الطريق بين الباحث المسلم وغير المسلم،فالباحث المسلم ينطلق في بحثه عن الإنسان وحركته وتفسير تاريخه من منطلقات ثابتة وطمأنينة علمية لأنه ملتزم بمفاهيم عقيدته وتصورها الشامل عن الوجود والتي تلقاها عن طريق الخبر الصادق الموحى به من الله إلى رسول من رسله، أما غير المسلم فإنه لعدم تلقيه من الوحي الرباني في تفسير هذا الوجود وعدم معرفته لحقيقة الربوبية والعبودية لله، ولوظيفة الإنسان ودوره ولحقيقة نشأته ومصيره، ولعلاقته بالكون من حوله فإنه يخبط بالظنون والأوهام ويرجم بالغيب بدون دليل ولذلك يكثر بينهم الاختلاف ولا يصلون إلى حقائق مطمئنة في هذه الأمور ويعيشون في اضطراب وحيرة وشك وخوف من هذا الكون وفي صراع نفسي وتشتت ذهني، وكل هذه الأعراض والأمراض ذات تأثير مباشر على نتائج دراساتهم ).2

إذن (من لوازم المنهج الإسلامي في كتابة التاريخ أن يكون المشتغل بعلم التاريخ الإسلامي وتفسير أحداثه ذا تصور سليم وعقيدة صحيحة ودراية بعلوم الشريعة وفقهها إضافة إلى تخصصه التاريخي وتمكنه من ذلك و إلا أصبح التاريخ ألعوبة لمئات المناهج والأهواء)(3) (4) .


 


1 - ذكر هذه الملامح الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة:(1/ 32-38).

2 - منهج كتابة التاريخ الإسلامي د. السلمي (90-92).

3 - منهج كتابة التاريخ الاسلامي لمحمد بن صامل السلمي،ص (95).

4 -لقد اشتغل بدراسة التاريخ الإسلامي –ومنه السيرة النبوية- وكتابته وتحليله في العصر الحاضر من لا يعرف أحكام شريعة الإسلام حيث أبعدت الدراسات التاريخية وفصلت عن الدراسات الشرعية، وهذا هدف من أهداف الاستشراق والتغريب كما اشتغل به قوم لا يؤمنون بالإسلام مثل طوائف الاستشراق، وقوم ذوو ميول وانحرافات أو مغفلون لا يدرون ما يقولون ولذلك صرنا نجد من ينظر للتاريخ الإسلامي نظرة \"ليبرالية \" تحررية أو \" اشتراكية \" اقتصادية أو\"  ماركسية \" إلحادية أو \" رأسمالية \" مادية بل وجدنا من يقسم الصحابة إلى يمين ووسط ويسار،.!! فطبق على التاريخ الإسلامي –  والسيرة النبوية – اصطلاحات ومناهج لا صلة لها بواقعة التاريخي أو فكره العقدي، فوق أنها نتاج حضارة وثنية غير مهتدية بهدي الله ولا مستنة بسنة رسله. وذلك إلا نتيجة الابتعاد عن دراسة العلوم الشرعية وعدم الأخذ   بالمنهجية العلمية المطلوبة لدارس التاريخ الاسلامي ومعرفة مرتكز هذا التاريخ وسر الحركة فيه. انظر حاشية كتاب منهج كتابة التاريخ الاسلامي لمحمد بن صامل السلمي،ص (95-96).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply