من المصادر الأصلية للسيرة النبوية: كتب التواريخ العامة


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

كتب التواريخ العامة:

إنَّ هذا الصِّنفَ من المؤلَّفاتِ يتناولُ تاريخَ الأُممِ والدول والأفراد بشكلٍ, عامٍّ, قبل الإسلام وبعده إلى زمان المؤلِّف. وكثيراً ما تبدأ مِن بدء الخلق. وهي كثيرةٌ وأهمٌّها:

 

أ) تاريخ الأمم والرسل والملوك: لابن جرير الطَّبريّ، المشهور بتاريخ الطَّبريّ. والطَّبريّ محدِّثٌ واسع الرِّواية، وقد ضمَّن تاريخَهُ قِسماً كبيراً من السِّيرةِ، ولكنَّهُ يروي الصَّحيحَ والضَّعيفَ والواهيَ، ولذا كانَ مَرتعاً خِصباً لكثيرٍ, من أهل الأهواء لتشويه الإسلام وتاريخه، إذا يأخذون الواهي فيحتجٌّون به، ويُحيلون القارئَ إلى الطَّبريّ. ولذا لابُدَّ من النَّظَرِ في أسانيدِهِ في ضوءِ منهجِ النَّقدِ الحديثيِّ، لأنَّ جُلَّ الحفَّاظِ الأقدمينَ، ومنهم الطَّبريّ، يروون في مصنَّفاتهم الرِّوايات الضَّعيفة والوَاهِية مع سكوتهم عليها في الغالبº لأنهم يرون أنَّهُ متى أبرزُوا الإسنادَ فقد برِئُوا من العُهدةِ، وأسندُوا أمرَهُ إلى النَّظَرِ في إسناده. والطَّبريّ نفسُهُ يقول في مقدمةِ تاريخِهِ: (.. فما يكن من كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعُه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصِّحَّة، ولا معنى في الحقيقةِ، فليعلم أنَّهُ لم يُؤتَ في ذلك من قبلِنا،وإنما أُتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنَّا إنَّما أدَّينا ذلك على نحوِ ما أُدِّيَ إلينا).

 

ب)  تاريخ خليفة بن خيَّاط العصفري (ت 240هـ):

رتَّبَ ابنُ خيَّاط كتابَهُ على الحولِيَّات سنةً فسنةً، وبدأهُ بالكلام على كيفية بدء التَّاريخ الهجري، ثم كتبَ عن السِّيرةِ فَصلاً قَصِيراً في نحو الخمسين صفحة، اعتمدَ فيه بالدَّرجةِ الأُولى على محمد بن إسحاق من رواية بكر بن سليمان ووهب بن جرير بن حازم. وشملت مادةُ ابن إسحاق عنده سائرَ الأحداث الهامَّةِ المتعلِّقة بالسِّيرةِ بإيجازٍ,، إذ اختصر روايات ابنِ إسحاق، فأعطى هيكلَ السِّيرةِ دُونَ تفصيلٍ,.

وبما أن العصفريَّ كان من المحدِّثين الثِّقات الذين أخرج لهم البُخاريّ في الصَّحيحِ وغيره، فقد ظهر أثرُ ذلك في تاريخه، وفي قسم السِّيرةِ منه كان يروي بأسانيدِهِ عن شيوخه، وفيهم طائفةٌ كبيرةٌ من ثِقاتِ المحدِّثين وأئمتِهم، كابنِ عُيينة، ويزيد بن زريع وغُندر وإسماعيل بن عُلية، وفيه أسانيدُ في غايةِ الصِّحَّة والثِّقةِ.

قال عنه ابنُ حَجَرٍ, في \"التهذيب\": (.. صدوقٌ رُبَّما أخطأ. إخباريُّ).

 

ج)    كتب أخرى: ومن كتب التَّاريخ العام الأخرى الهامة:

 كتاب (البدء والتَّاريخ) لابن طاهر المقدسي (ت 355هـ)، وكتاب (فتوح البلدان) لأحمد ابن يحيى البِلاذُري (ت 279هـ)، وله كثير من الأسانيد الصحيحة، وتميَّز بنقل عددٍ, من نُصُوصِ العهود والمعاهدات التي كان النَّبيٌّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يكتبها للمعاهدين، وكتاب (تاريخ اليعقوبي)، لأحمد ابن جعفر بن وهب (ت 292هـ)، وقد أهمل الإسناد واهتمَّ بإيراد نماذج من خُطبِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وكتب أبي الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت 346هـ)، مثل: (مروج الذهب) و(التنبيه والإشراف)، وفيها يسوق الأحداثَ مختصرةً، وبدونِ إسنادٍ,، وربَّما يعزو إلى مَن نَقَلَ عنهم أمثال الواقديِّ وأبي عُبيدة مَعمَر بن المُثنَّى وأبي عُبيد القاسم بن سَلَّام, وكتاب (تاريخ دمشق الكبير) لأبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر (ت 571هـ)، حافظ عصره.وفي قسم السِّيرة منه، ينقل رواياته بالأسانيد، وفي أحايين كثيرة يُقَوِّمُ أسانيدَهُ،وكتاب (المُحَبَّر) لابن حبيب البغدادي (ت 245هـ)، ولكنه لم يهتمَّ بالإسناد، و(المعرفة والتَّاريخ) للفسوي أبي يوسف يعقوب بن سفيان (ت 227هـ)، و(التَّاريخ الكبير) لابن أبي خَيثَمَة، أبي بكر أحمد بن زهير بن حرب (ت 279هـ)، و(عيون الأخبار) و(المعارف) لابن قتيبة الدِّينوَريِّ (ت 270هـ)، و(الأخبار الطوال) للدِّينَوَريِّ, أحمد بن داود (ت 282هـ)، و(تاريخ الإسلام) للحافظ الذَّهبيِّ (ت 748هـ)1.

 

ومنها (الطبقات الكبرى) لمحمد بن سعد (ت 230هـ) حيث خصص المجلدين الأولين من كتابه للسِّيرة, وابن سعد: ثقة يتحرَّى في كثيرٍ, من رواياتِهِ كما يقولُ الخطيبُ البغداديٌّ والعسقلانيٌّ، لكنه ينقلُ عن الضٌّعفاء مثل الواقديِّ الذي أكثرَ من النَّقلِ عنه حتَّى اتهمه ابنُ النَّديمِ بسرقةِ مُصنَّفاتِهِ، لكن التدقيق يُثبت أنَّ ابنَ سعد مؤلِّفٌ له منهجُهُ, وأنه يُكثرُ النَّقلَ عن الواقديِّ كما يُكثر عن شيوخٍ, آخرين يبرزُ من بينهم عَفَّان بن مسلم وعُبيد الله بن موسى والفضل بن دُكين, والثلاثةُ من ثقاتِ المحدِّثين. وقد قال الحافظُ الذَّهبيٌّ: (ويقولون إنَّ ما رواه عنه – أي الواقديَّ- كاتبُهُ في الطَّبقاتِ هو أمثلُ قليلاً في روايةِ الغيرِ عنه).

 

 ومنها (أنساب الأشراف) لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت 279هـ) وهو تاريخ عام مرتَّبٌ على النَّسبِ، وقد خصص البلاذريٌّ القسمَ الأول منه للسِّيرةِ، وينظر المحدِّثون إلى البلاذريِّ نظرةَ تضعيفٍ,، فقد أورد العسقلانيٌّ ترجمتَهُ في كتابِهِ عن الضٌّعفاء (لسان الميزان)2.

 

ومنها (الدٌّرر في اختصارِ المغازي والسِّيَر) لابن عبد البَرِّ القُرطبيِّ (ت 463هـ) وهو من أعلام المحدِّثين في عصرِهِ، وقد اعتمد على سيرة ابن إسحق وسيرة مُوسى بن عُقبة وتاريخ ابن أبي خيثمة إضافة إلى كتب الحديث، ولم يُصرِّح بالنَّقلِ عن الواقديِّ إلا في موضعٍ, واحدٍ,، لكنَّهُ أشار إلى روايتِهِ لمغازيه، وقد صرَّح بمتابعة ابن إسحق في البناء العامِّ لكتابِهِ، ولم يتقيَّد بذكرِ الإسنادِ كثيراً.

 

ومنها (البداية والنهاية) للحافظ ابن كثير (ت 774) وهو تاريخ عامُّ ,خصص قسماً منه للسيرة، وابنُ كثيرٍ, من الأئمةِ الثِّقاتِ المتحققينº وثَّقَهُ الذَّهبيٌّ والعسقلانيٌّ وابنُ العِماد الحنبليٌّ.

 

ومنها (الكامل في التَّاريخ) لابن الأثير الجزريِّ ( ت 632هـ)، وهو مُؤرِّخ ثقةٌ ,وكتابُهُ تاريخٌ عامُّ خَصص قسماً منه للسِّيرةِ3.

وهذه الكتب تروي الصحيح والحسن والضعيف بأنواعه، فلا تعتمد رواياتها إلا بعد النظر في أسانيده4 .

 


 


1 -راجع: \" السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء المصادر الأصلية\": د. مهدي رزق الله أحمد.(42- 44).

2 -لسان الميزان (1/355).

3 - انظر :\"السِّيرة النَّبَويَّة الصحيحة\" د.أكرم ضياء العمري (66-68).

4 - السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء المصادر الأصلية د. مهدي رزق الله أحمد.( 44).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply