بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر بالخلافة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر بالخلافة

 

وما دار بينه وبين فاطمة من خلاف

 

 

تتفق الروايات التاريخية على أن علي بن أبي طالب لم يحضر مجلس السقيفة    الذي دار الحوار فيه بين المهاجرين والأنصار حول من يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسيير شئون الأمة º وذلك لأن علياً كان مشغولا بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نفر من  بني هاشم ـ ومعهم الزبير بن العوام ـ إلى مثواه .

 

لكن عليا والزبير رضي الله عنهما عندما علما بأمر البيعة لأبي بكر بعد اتفاق المهاجرين والأنصار على ذلك بادورا إلى الذهاب أبي بكر والبيعة له ، كما تذكر الروايات الصحيحة ، وعاتب علي بن أبي طالب أبا بكر عتابا رقيقا º لأنه لم يستدع إلى مجلس السقيفة º ليشارك في الحوار الذي دار بين كبار الصحابة ، ولم يحضر البيعة الأولى أو البيعة الخاصة التي تمت في السقيفة .

 

وشارك فيها كل من حضر هذه البيعة من كبار الصحابة وغيرهم ، فقال لأبي بكر : قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بالصلاة ، وأنك ثاني اثنين في الغار ، وكان لنا  حق ولم نستشر ، والله يغفر لك (البلاذرى : أنساب الأشراف 2/263).

 

وتذكر رواية موسى بن عقبة الذي ترجح روايته  رواية غيره من مؤرخي السيرة أن عليا والزبير بايعا أبا بكر قبل أن يفرغا من غسل رسول الله ، وأنهما خرجا إلى المسجد والمسلمون يبايعون أبا بكر ، فبايعا له بعد عتاب لترك مشورتهما  (تاريخ الخلفاء للسيوطي :ص 56 والمستدرك للحاكم 3 /66)

 

وقد سئل الصحابي الجليل سعيد بن زيد وهو أحد المبشرين بالجنة هل خالف أحد على أبي بكر ؟ فقال : لا ، إلا مرتد أو من كان يريد أن يرتد ، ثم سئل مرة أخرى: هل قعد عن بيعة أبي بكر أحد من المهاجرين ؟ فقال : لا ، تتابع المهاجرون على بيعته من غبر أن يدعوهم (تاريخ الطبري :3/207)

 

وقد توهم بعض من كتبوا عن موقف على بن أبي طالب من البيعة لأبي بكر من القدامى والمحدثين أن هناك تناقضا بين هذه الروايات التاريخية وبين ما ذكره البخاري في صحيحه ، وما ذكره مسلم أيضا مسندا إلى عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة بنت رسول الله  صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك (وهي الأرض التي غنمها الرسول من اليهود º وجعلها الله للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، حسبما بينت الآية الواردة في سورة الحشر.

 

فقال لها أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : \"لا نورث ، ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال\" وإني والله لا أغير شيئاً من صنعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ....ولأعملن فيها بما عمل رسول الله ..

 

فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك  فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها ، وكان لعلى من الناس وجه في حياة فاطمة فلما توفيت استنكر على وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد كراهية لمحضر عمر .

 

ودخل عليهم أبو بكر فتشهد علي فقال : إنا عرفنا فضلك ، وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك ، ولكنك استبددت علينا في الأمر ، وكنا نرى لقرابتنا عن رسول الله نصيبا ، حتى فاضت عينا أبي بكر ، فقال أبو بكر : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال ، فلم آل فيها عن الخير ، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه إلا صنعته .

 

فقال على لأبي بكر : موعدك العشية للبيعة ، فلما صلى أبو بكر الظهر رقى إلى المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة ، وعذره الذي اعتذر به ، ثم استغفر ، وتشهد علي  فعظم حق أبي بكر ، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسته على أبي بكر ، ولا إنكار للذي فضله الله به ، ولكنا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا فاستبد علينا ، فوجدنا في أنفسنا ، فسر بذلك المسلمون ، وقالوا : أحسنت (صحيح البخاري 5/77 ، 78 ط دار الشعب بالقاهرة).

 

وهؤلاء الذين رءوا أن هناك تناقضا بين رواية البخاري والروايات التاريخية الصحيحة تعجلوا في فهم حديث البخاري ، وخلطوا بين موقفين مختلفين لعلى بن أبي طالب .

 

الموقف الأول الذي بايع فيه لأبي بكر وعاتبه على أنه لم يستدع لحضور البيعة الأولى .

 

الموقف الثاني الذي اتخذه علي بعد أن بايع لأبي بكر تعاطفا منه مع زوجه فاطمة ، واقتناعا بحقها وحق بني هاشم في حيازة أرض الفيء , وإدارتها  كما كان يديرها رسول الله ، ويوزع غلتها على بني هاشم ، ثم على الفقراء ..

 

وهذا ما طالبت به فاطمة ومعها زوجها ، ومعها غيرهما من بني هاشم ، ولم تكن فاطمة ولا زوجها تطلب حيازة هذه الأرض على أنها  ميراث رسول الله ، فهي لا تستطيع أن تخالف حديثا صح عن رسول الله ، حتى ولو لم تكن قد سمعته أو حفظته من قبل ، وإنما كان هدفها أن تبقى هذه الأراضي تحت يدها  وأيدي بني هاشم º لينفقوا من غلتها على أنفسهم ، ثم على الفقراء من المسلمين وأبناء السبيل حسبما ورد من كتاب الله ، ولعل فاطمة ومعها آخرون من بني هاشم كانوا يخشون أن تضيع حقوقهم في هذه الأراضي عندما يتولى الأمر وال يجحد هذا الحق .

 

وأرجح أن السبب الذي منع أبا بكر من الاستجابة لهذه الرغبة الخشية من أن يأتي جيل من الأبناء والأحفاد يعد هذه الأرض ملكا موروثا ، فيستأثرون بغلتها دون أصحاب الحق  فيها من الفقراء وأبناء السبيل .

 

فجوهر الخلاف بين أبي بكر وفاطمة لم يكن بسبب رغبة فاطمة في توريث هذه الأرض ، ولكن كان بسبب رغبتها في حيازتها وإدارتها , وتوزيع غلتها كما كان يوزعها رسول الله  صلى الله عليه وسلم .

 

وهذا الخلاف المحدود لم يحدث في اليوم الأول من انتقال رسول الله إلى الرفيق الأعلى ، ولا في الأيام الأولى من خلافة أبي بكر ، وإنما حدث بعد أن تمت البيعة الخاصة والعامة لأبي بكر ، وتلك البيعة التي شارك فيها كل الصحابة ، وكل المهاجرين ، ومنهم على بن أبي طالب.

 

ورواية البخاري لم تذكر أن عليا امتنع عن البيعة لأبي بكر مع من بايع من الصحابة ، وإنما ذكرت ما كان من الخلاف حول أرض الفيء بين فاطمة وأبي بكر ،  وأن هذا الخلاف ظل قائما لستة أشهر بعد وفاة رسول الله ، ثم ذكرت أن عليا لم يكن يبايع تلك الأشهر ، وصيغة الفعل المضارع تفيد التجدد والحدوث ، كما يقول علماء البلاغة  .

 

أي أن عليا لم يكن يجدد البيعة لأبي بكر ، بالمشاركة في قراراته والمؤازرة له في أعماله ، ولا تعني كلمة يبايع بالضرورة البيعة المعهودة بالخلافة ، وهي هنا تفيد معنى آخر في قاموس العصر ، ودلالته اللفظية ، وهو المسامحة وإظهار الود والتأييد .

 

وقد أخرج البخاري في صحيحه حديث من تخلفوا في غزوة تبوك من الصحابة ، وأخذوا يعتذرون للنبي  ويحلفون له ، فقبل منهم وبايعهم  واستغفر لهم (صحيح البخاري ص6/5) وقد وردت الكلمة في وراية مسلم بصيغة الماضي \" ولم يكن بايع تلك الأشهر \"ولكن رواية البخاري أرجح عند المحدثين.

 

ومن يمعن النظر في وراية البخاري ومسلم يجد أن العتاب الذي جرى بين أبي بكر وعلي لم يكن بسبب الخلافة والبيعة ، وإنما كان حول حق بنى هاشم  في إدارة أرض الفيء التي هي حق لرسول الله ولقرابته من بني هاشم ، ثم للفقراء من المسلمين ..

 

يقول علي : كنا نرى لقرابتنا من رسول الله نصيبا ، وقال له أبو بكر : والله لقرابة رسول الله  أحب إلي أن أصل من قرابتي .. وأما الذي شجر  بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آل فيها إلا الخير.

 

والجفوة التي حدثت بين أبي بكر وعلي لم تكن بسبب أن عليا يرى أن له حقا في الخلافة كما قيل ، فالخلافة ليست أنصبة حتى يكون لعلى نصيب فيها ، وقد ثبت أنه بايع مبكرا كما بايع سائر الصحابة ، وإنما كان الخلاف حول إدارة أرض الفيء ،    وكانت فاطمة وعلي والعباس يرون أن تكون هذه الأراضي تحت إشراف رجل من بني هاشم يديرها ، ويقسم غلتها بين أصحاب الحق فيها ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فيها ، لكن أبا بكر رأى في هذا تغيرا لسنة رسول الله التي سار عليها ، وربما خشي أن يعد بعض بني هاشم هذه الأراضي ميراثا º فيستأثروا بغلتها ، ويسقطوا حق الفقراء فيها.

 

وظل هذا المطلب الهاشمي قائما حتى خلافة عمر فذهب إليه علي  والعباس يطليان منه أن يدفع إليهما أرض الفيء ، وقد استجاب أمير المؤمنين عمر لطلبهما بشكل محدد ، فدفع إليهما أرض الفيء بالمدينة  ، واستبقى أرض فدك وخيبر ، وقال : هما صدقة رسول الله لحقوقه ونوائبه (يقصد ما كان النبي يقدمه لمن يفد إليه بالمدينة ، وما يحتاجه من نفقة تلزمه بصفته مسئولا عن الدول الإسلامية ) وشرط عمر عليهما أن يعملا  في أرض الفيء بالمدينة بما كان يعمل رسول الله ـ أي يقسمان غلتها بين بني هاشم ـ  (صحيح مسلم 3، حديث رقم 1382)

 

وبعد فترة من هذا التصرف الذي أرضى به عمر عليا والعباس ، وحافظ فيه أيضا على الحقوق العامة للمسلمين بتسليمها جزءا من أرض الفيء ، وترك الجزء الأكبر للحقوق العامة حضر إليه علي والعباس يشكوان إليه ما حدث بينهما من نزاع حول تقسيم غلة هذه الأرض ، استنكر عمر عليهما ذلك الصنع ، وقال : جئتماني لأقضي بينكما ؟ لا والله لا أقضي بينكما  بغير ذلك ، حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها فرداها إلي.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply