ذكريات أخي الغالي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أخي الحبيب... ها أنت فقد بلغتَ العقد الرابع من عمرك أطاله الله في الطاعات وملأه بالسعادة والرفاه وأرجوه أن يُمتع نظرك برؤية الأحفاد وأحفاد الأولاد.

أخاك أخاك فمن لا أخا له                        كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح

هكذا أبي وأمي كانا يحفزاني لرعايتك بأن أحملك أو ألاعبك وأنت صغير، فأنت أخي الوحيد والأصغر آخر العنقود سكر معقود!

جئت بعد انتظار طويل، فبيننا عشر سنوات وأربع أخوات، أذكر الأيام الأخيرة قبل أن تولد، فقد كانت الإجازة الشتوية والتي تبدأ في أول فبراير وتنتهي في منتصفه، وكنا نأمل أن تولد في الإجازة فانتظرناك يوميًا ولكنك أبيت إلا أن تأتي في آخر الإجازة.

أنا أتذكر ولادتك أنت وأختنا صبا الغالية حفظها الله ولا أذكر ميلاد الآخرين.

أما صبا فقد ولدت عندما كنت في المستشفى للعلاج، وأتذكر كيف أخذتني الممرضة عبر ممرات المستشفى إلى قسم الولادة حيث أمي وفي يدها صبا لتعرفني بها، صورة جميلة بقت في الذاكرة لا تمحى.

وأيضًا أنت، ولكني بالطبع كنت كبيرًا عشر سنوات واعي أكثر من قبل، ولكن ليس هذا هو السبب فقط بل سعادتي وفرحي الكبير لوجود أخ لي وصغيرٍ نداعبه.

كنا نخرج للغابة خارج المدينة يوميًا للمشي فهو مفيد ويساعد على سهولة الولادة أو تسريعها، لا أذكر ولكن كنت أعرف أنه من المهم أن تسير الوالدة مسافاتٍ على الأقدام من أجل الإسراع في مجيء محمد، نعم كلنا كنّا نعرف أن اسمك سيكون محمدًا، كل شيءٍ جاهز (بس أنت تعال).

أذكر تلك الأيام في الغابة أن الوالد رحمه الله سمح لي لأول مرة بقيادة السيارة، وأمي مع أخوتي كانوا يمشين بالقرب منا، وكدت أن أدهس نهاد ذات العامين لأنها صغيرة ولا تكاد ترى، ولأني كنت قصيرًا ولا أرى كل شيء من خلف مقود السيارة، ولكن ربنا لطف وتصرف أبي بسرعة وأوقفني، لذا احرص على أختك نهاد فقد كادت أن تذهب ضحية بسببك، كيف؟ هذا لأن سبب وجودنا هناك هو أنت فاطلب منها السماح وخلي بالك منها.

كنت غاية في السعادة لظهور الدحدوش ذو الشعر الجميل والبني، وتسابقنا بمن يدللك أكثر وبقيت الطفل الحاصل على الاهتمام الأكبر من جميعنا كونك الأصغر.

ومن أسفي أن فارقتك وعمرك ثماني سنوات، وكانت لقاءاتي بك قصيرة في الزيارات إلى ليبيا أو فلسطين، ولكني كنت مهتمًا لأمرك ومتابعًا لشؤونك، وكلي أسف أنني بعيدٌ عن أخواتي وأخي، ولقد ملأت الدنيا عليّ عندما انتقلت للإقامة عندي في روسيا، فبعد سنين الغربة والوحدة أخيرًا أخي ابن أبي وأمي بالقرب مني، فقد كان شعورًا رائعًا افتقدته لسنوات، وخاصة أنك أصبحت رجلًا يُفتخر به، فأخلاقٌ حميدةٌ وتدين ولباقة وسهولة في التعامل مع الناس وكسب ودهم واحترامهم وجميل الطالع (طالع لاخوه). كنت أفخر دائمًا بتقديمك للناس، وكم كان مؤلمًا لي فراقك وما زلت متألمًا لهذا الفراق وخاصة أنه كان على حين غرة.

ولكن هذا هو حال الدنيا وأنا وإن كنت حزينًا على فراقك فأنا سعيدٌ أكثر لأنك تزوجت ورزقت بنتين رائعتين سيرين ونادين جعلهما الله قرة عين لك، واستمر في بناء حياتك مهنيًا وأسريًا فأنا لم افقد الإيمان قط بأنك شخصٌ ذكيٌ جدًا ومجتهد وقادر على تخطي الصعاب مهما كانت وكم هي كثيرة.

وأرجو من الله تعالى أن يلهمك الصبر والعزيمة فأنت ما زلت في بداية الحياة وأمامك طريق طويل إن شاء الله من النجاحات التي يجب أن تنجزها والقمم التي يجب أن تصعد إليها.

وإني لأرجو الله أن أراك دائمًا مبتسمًا مستبشرًا لا تستسلم للصعوبات، متقبلًا للتحديات تُهدي السرور لمن يحبك وكائدًا لأعدائك.

حفظك الله ورعاك أخي الحبيب والوحيد محمد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply