فضل لا إله إلا الله - حديث عن رجب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

الخطبة الأولى:

فاتقوا الله أيها الناس فإن الله -تعالى- خلقكم لأمر عظيم جليل بينه لكم فقال -تعالى-: (وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالأِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ)(1) وقال: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبعَ سَمَاوَاتٍ, وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أحاط بِكُلِّ شَيءٍ, عِلماً)(2) فالله -تعالى- قد خلقكم إنسكم وجنكم ذكركم وأنثاكم لعبادته وحده لا شريك له لا ليتقوى بكم من ضعف ولا ليتكثر بكم من قلة قال الله -تعالى-: (يَا أَيٌّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيٌّ الحَمِيدُ)(3).

أيها المؤمنون إن مفتاح العبودية الأعظم هو شهادة أن لا إله إلا الله، فلا إله إلا الله قامت بها السماوات والأرض ولا إله إلا الله فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا إله إلا الله أول دعوة الرسل لأقوامهم ولا إله إلا الله كلمة التقوى والإسلام ومفتاح الجنة دار السلام.

أيها المؤمنون إن فضائل لا إله إلا الله عظيمة كثيرة، فمن ذلك أنها أول ما يطالب به العبد ليدخل في الدين الذي لا يقبل الله -تعالى- سواه ففي قصة بعث معاذ إلى اليمن: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله))(4).

ومن فضائلها أن بها يعصم دم العبد وماله قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله -عز وجل-))(5) رواه مسلم.

ومن فضائل لا إله إلا الله أنها تحرم على النار من قالها صادقاً مخلصاً ففي الصحيحين من حديث عثمان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))(6).

ومن فضائلها أن بها يدخل العبد الجنة دار السلام قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة))(7)رواه مسلم.

ومن فضائلها أنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة فعن معاذ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة))(8) رواه أبو داود بسند صحيح.

ومن فضائل هذه الكلمة المباركة أنها أفضل ما نطق به العبد ففي الترمذي بسند صحيح قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله و حده لا شريك له)(9).

ومن فضائل هذه الكلمة الطيبة أن من قالها بإخلاص حصلت له شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أحق الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصة من قلبه))(10).

ومن فضائل لا إله إلا الله أنه لا يعدلها شيء في الميزان فعن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن نوحاً - عليه السلام - قال لابنه عند موته: آمرك بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع و الأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله ولو أن السماوات السبع و الأرضين السبع كن حلقة مهملة قصمتهن لا إله إلا الله))(11) رواه أحمد بسند جيد.

ومن فضائل لا إله إلا الله أنها إذا رسخت في قلب العبد بددت ضباب الذنوب وغيومها فعن عبد الله بن عمر مرفوعاً: ((يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر ثم يقال: أتنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا يارب. فيقال: ألك عذر أو حسنة؟ فيقول: لا. فيقال: بلى إن لك عندنا اليوم حسنة وإنه لا ظلم عليك فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم فتوضع في كفة و البطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة)) (12) رواه أحمد والترمذي وغيرهما، بإسناد صالح.

 

أيها المؤمنون إن من فضائل لا إله إلا الله الكبار أنها تثمر العمل الصالح فجميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة إنما هي ثمرة هذه الكلمة المباركة قال الله -تعالى-: (أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ, طَيِّبَةٍ, أَصلُهَا ثَابِتٌ وَفَرعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ, بِإِذنِ رَبِّهَا وَيَضرِبُ اللَّهُ الأَمثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُون)(13) فشبه -سبحانه- الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة فمن رسخت هذه الكلمة الطيبة في قلبه إيماناً وتصديقاً انقادت جوارحه لأمر الله -تعالى- عملاً وتطبيقاً فلا إله إلا الله ما أعظم هذه الكلمة وأكثر فضائلها.

 

أيها الإخوة المؤمنون إن لنا مع هذه الفضائل العظام وقفتين:

الوقفة الأولى: في معنى هذه الكلمة الطيبة فإن كثيراً من الناس لا يعرف معناها وقد لا يدرك حقيقة مضمونها ولا شك أن هذا سبب كبير في تخلف هذه الفضائل عن قائلها أيها المؤمنون إن معنى قولكم: لا إله إلا الله أنكم تقرون بأنه لا معبود بحق إلا الله -تعالى- فلا يستحق أحد أن يصرف له شيء من العبادات القلبية كالمحبة والخوف والرجاء والتوكل غير الله -تعالى- ولا يستحق أحد أن يصرف له شيء من العبادات العملية من صلاة ونذر وذبح ودعاء غيره -سبحانه- بل الواجب أن يفرد -جل وعلا- بجميع العبادات الظاهرة والباطنة.

فإن أخل العبد بشيء من ذلك فصرف العبادة لغير الله -تعالى- فإن لا إله إلا الله لا تنفعه بشيء بل هو مشرك كافر متوعد بقوله -تعالى-: (إِنَّهُ مَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَد حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ وَمَأوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن أَنصَار)(14) فاحذروا الشرك يا عباد الله فإن خطره عظيم اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم ونستغفرك مما لا نعلم.

الوقفة الثانية: أنه لا يكفي في حصول تلك الفضائل والخيرات المرتبة على قول لا إله إلا الله مجرد قول اللسان فقط قال ابن القيم -رحمه الله- عن الاكتفاء بقول اللسان دون العمل بها: "فإن هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام" ثم قال -رحمه الله-: فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم وهم تحت الجاحدين لها في الدرك الأسفل من النار فلابد من قول القلب وقول اللسان.

 

أيها المؤمنون إن قول القلب الذي لابد من توفره لتحصيل تلك الفضائل وإدراك تلك المناقب هو أن تكون أعمالك يا عبد الله كلها لله وأقوالك لله عطاؤك لله ومنعك له حبك لله وبغضك له معاملاتك كلها لوجه الله وحده لا تريد بذلك من الناس جزاءً ولا شكوراً. فمن صاغ قلبه وقوله وعمله على ذلك فإنه من أهل لا إله إلا الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

أيها المؤمنون اقدروا لهذه الكلمة العظيمة قدرها فإنها مفتاح النجاة وباب السعادة في الدنيا والآخرة.

 

الخطبة الثانية:

أما بعد..

أيها المؤمنون إن الله -سبحانه وتعالى- قد اصطفى بعض الأوقات والأزمنة وخصها بفضائل ومواهب ميزها بها عن غيرها من الأزمان ففضل الله -سبحانه- الأشهر الحرم على غيرها من الأشهر ببعض الفضائل والأحكام قال الله -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشٌّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثنَا عَشَرَ شَهراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَومَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ مِنهَا أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُم)(15) وهذه الأشهر قد بينها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان))(16) متفق عليه فشهرنا هذا شهر رجب هو أحد الأشهر الحرم التي نهانا الله -سبحانه- فيها عن ظلم أنفسنا ويكون ذلك بالكف عن الفحشاء والمنكر قال الأول:

شهر حرام أتى من أشهر حرم فكف فيه عن الفحشاء والريب

فيا أيها المؤمنون اتقوا الله -تعالى- حق تقاته وقوموا بما أمركم الله -تعالى- به من تعظيم حرماته وشعائره فإن ذلك من تقوى القلوب.

أيها المؤمنون إن مما أحدثه الناس في هذا الشهر تخصيصهم شهر رجب بأنواع من البدع والمحدثات فمن ذلك تخصيصُهم أول جمعة من هذا الشهر بصلاة يسمونها صلاة الرغائب ومن ذلك أيضاً تخصيصهم شهر رجب بالصيام أو بصيام أيام معينة منه ومما أحدثوه أيضاً تخصيصهم شهر رجب بالعمرة التي يسمونها الرجبية وكل هذا من البدع والمحدثات التي لم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا السلف الصالح وهي لا تزيد العبد من الله إلا بعداً ففي الصحيح من حديث عائشة مرفوعاً: ((كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد))(17) قال ابن القيم -رحمه الله-: "وكل عمل بلا اقتداء فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعداً فإن الله -تعالى- إنما يُعبد بأمره لا بالآراء والأهواء"(18) فاتقوا الله عباد الله والزموا الكتاب والسنة فإنه لا نجاة للعبد إلا بهما واعلموا أنه لم يثبت من هذه المحدثات شيء، وقد قال الأول:

وخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع

قال ابن حجر -رحمه الله-: "لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة"(18). فاحذروا أيها المؤمنون البدع والمحدثات

فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف

اللهم اجعلنا من العاملين بالكتاب والسنة المتمسكين بهما.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

(1)             سورة: الذاريات: آية (56).

(2)             سورة: الطلاق: آية (12).

(3)             سورة: فاطر: آية (15).

(4)             متفق عليه: البخاري (1458)، ومسلم (19).

(5)             مسلم (23).

(6)             البخاري (5401).

(7)             مسلم (27).

(8)             مسلم (26).

(9)             مالك (498).

(10)        البخاري [  ] (99).

(11)        أحمد (6547).

(12)        الترمذي (2639).

(13)        سورة: إبراهيم: آية (24-25).

(14)        سورة: المائدة: آية (72).

(15)        سورة: التوبة: آية (36).

(16)        البخاري (3197)، ومسلم (1679).

(17)        مسلم (1817).

(18)        مدارج السالكين (1/96).

(19)        تبيين العجب صـ21.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply