شبهة أن النَّبيّ أخذ القرآن عن اليهود والنصارى


بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال المستشرقون: أن محمداً (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ) أخذ القرآن ، وأصول دينه، وأخبار الأنبياء والمرسلين عن الراهب بحيرا عندما لقيه في الشام ، وعن ورقة بن نوفل الذي كان من متنصرة العرب العلماء بالنصرانية وأحد أقرباء خديجة (رَضِيَ اللهُ عَنهُا)، وعن الغلام الرومي الأعجمي الذي كان يعمل حداداً في مكة المكرمة. وهذه الادعاءات ليست جديدة ، والمستشرقون يرددون أقوال المشركين في مكة واليهود في المدينة  قال تعالى { وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاًَ}  سورة الفرقان، الآية: 5 . وقال سبحانه { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وها لسان عربي مبين}  سورة النحل، الآية: 103 .

وقد كفانا العلاَّمة الزُرقاني –رحمه الله- في رده على هؤلاء الكافرين ودحض شبهاتهم. قال (رحمه الله):

1.  إن هذه الدعوة مجردة من الدليل ، خالية من التحديد والتعيين ، ومثل هذه الدعاوي لا تقبل مادامت غير مدللة ، و إلا فليخبرونا ما الذي سمعه محمد –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- من بحيرا الراهب ؟ ومتى كان ذلك؟ وأين كان ذلك؟؟

2.   إن التاريخ لا يعرف أكثر من أنه –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- سافر إلى الشام في تجارة مرتين، مرة في طفولته ومرة في شبابه، ولم يسافر غير هاتين المرتين، ولم يجاوز سوق بصرى فيهما، ولم يسمع من بحيرا ولا من غيره شيئا من الدين ، ولم يكن أمره سرا هناك بل كان معه شاهد في المرة الأولى وهو عمه أبو طالب ، وشاهد في المرة الثانية وهو ميسرة غلام خديجة التي خرج الرسول بتجارتها أيامئذ ، وكل ما هنالك أن بحيرا رأى سحابة تظلله –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- من الشمس ، فذكر لعمه أن سيكون لهذا الغلام شأن ، ثم حذره عليه من اليهود ، وقد رجع به عمه خوفاً عليه ولم يتم رحلته. كذلك رُوي هذا الحديث من طرق في بعض أسانيدها ضعف ، ورواية الترمذي ليس فيها اسم بحيرا، وليس في شيء من الروايات أنه صلى الله عليه وسلام سمح من بحيرا الراهب أو تلقى منه درساً واحداً أو كلمة واحدة لا في العقائد ولا في العبادات ولا في المعاملات ولا في الأخلاق ، فأنى يؤفكون؟

3.  إن تلك الروايات التاريخية نفسها تحيل أن يقف هذا الراهب موقف المعلم لمحمد –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- لأنه بشره أو بشر عمه بنبوته، وليس بمعقول أن يؤمن رجل بهذه البشارة التي يزفها ثم ينصب نفسه أستاذاً لصاحبها الذي سيأخذ عن الله ويتلقى من جبريل ويكون هو أستاذ الأستاذين وهادي الهداة والمرشدين و إلا كان هذا الراهب متناقضاً مع نفسه.

4.   إن بحيرا الراهب لو كان مصدر هذا الفيض الإسلامي المعجز لكان هو الأحرى بالنبوة والرسالة والانتداب لهذا الأمر العظيم.

5.   إنه من المستحيل في مجرى العادة أن يتم إنسان على وجه الأرض تعليمه وثقافته ثم ينضج النضج الخارق للمعهود فيما تعلم وتثقف ، بحيث يصبح أستاذ العلم كله لمجرد أنه لقي مصادفة واتفاقاً راهباً من الرهبان مرتين، على حين أن هذا التلميذ كان في كلتا المرتين مشتغلا عن ا التعليم بالتجارة ، وكان  أمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، وكان صغيراً تابعاً لعمه في المرة الأولى ، وكان حاملا لأمانة ثقيلة في عنقه لا بد أن يؤديها في المرة الثانية ، وهي أمانة العهد والإخلاص في مال خديجة وتجارتها.

6.  إن طبيعة الدين الذي ينتمي إليه الراهب بحيرا، تأبى أن تكون مصدراً للقرآن وهدايته ، خصوصا بعدما أصاب ذلك الدين ما أصابه من تغيير وتحريف. وحسبك أدلة على ذلك أن القرآن قد صور علوم أهل الكتاب في زمانه بأنها الجهالات ثم تصدى لتصحيحها، وصور عقائدهم بأنها الضلالات ثم عمل على تقويمها ، وصور أعمالهم بأنها المخازي والمنكرات ثم حض على تركها ، ثم تذكر أن فاقد الشيء لا يعطيه ، وأن الخطأ لا يمكن أن يكون مصدراً للصواب، وأن الظلام لا يمكن أن يكون مشرقاً للنور.

7.   إن أصحاب هذه الشبهة من الملاحدة يقولون: إن القرآن هو الأثر التاريخي الوحيد الذي يمثل روح عصره أصدق تمثيل. فإذا كانوا صادقين في هذه الكلمة فإننا نحاكمهم في هذه الشبهة إلى القرآن نفسه، وندعوهم ليقرأوا ولو مرة واحدة بتعقل ونَصفِه ، ليعرفوا منه كيف كانت الأديان وعلماؤها وكُتَّابها في عصره؟ وليعلموا أنها ما كانت لتصلح لأستاذية رشيدة، بل كانت هي في أشد الحاجة إلى أستاذية رشيدة. إنهم إن فعلوا ذلك فسيستريحون ويريحون الناس من هذا الضلال والزيغ ، ومن ذلك الخبط والخلط، هدانا وهداهم الله فإن الهدى الهدى هداه { ومن لم يجعل الله له نوارا فما له من نور}

8.   إن هذه التهمة لو كان لها نصيب من الصحة ، لفرح بها قومه وقاموا لها وقعدوا لأنهم كانوا أعرف الناس برسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ)، وكانوا أحرص الناس على تبهيته وتكذيبه وإحباط دعوته بأية وسيلة ، ولكنهم كانوا أكرم على أنفسهم من هؤلاء الملاحدة فحين أرادوا طعنه بأنه تعلم القرآن من غيره لم يفكروا أن يقولوا أنه تعلم من بحيرا الراهب كما قال هؤلاء لأن العقل لا يصدق ذلك والهزل لا يسعه ، بل لجأوا إلى رجل في نسبه الأستاذية إليه شيء من الطرافة والهزل، حتى إذا مجت العقول نسبة الأستاذية إليه لاستحالتها ، قبلتها النفوس لهزلها وطرافتها ، فقالوا : إنما يعلمه بشر ، وأرادوا بالبشر حداداً رومياً منهمكاً بين مطرقته وسندانه ، ظالاً طول يومه في خبث الحديد وناره ودخانه، غير أنه اجتمع فيه أمران حسبوهما مناط ترويج تهمتهم أحدهما: أنه مقيم بمكة إقامة تيسر لمحمد (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ) الاتصال الدائم الوثيق  به ، والتلقي عنه ، والآخر : غريب عنهم وليس منهم ، ليخيِّلوا إلى قومهم أن عند هذا الرجل علم مالم يعلموا هم ولا آباؤهم فيكون ذلك أدنى إلى التصديق بأستاذيته لمحمد (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ)، وغاب عنهم أن الحق لا يزال نوره ساطعاً يدل عليه ، لأن هذا الحداد الرومي أعجمي لا يحسن العربية ، فليس بمعقول أن يكون مصدراً لهذا القرآن الذي هو أبلغ نصوص العربية بل هو معجزة المعجزات ومفخرة العرب واللغة العربية { لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين } أ-هـ   مناهل العرفان للزرقاني  (317-319)  .  وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.

 

أهم المصادر والمراجع:

1.     دراسات في السيرة النبوية محمد بن سرور زين العابدين 164-167

2.     مناهل العرفان للزقاني (317-319).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply