يا أيها الناس ؟!


بسم الله الرحمن الرحيم

 


م هم الذين بلغتهم  ؟؟

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21) الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون (22)} [البقرة: 21 - 22]. (يا أيها الناس) كم تردد هذا النداء في ثنايا هذا الكتاب العظيم. وهو: نداء عام يستغرق الناس كلهم، بجميع أجناسهم وبلدانهم وأزمانهم، إن هذا العموم الواسع الشامل في هذا النداء بلغه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان المؤمنون به جماعة قليلة في زاوية من الأرض في حاشية جزيرة العرب.

بلغ هذا النداء النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يقول لأصحابه: احصوا لي كم يلفظ بالإسلام، فيقولون: نحن بين الستمائة إلى السبعمائة. ومع ذلك ينطلق نداؤه إلى الناس كلهم. في كل نواحي الأرض وأحقاب الزمن.

إن التصور البشري المحدود بحدود الزمان والمكان لا يمكن أن ينطلق مهما كان تفاؤله وأمله ليعبر هذا المدى البعيد في ندائه. ولكن هذا النداء وحي أنزله الذي خلق الكون وأحاط به علما فبلغه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو مؤمن بموعود ربه. دون أن يكون يقينه ذلك محجما بقلة المؤمنين أو ضعف وسائل الاتصال. والآن ونحن نقرأ (يا أيها الناس) نتساءل: كم الناس الذين بلغتهم (يا أيها الناس). وهل كان أعظم قدر من التفاؤل يمكن أن يطمح هذا الطموح أو يتوقع هذا التوقع؟! لولا أن هذا كلام الله - تعالى -وبلاغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنها إحدى معجزاته ودلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم -.



{اعبدوا ربكم}

إن العبادة فطرة مستكنة في النفوس، تتوجه إليها القلوب كما تتوجه إبرة البوصلة إلى الشمال دائم. ولذا لم يوجد شعب بلا دين وعبادة. لكن القضية التي تحتاج إلى حسم هي في توجيه هذه العبادة إلى الاتجاه الصحيح وأدائها الأداء الصحيح. وهذا هو محل الاضطراب الذي وقعت فيه البشرية في أطوار تاريخها يوم وجهت عبوديتها إلى معبودات شتى لا تستحق هذه العبادة ولا يليق لها هذا التعبد، ولذا جاءت هذه الآية حاسمة لهذا الاضطراب مبينة للناس كل الناس اتجاه العبودية الصحيح، ومبينة بعض دلائل الاستحقاق لهذه العبودية. ولذا جاء التعبير بوجهة العبادة بقوله: (ربكم). وفي الربوبية معاني الملك والرعاية والحفظ والإنعام، ومن كانت له هذه الصفات على وجه الكمال المطلق فهو الحقيق أن يتوجه إليه خلقه الذين هم تحت رعايته وإنعامه بالعبودية له وحده.



{الذي خلقكم والذين من قبلكم}

إن هذا تفصيل لبعض معاني الربوبية التي تضمنها قوله: (ربكم) ليكون بهذا التفصيل توال للأدلة الدالة على الاتجاه الصحيح لهذا العبادة والمعبود المستحق لها وحده.إنه (الذي خلقكم) وكنتم عدما وخلق آباءكم (من قبلكم).

والخلق مشهد لكمال القدرة وكمال الإنعام. فهو القدير الذي خلقكم من عدم، وهو المنعم عليكم بهذا الوجود، وخلقه لمن قبلكم إنعام عليكم أيضاº فهم آباؤكم الذين كانوا سبب وجودكم. وكما كان هناك عموم في النداء (يا أيها الناس) فإن هناك عموما آخر يتضمنه قوله: {والذين من قبلكم}، إنها إشارة موغلة في أعماق تاريخ البشرية وتسلسل في هذا النداء، فما أوسع مساحة هذا الخطاب الزمانية الموجهة لكل الأجيال المتعاقبة، والمذكرة بكل الأجيال الغابرة {خلقكم والذين من قبلكم}. {لعلكم تتقون} إنها ثمرة هذه العبودية المخلصة لله - تعالى -، الموجهة للمعبود المستحق لها وحده. إنها الوقاية التي ينالها من حقق هذه العبودية.

إن الله - تعالى - لن يسوي في المصير الأخروي بين من عبده وحده، وأفرده بالحب والتعظيم والعبادة. ومن أعرض عن عبودية الله - تعالى -، ووجه هذه العبودية إلى من لا يستحقها من المخلوقات التي خلقها الله - تعالى -.. وارتكب أعظم حماقة يرتكبها بشر، يوم وجه العبادة التي يستحقها ربه الذي خلقه وأنعم عليه إلى من لا يستحقها، وسيكون جزاؤه الأبدي في دار الخلود غضب الله - تعالى -وعذابه.. وسيحظى بالوقاية من هذا العذاب أولئك الذين عبدوا الرب الحقيق بالعبادة. عبدوا ربهم فوقاهم هذه العقوبة. إن ثمرة العبودية الحقة الوقاية من عقوبة الله - تعالى -، والفوز برضاه وإكرامه {لعلكم تتقون}.



{الذي جعل لكم الأرض فراشا}

وتستمر الآية في تفصيل معاني الربوبية تمد أبصار الناس إلى مشاهد الكون الذي يعيشون فيه. ويشتركون جميعا في إدراك عظمته والانتفاع به. إن الرب الخالق خلق هذا الكون ليكون ملائما لحياة الناس وعيشهم فيه. ولذلك أضافه إليهمº لأنهم ينتفعون به وقد خلقه لهم {جعل لكم الأرض فراشا} وفي الفراش معنى الاستقرار والانبساط الذي يشعر به البشر وهم يعيشون على هذه الأرض. ولذا سمى الله الأرض (مهادا - بساطا - قرارا - ذلولا) أي ساكنة مطمئنة. وهذا مشهد عظمة في الخلق، وإنعام من الخالق - سبحانه -.

وإلا فأي حال سيكون عليه حال البشر لو فقدت هذه الأرض قراره. وأصبحت فراشا مضطربا وهو ما نرى نذره في البراكين و الزلازل التي تقع في فترات في أزمنة وأمكنة محدودة (لتكون استثناء يذكر البشر بنعمة استمتعوا بها طويلا، وهي: قرار فراشهم الأرضي.

لتقوم عليه مصالحهم ومعايشهم في هذه الحياة.

(والسماء بناء) إنها لفتة إلى عظمة الكون السحيق، فأي رهبة تفيض على النفس عندما يمتد البصر إلى آفاق السماء البعيدة، يستشعر عظمة هذا الكون والأفلاك السابحة في فضاءاته الشاسعة، يستشعر من ذلك عظمة الرب الذي هذا خلقه وهذا ملكه. أليس هذا الرب العظيم هو الحقيق بالعبادة وحده؟!



{وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم}

إن هذا الرب الذي خلق من العدم، وسخر هذه الأرض في هذا الفلك الواسع يوالي إنعامه على خلقه ويمدهم بأسباب الحياة. فهو الذي ينزل ماء من السماء لتخرج به ثمرات الأرض (رزقا لكم) وهنا يتكرر مرة أخرى مشهد الخلق والإنعام.

إن نزول الماء من السماء، وخروج أصناف الثمرات به من الأرض مشهد من مشاهد الخلق والقدرة والإنعام والرحمة التي يستحق بها الله - جل جلاله - أن يفرد بالعبودية دون من سواه.

ولذا جاء ختام هذه الآية مناسبا غاية التناسب لما سبقº ليكون كالنتيجة الحتمية لهذه المقدمات المتتالية {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} [البقرة: 22].

فكل ما ذكره الله - تعالى -من خلقنا وخلق آبائنا ومن قبلنا وفرش الأرض لنا وبناء السماء فوقنا وإنزال الماء وإخراج الثمرات لن. كل ذلك خلقه وإنعامه وحده جل وعل. فأي ظلم وجحود ومغالطة عندما نسوي غيره به، ونجعل له - سبحانه - وهو العظيم في خلقه وإنعامه- ندا وشبيها يعبد معه. وقد علمنا من كل هذه الدلائل في أنفسنا وفي الكون من حولنا وفي الرزق المتتابع علين. أنه هو ربنا الخالق المنعم.



{فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون}.

إن في ذكر خلقنا وما خلق لنا وما تتابع من إنعام الله - تعالى -علينا إشارة للحكمة من ذلك كله، وهي: تحقيق العبودية وتوجيهها لله وحده {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply