نواقض الإسلام


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فإن الله -تعالى- بعث محمدا بالهدى ودين الحق، دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، قال -تعالى-: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وقال:(إن الدين عند الله الإسلام)، وقال: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين

وأعلم أن لهذا الدين أركانا يقوم عليها هي: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، ولهذا الإسلام نواقض تنقضه وتحبطه، وهي المكفرات المخرجات من الإسلام، وأما ما سواها من الذنوب فليست نواقض، وإنما تنقص الإيمان إنقاصا فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ونواقض الإسلام كثيرة -أعاذنا الله منها- يذكرها الفقهاء في باب الردة وأحكام المرتد، لكن جماعها عشرة نواقض:

أولها: الشرك، والمراد به هنا: الشرك الأكبر المخرج من الملة الذي لا يغفره الله لمن مات عليه، وهو جعل شريك مع الله في حقه -تعالى- من العبودية والربوبية، بل وفي أسمائه وصفاته، قال -تعالى-: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا)، وقال (ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين، بل الله فاعبد وكن من الشاكرين).

ومن الشرك الذبح لغير الله والنذر لغير الله لأنهما عبادتان لا يجوز صرفهما لغير الله، فمن ذبح لغير الله على وجه التعبد والنسك والتقرب فقد أشرك به غيره، قال -تعالى-: "فصل لربك وانحر"، وقال "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" والنسك هو الذبح على وجه التعبد والتقرب، وقال -صلى الله عليه وسلم- (لعن الله من ذبح لغير الله) رواه مسلم، وقال أيضا (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله)، وقال -تعالى- عن عباده (يوفون بالنذر)، أي الذي يتعبدون به لله رب العالمين.

 

الثاني: من نواقض الإسلام: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعا كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية فمن جعل وسائط من الخلق يقربونه إلى الله، وهو يتقرب إليهم بالعبادة من دعاء واستغاثة وتقرب بذبح وسؤال شفاعة، أي وساطة عند الله أو يتوكل عليهم في شؤونه، ويعتقد بهم النفع والضر فقد كفر.

 

الناقض الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو مذهبهم كفر، لأنه في ذلك شاك في ما هو عليه من الإسلام الذي لا يرتضي الله غيره فمن شك في كفر من عبد غير الله، أو صرف له شيئا من العبادة، أو شك في كفر اليهود والنصارى والوثنيين، أو أنهم في النار، أو صحح شيئا من مذاهب المشركين وأعمالهم التي نص الدليل على كفر فاعليها من علمهم بذلك، فقد كفر.

 

الناقض الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي أكمل من هديه، وان حكم غيره أحسن من حكمه، فقد كفر، كالذي يفضل حكم القوانين، أو الأعراف العشائرية على حكم الشريعة الإسلامية، أو يعتقد جواز الحكم بها، أو أنها مثل الشريعة الإسلامية، كل هذا كفر بالله العظيم لقوله -تعالى- (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، وقوله) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).

 

الناقض الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولو عمل به كفر، فمن أبغض الصلاة كفر، ولو عمل بها لأنه لم يجب ما أمر الله به ومن شروط لا إله إلا الله المحبة لكل ما جاء عن لا إله إلا الله من مقتضيات وأوامر وشرائع، ومن شروطها القبول أيضا، فمن أبغض ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يحقق معنى شهادة أن محمدا رسول الله، لأن مقتضاها التسليم لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وانشراح الصدر به، ولما جاء في الحديث (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) حسنه النووي، واختلف فيه، فمن أبغض شيئا من الشريعة كفر، ولو عمل بها.

 

الناقض السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو بثوابه، أو بعقابه، كفر، لأنه لم يوقر هذا الدين الذي يجب عليه توقيره وتوقير من جاء به، ولأن الله حكم على أناس -كانوا مؤمنين- بالكفر لما استهزأوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا وأكذب ألسنة وأجبن عند اللقاء، فأنزل الله فيهم (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)، فالله حكم بكفرهم مع أنهم كانوا قبل ذلك مؤمنين ويدل عليه قوله (قد كفرتم بعد إيمانكم) فأثبت لهم إيمانا قبل أن يقولوا ما قالوا، وكفرهم مع أنهم قالوها على وجه اللعب والمزاح والهزل، ويريدون أن يقطعوا بها عناء الطريق.

 

الناقض السابع: السحر، والسحر كفر، وهو عزائم ورقي وعقد يؤثر في القلوب والأبدان فيقتل ويفرق بين المرء وزوجه قال -تعالى-: (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) أي نصيب، وقال قبلها (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) متفق عليه من حديث أبي هريرة وقال -صلى الله عليه و سلم- (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك) رواه النسائي من حديث أبي هريرة، ومن السحر التنجيم، والاستدلال بالأفلاك على الحوادث الأرضية، لما روى أبو داود بسند صحيح عن ابن عباس أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد)، وقال -تعالى-: (ولا يفلح الساحر حيث أتى)، وقال شيخ الإسلام في الاختيارات: والتنجيم كالاستدلال بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية، وهو من السحر ويحرم إجماعا.

وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب -طيب الله ثراه–"إن علم النجوم نوع من أنواع السحر، ومن السحر الصرف والعطف: صرف المتحابين عن بعضهما وعطفهما على بعض.

 

الناقض الثامن: مظاهرة المشركين، ومعاونتهم ضد المسلمين، وهو التولي المذكور في قوله -تعالى-: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) والتولي غير الموالاة، فإن الموالاة هي في الميل والصحبة والمحبة وهي من كبائر الذنوب ودون الكفر، أما التولي فهو النصرة ضد المسلمين، والكيد معهم ضد المسلمين كحال المنافقين.

 

الناقض التاسع: من ظن أن أحدا يسعه الخروج عن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى -كفر، لأن شريعة الإسلام التي بعث بها محمد مهيمنة على الشرائع كلها ناسخة لها، والله لا يقبل الا ما كان من الإسلام، فقال: -تعالى- (إن الدين عند الله الإسلام)، وقال: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه فهو في الآخرة من الخاسرين)، وقال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم، قل أطيعوا الله والرسول فمن تولى فإن الله لا يحب الكافرين)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (والله لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي الا دخل النار) رواه مسلم

فما يزعمه غلاة الصوفية من خروج الأولياء -عندهم- عن اتباع محمد هو عين الكفر والخروج عن الإسلام.

 

الناقض العاشر: من أعرض عن دين الله جملة ولم يعمل به، فقد كفر، إذا كان إعراضه كليا عن تعلم الإسلام وتفهمه، وأعرض عن العمل بالإسلام كليا، واستغنى بما هو عليه من الكفر، وإذا دعي للإسلام، أو لتعليمه إياه اعرض ورفض، أو علم، ثم أعرض عن العمل به وقبوله كفر.

 

وهذه النواقض لا فرق فيها بين الجاد والهازل والخائف إذا وقعوا فيها عن علم وعمد، الا المكره إكراها ملجئا، وهو المواصل إلى حد الموت لنفسه، أو لولده ونحوه فينجيهم بلسانه فقط، لقوله -تعالى- (الا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراّ) فمن أكره على الكفر ثم عمله راضيا به فقد كفر لأنه شرح به صدرا، ومن فعله لدفع خطر الموت عن نفسه مع اطمئنان نفسه بالإيمان فقد سلم، ولا شيء عليه لقوله -تعالى (إلا أن تتقوا منهم تقاة).

وأما الخائف فقط دون الإكراه الملجئ فلا يجوز له الوقوع في شيء من النواقض المكفرة، قال شيخ الإسلام، والمرتد من أشرك بالله -تعالى-، أو كان مبغضا للرسول -صلى الله عليه وسلم- ولما جاء به، أو ترك إنكار منكر بقلبه، أو توهم أن أحدا من الصحابة، أو التابعين، أو تابعيهم قاتل مع الكفار، أو أجاز ذلك، أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply