فمن يكفر بالطاغوت و يؤمِن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 





الحمد لله حمد الشاكرين، و الصلاة و السلام على إمام المتقين و سيّد المرسلين و قائد الغرّ الميامين سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين و بعد:

فإن دين الإسلام الذي بعث الله به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهم الأمور التي يركّز عليها و يحرص على بنائها هي قضية العقيدة التي بذل النبي - صلى الله عليه وسلم - كلّ جهده في تعليمها لأصحابه و تعميقها في قلوبهم حتى تكون متينة لا يهزّها شيء و لا يخلخلها طارئ، و قد نزل القرآن الكريم في معظم الفترة الأولى من مراحل الدعوة لتأكيد هذه المعاني و الحرص على تنميتها.

أخوة الإسلام... قد لا يحتاج شرح العقيدة الإسلامية إلى كثرة جهد و طول تعقيد بل إن الواحد من الأعراب كان يأتي إلى النبي بنصف ساعة أو أقل و يخرج من عنده بعقيدة ثابتة و إيمان راسخ و هذا لأن العقيدة يمكن أن تختصر خاصة في زمننا هذا بكلمتين لا ثالث لهما ألا و هما الولاء و البراء.. فالولاء هو المحبة و النصرة و الاتباع و القرب فإذا قلنا إن فلاناً يوالي فلاناً أي يحبه و ينصره و يتبعه و يقترب منه و الولاء لا يكون إلا لله جلّ جلاله و لرسوله - صلى الله عليه وسلم - و للمؤمنين الصادقين الذين آمنوا بالله رباً و بمحمد نبياً و رسولاً و رضوا بالإسلام ديناً و بهذا أخبر الله - تعالى -و قرّر في كتابه العزيز فقال جلّ جلاله ((إنما وَلِيّكُم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون و من يتولّ الله و رسوله و الذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون))..

أما البراء فهو الابتعاد و البغض و النفور و الكراهية، فقولك فلان يتبرّأ من فلان يعني يبغضه و يكرهه و يبتعد عنه، و قد أوجب الله - تعالى -على كلّ مؤمن أن يتبرّأ من الكافرين و كلّ من سار على دربهم و سلك مسلكهم، فالواجب على المؤمن أن يوالي المؤمن و أن يتبرّأ من الكافر.



عباد الله.. إن الولاء من لوازم لا إله إلا الله فقال - تعالى -((فمن يكفر بالطاغوت و يؤمِن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها و الله سميع عليم · الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون))...



و قد قال بعض السلف: إن الإنسان لا يستقيم له إسلام و لو وحّد الله و ترك الشرك إلا بعداوة الكفار و المشركينº فالواجب على المؤمن أن يتبرّأ من الكافر لأنه كفر بلا إله إلا الله و أشرك مع الله غيره من خلقه طغياناً و كفراً و تكبّراً، قال - تعالى -: ((إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون))، كما أن المشركين عباد الله ينفقون أموالهم ليلاً و نهاراً بالسر و العلن ليصدّوا عن سبيل الله و ما الحملات الصليبية و الغزوات التوراتية التي توجّه ضد الأمة في أيامنا هذه إلا مصداقاً لذلك كما أخبر الله - تعالى -فقال ((إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله))، و هؤلاء الكفرة الذين يبذلون الغالي و النفيس للصدّ عن سبيل الله أنّى لهم أن يكنّوا محبة في صدورهم للمسلمين و إن أظهر كثير من المسلمين المحبة لهم فهذا ربنا جلّ جلاله يقول ((تحبّونهم و لا يحبونكم)) و هو - تعالى -الذي قال ((قد بدت البغضاء من أفواههم و ما تخفي صدورهم أكبر)).. بل إن الحد وصل بهم إلى محاولة تكفير المسلمين و ردّهم عن دينهم إن تحصلوا على ذلك كما أخبر - تعالى -عنهم فقال ((و لا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا))...



أخوة الإسلام... هذا الذي ذكرنا قليلٌ من كثير و بعضٌ من كلّ فلماذا يصرّ بعضنا على موالاة الذين يحملون في صدورهم لأمتنا و ديننا كلّ بغضاء و حقد و حسد، كما أن الله - تعالى -أمرنا أن نترك موالاة هؤلاء و حذّرنا من ذلك فقال - تعالى -((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي و عدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودة و قد كفروا بما جاءكم من الحق))...



و إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا أن الولاء و البراء من أوثق عرى الإيمان فقال - عليه الصلاة والسلام - ((أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله و المعاداة في الله و الحب في الله و البغض في الله))، و إن الولاء و البراء هو الذي يدلّ على كمال الإيمان و حسنه و قد بايع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رسولهم على موالاة المؤمنين و البراء من الكافرين، فهذا جرير بن عبد الله البجلي يقول إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بايعه على أن ((تنصح لكلّ مسلم و تبرأ من الكافر))...



و قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحبّ لله و أبغض لله و أعطى لله و منع لله فقد استكمل الإيمان)).. أما الذين يتولّون الكافرين و يتركون المؤمنين فإن الله - سبحانه وتعالى-أعدّ لهم عذاباً أليماً في الآخرة و سمّاهم منافقين في الدنيا فقال - تعالى -((بشّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً · الذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً))، و إن مثل هذا العمل من موالاة الكافرين إذا أصبح خلقاً عاماً للأمة فإنه ينزل الهلاك بها و يجعل الله عليها سلطاناً كما أخبر - تعالى -في كتابه ((يا أيها الذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن يجعل الله عليكم سلطاناً مبيناً)).. بل إن الله - سبحانه وتعالى-يتخلّى عن كلّ من يفعل ذلك و يتركه و شرّ أعماله و من لم يكن الله معه فلن يحصد إلا الخسران و الوبال و الذل إلى يوم القيامة، و واقعنا و حاضرنا خير شاهد لذلك فقال - تعالى -((لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شيء))...



أيها المسلمون: إن الركض وراء المشركين و الترامي في أحضانهم و التصدّي لشرفاء الأمة و مجاهديها لم يقدّم للأمة إلا اللعنة و الخسران، و إن من يفعل ذلك لن يعدّ إلا من الكافرين أنفسهم كما قال الله - تعالى -((و من يتولّهم منكم فإنه منهم))، و كما قال - صلى الله عليه وسلم - ((من تشبّه بقومٍ, فهو منهم)).. فهؤلاء أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قدّموا الدليل تلو الدليل على صدق ولائهم لله و رسوله و ضربوا أروع الأمثلة إثباتاً لذلك و لو تعلّق الأمر بأقرب الأقربين لديهم، بل إنهم قرأوا قول الله - تعالى -جيداً الذي قال فيه ((ترى الكثير منهم يتولّون الذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم و في العذاب هم خالدون · و لو كانوا يؤمنون بالله و النبي و ما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء و لكن كثيراً منهم فاسقون))، فقد علم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى جيداً فما صدّهم عن دينهم و مؤازرتهم للحق شيئاً فعملوا بقول الله - تعالى -((لا تجد قوماً يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادّون من حادّ الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم))، فهذا سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - أول من رمى بسهم في سبيل الله. الذي كان مستجاب الدعوة كان بارّاً بأمه فلما أسلم قالت له أمه ما هذا الدين الذي أحدثت و الله لا آكل و لا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتعيّر بذلك أبدَ الدهر يقال \"يا قاتل أمه\"، و مضت أمه في ذلك بكلّ تصميم تواصل امتناعها عن الطعام و الشراب و سعد لا يبالي بذلك بشيء حتى لو أدّى ذلك إلى موت أمه و لما أشرفت أمه على الموت أخذه أهله ليراها لعلّ قلبه يرقّ إليها فلما جاءها اقترب بوجهه من وجهها و قال: \"تعلمين و الله يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا الشيء فكلي و إن شئت فلا تأكلي\"، فانظروا إخوة الإسلام إلى صلابة العقيدة و شدة الولاء لله و للدين... و هذا عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول لما قال والده زعيم المنافقين لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قاصداً بذلك نفسه و رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جاء ولده عبد الله إلى النبي و قال يا رسول الله إن كنت تريد قتل أبي فأمرني آتيك برأسه، فرفض النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم وقف عبد الله لأبيه على باب المدينة و ما أدخله حتى أذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فهذه المواقف هي التي تبرهِن على حقيقة صدق الولاء و البراء... فأين نحن عباد الله من موالاة الله و رسوله و المؤمنين؟ أين نحن من الوقوف في وجه الجبّارين و الغاصبين نصرة لإخوان العقيدة و الدين؟ و لماذا لا نتعلّم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ أم أن الدنيا طغت على قلوبنا و تغلغلت في صدورنا حتى أصبح الواحد منا يبيع دينه بعرضٍ, من الدنيا؟!!.

أخوة الإسلام... إن هذه الأيام هي من أيام الامتحان في العقيدة أمام الله و الناس فما على المسلم الصادق إلا أن يبرهن على صدق إسلامه بموالاته لله و للمؤمنين و تبرئه من الكفر و الكافرين، فمهما علت أصوات الكافرين و المنافقين و مهما ألصق به من التهم و الأوصاف التي ستزول بإذن الله فما عليه إلا الجهر بالحق و الثبات عليه و حتماً ستكون العاقبة للمتقين، كما أنه عليه أن يبرهن صدق عقيدته ببراءته من الكافرين و أفعالهم و ألا ينساق وراءهم ينفّذ أوامرهم كما يفعل كثيرٌ ممن يسمّون أنفسهم مسلمين زوراً و ظلماً و عدواناً مع أن الله - تعالى -سماهم المنافقين تارة و سماهم باسم الكافرين أنفسهم تارة أخرى.. فالحذر الحذر عباد الله من الانجرار وراء الذين يغوون الناس و يزيّنون الباطل لأن في ذلك تنازل عن العقيدة التي هي أساس الدين و هي التي ينبني عليها كلّ شيء بعد ذلكº فمن هانت عليه عقيدته هانت عليه نفسه و أهله و ماله و عرضه، فلا عجب لما نراه من أحوال المتنازلين و المعرِضين الذين باعوا دينهم و عقيدتهم بثمن بخس و سراب زائل بسيرهم وراء أعداء الأمة و موالاتهم لهم على حساب المسلمين و جراحاتهمº و نسأل الله - سبحانه وتعالى-أن يجعلنا من الموالين له و لرسوله و للمؤمنين المتبرّئين من أعدائه و من الكافرين..فاللهم إنّا نبرأ إليك ممن يكفرون بك و يشركون بك و ممن يسيرون على دربهم و خطاهم كبراءة إبراهيم - عليه السلام - و من بعده محمد - صلى الله عليه وسلم -، إنك المنان المجيد الفعّال لما تريد... و صلوات الله و سلامه على أشرف الخلق سيدنا محمد و على آله و صحبه و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply