المحبة وأثرها على الناس


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 


عند الحديث عن المحبة يتبادر إلى ذهن القارئ أو السامع عشق جنس لجنسه الآخر، وهيام الكلف بذات محبوبة غير أن ضروب المحبة شتى، ومهما كانت أنواع المحبة فهي قد لا تخرج عن واحد من اثنين أو خليط منهما أولها أن تكون المحبة خالصة حتى وأن كانت من أحد الطرفين المتحابين، والثانية محبة تجلب مصلحة، حتى وأن كانت لأحد الطرفين على حساب الآخر, والمحبة من الضرب الثاني من أنواع المحبة التي تدخل ضمن صنوف النفاق وأن لم تكن كلها كذلك.

وهي صفة تغلب على المجتمعات التي تبنى علائقها على العاطفة دون المصلحة، فيستغل أحد الطرفين عاطفة الآخرº ليظهر له المحبة التي لا تعدو كونها وسيلة وصول لا غاية في حد ذاتها، أما المجتمعات التي تؤثر إظهار تغليب المصلحة في العلائق، فتكون محبتها محبة مصلحة ظاهرة، يعرف كلا الطرفين حدود المحبة, وغايتها فيسهل عليهما تبادل المحبة في ظل سريان المصلحة لتزول بزوالها عند انتفاء الغرض منها مع علم المتحابين، ولا أراني قادراً على أن أبرح هذه السطور دون الإفادة بما كتبه ابن حزم في كتابه المشهور (طوق الحمامة) الذي قد تمت ترجمته إلى عدد من اللغات العالمية مثل الأسبانية، والإنجليزية، والفرنسية، والروسية، والإيطالية، وغيرها كما وأنه غفر الله له، قد أعطى الموضوع حقه بقدرة فائقة، كما أن من قاموا بدراسة أفكاره مثل الدكتور إحسان عباس، والشيخ أبي عبد الرحمن بن عقيل، قد زادوا بذلك إيضاحاً وإبانة.



وقد قال أن المحبة ضروب: فأفضلها محبة المتحابين في الله - عز وجل -، إما الاجتهاد في العمل، وإما الاتفاق في أصل النحلة والمذهب، وإما لفضل يمنحه الإنسان، ومحبة القرابة, ومحبة الألفة, والاشتراك في المطالب، ومحبة التصاحب, والمعرفة، ومحبة البر يضعه المرء عند أخيه، ومحبة الطمع في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر.

ومحبة العشق التي لا علة لها إلا باتصال النفوس (ثم قال غفر الله له) وكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها، زائدة بزيادتها، وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها، فاترة ببعدها، حاشا محبة العشق الصحيح الممكن من النفس فهي التي لا فناء لها إلا بالموت (ثم قال غفر الله له) ونفس المحب متخلصة عالمة بمكان ما كان يشركها في المجاورة، طالبة له، قاصدة إليه، باحثة عنه، مشتهية لملاقاته، جاذبة له لو أمكنها، كالمغنطيس, والحديد، فقوة جوهر المغنطيس المتصلة بقوة جوهر الحديد لم تبلغ من تحكمها، ولا من تصفيتها أن تقصد إلى الحديد على أنه من شكلها, وعنصرها, كما أن قوة الحديد لشدتها تصدت إلى شكلها وانجذبت نحوه، إذ الحركة أنما تكون دائما من الأقوى .

كما تحدث - رحمه الله - عن علامات الحب، ومن أحب في النوم، ومن أحب بالوصف، ومن أحب من نظرة واحدة، ومن لا يحب إلا مع المطاولة، كما تحدث عن المحبة بالإشارة بالعين، والمراسلة والسفير، وطي السر، والإذاعة، والطاعة، والمخالفة وغيرها كثير.

ومهما يكن من أمر فأن ضروب المحبة المختلفة تجعل المحبين أكثر اقتراباً لبعضهم من غيرهم، كما أن المحبة تولد المصلحة مهما كأن نوع المصلحة، ولأي طرف رجحت.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply