القول الصريح عن حقيقة الضريح ( 1 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 




الحمد للَّه حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأستغفره استغفار المذنب الذليل، راجي عفو مولاه الكريم، سائلا إياه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يقبلنا بحلمه العظيم.

وأُصلي وأسلم على سيدنا محمد بن عبد اللَّه، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، بعثه ربه ليخرج الناس من ظلمات الجهل والشرك، إلى أنوار العلم والتوحيد، فالفائز من سار على دربه واتبع سنته، وعاش محسنا ومات مُقرا للَّه - عز وجل - بالوحدانية ولمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة، وأصلي وأسلم على جميع الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة الأنصار والمهاجرين، وعلى آل البيت الأطهار المكرمين، وعباد اللَّه الصالحين وعنا معهم برحمة مولانا الكريم، أما بعدº

فقد عقدت النية على كتابة هذه المقالات، حين تكشفت لي حقائق لا يعلمها كثير من الناس، ومنها: الارتباط الوثيق بين الفرق المنحرفة عن الصراط المستقيم والأضرحة، فالأضرحة ومشاهد الأئمة عند الشيعة، والأقطاب والأولياء في الفكر الصوفي، يمثلان عمود الرحى تدور حوله كثير من المعتقدات، وردهم دائما ينحصر في اتهامنا بعدم محبة آل البيت، أو الهجوم على الأولياء، ولابد لكل منصف أن يفرق بين النتائج المستخلصة من دراسة الحقائق التاريخية، الموصلة إلى أدق الإجابات، وحسم القضايا التي تباينت فيها الاتجاهات، وبين الانتصار والمحبة لآل البيت رضوان اللَّه عليهم أجمعين، فنحن نشهد اللَّه على حبهم، ونعتقد سمو مكانتهم، ونؤمن أن فاطمة رضوان اللَّه عليها سيدة نساء العالمين ما خلا مريم بنت عمران، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين، والمبشر بالجنة، وصاحب الكرَّات والمجاهد في سبيل اللَّه حتى أتاه اليقين.

إن كتابة التاريخ تأثرت بالأهواء، وتدافعت فيها التيارات، حتى أنك تسمع للحدث الواحد روايتين على تناقض تامº فالمؤرخ قد يتشيع لفريق، فينتصر له، بينما الآخر على الطرف النقيض، فدراستنا عن حقيقة ضريح رأس الحسين والمشهد الزينبي في القاهرة، لا يحق لعاقل أن يستغلها في اتهامنا بأننا مع هذا الفريق أو ذلك التجمع، فاللَّه من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.

ولو حصرنا الهدف من هذا القول الصريح عن حقيقة الضريح في إماطة القناع عن وجه الحقيقة لهان الأمر، ولكن الهدف هو لماذا وُضع القناع؟ ومن صاحب المصلحة في وأد الحقيقة؟ ومن المنتفعون من وراء رواجها؟ ومن الذين سيهبون بقوة للهجوم على ما نصل إليه من نتائج؟ إن أصحاب المصالح تتعدد انتماءاتهم، وتتفاوت أهدافهم، ولن تجد في هجومهم فكرا علميا، ولكن سبا وشتما، واتهاما وتجرأ بالباطل، وهذا كله سرعان ما يتلاشى ككل زوبعة، وإذا جاء الحق، فليس للباطل مكان يرحل إليهº لأنه سيزهق من ساعته، نسأل المولى الكريم أن يجعلنا من أولياء الحق، ومن جند الانتصار للَّه ولرسوله، وليس بعد ذلك من شرف، وما وراءها إلا رضوان مِن اللَّه أكبر، والحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات.

ولسنا أول من اهتم بهذه القضية، فقد سبقنا إليها عدد من العلماء والباحثين، اجتهدوا لبيان الحق فيها، والسؤال عنها يدور منذ قرون بعيدة، فقد وجه أحد المسلمين في القرن السابع الهجري سؤالا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية جاء فيه: \"ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وهداة المسلمين - رضي الله عنهم - أجمعين، وأعانهم على تحقيق الحق المبين، وإخماد شَغَب المبطلين: في المشهد المنسوب إلى الحسين (بمدينة القاهرة: هل هو صحيح أم لا؟ وهل حُمل رأس الحسين إلى دمشق، ثم إلى مصر؟ أم حُمل إلى المدينة من جهة العراق؟ وهل لِما يذكره بعض الناس من جهة المشهد الذي كان بعسقلان من صحة أم لا؟ ومَن ذَكر أمر رأس الحسين، ونقله إلى المدينة النبوية دون الشام ومصر؟ ومَن جزم من العلماء المتقدمين والمتأخرين بأن مشهد عَسقلان ومشهد القاهرة مكذوب، وليس بصحيح وليبسطوا القول في ذلك، لأجل مسيس الضرورة والحاجة إليه، مثابين مأجورين إن شاء اللَّه تعالى\".

فالموضوع إذن يشغل بال كثيرين ومن قرون عديدة، وربما ورث جمهور المسلمين الكثير من المعتقدات على أنها مسلمات، كما أن همومهم في حياتهم اليومية أولى بالانشغال من موضوعنا هذا، ولكن الأمر يحتاج إلى إبراء الذمة، وتوضيح الحق لمن أراد، أو بحث عنه من أفراد الأمة، وقد يجد الإجابة الشافية عند ابن تيمية، فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى الفتاوى الكبرى التي جمعت بعضا من علم شيخ الإسلام.

والمشكلة في قومنا اليوم أنهم لا يقرءون، وبالتالي يستمر الخطأ ويبقى، وربما يستفحل مع الأيام، ويفقد الناس علم العلماء، حتى من يريد أن يكتب في موضوع معين لا يكلف نفسه البحث في أقوال من سبقه، فلا بد لأي كتاب من إضافة جديدة، وإلا انتفى الغرض العلمي من تأليفه، وأصدق دليل على قولي هذا كتاب \"مراقد آل البيت\" الذي ألفه الشيخ- محمد زكي إبراهيم شيخ طريقة العشيرة المحمدية، وهي طريقة صوفية معروفة وشيخها - رحمه الله - كان معروفا في مصر، وله دوره في الدفاع عن الصوفية في كل مناسبة، ويشيد بتمسك طريقته بالكتاب والسنة، ورغم جهوده وغيره في إصلاح التصوف، ومحاربته لبعض البدع ومظاهر الشرك، إلا أن الرجل لم يرجع إلى ما كتبه ابن تيمية، ولم يقم بنقض أسانيده وحقائقه، وبالتالي من يقرأ كتابه يظنه جهدا علميا وتاريخيا طيبا، والحقيقة خلاف ذلك، فالكتاب يُعد أحد المفاسد التي تحتاج لجهود لإصلاحه، وتحتاج إلى نقد علمي، ومناقشة أدلته في مقابل أدلة شيخ الإسلام، مع بحث إضافي لتغطية نقاط غفل عنها ابن تيمية، والشيخ- محمد زكي إبراهيم أيضا، وقد انتصر الرجل في كتابه مراقد آل البيت لوجود عدد لا بأس به من هذه المراقد في مصر، رغم أن ذلك يخالف الحقائق التاريخية، فتراه يدافع عن وجود قبر السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب رضوان اللَّه عليهما في القاهرة، وأن رأس الحسين (قد نقلت من عسقلان إلى القاهرة، ويسوق الشيخ أدلته، وبراهينه التي اعتمد عليها، فقلت في نفسي: لو أن الشيخ قرأ فتوى ابن تيمية لأراح واستراح، ولكن الصوفية يتبعون سياسة المقاطعة الفكرية لآراء كل من خالفهم.

لذلك زادت الرغبة في قلبي للكتابة في هذا الموضوع ليس لمناقشة شيخ العشيرة المحمدية فيما جاء في كتابه \"مراقد آل البيت\"، أو للرد على أدلته وبراهينه فقط، ولا ليكون تعميقا لفتوى ابن تيمية، أو نسخة حديثة منقحة من فتوى شيخ الإسلام، تُصوب في نفس الوقت ما ذهب إليه شيخ العشيرة، وإنما أردت أن أوفي الموضوع حقه، وكان لا بد عند الكتابة في هذا الموضوع من استيفاء هذه النقاط التالية: التحقيق العلمي والتاريخي لقبري السيدة زينب وسيدنا الحسين - رضي الله عنهما -، ثم تناول موقف السنة من القبور والأضرحة، وهل لنا أن نجمع بين ضريح ومسجد في مكان واحد مع بيان لأحكام المذاهب الأربعة حول الموضوع، ثم نناقش آراء المخالفين ودعاواهم بأنهم يحبون آل البيت، ويودونهم اتباعا للمودة في القربى، ونشرح اللبس الحاصل في حجج هؤلاء، ثم تناول ما يترتب على اعتقاد الناس وجود القبرين بمصر، ثم نناقش الظروف السياسية لمقتل الحسين، التي تهيئ لخروجه من الحجاز إلى العراق حتى الشهادة ونوضح موقف الناس من خلافة أمير البلاد، وهل يجوز لأحد أن يطلب البيعة لنفسه بعد انعقادها للخليفة الأول؟ وقبل أن يطلب أحد البيعة لنفسه: هل لأحد أن يطلب الإمارة أصلا؟ وما حكم طلب الإمارة؟ إننا ما زلنا نصلى حتى اليوم نار هذه القضايا، ثم نتناول نصح الصحابة والتابعين للحسين، ثم نفسر موقفه في محاولة منا لبيان الدافع الحقيقي لخروجه، وتستمر الأحداث حتى يقتل الحسين، وتبدأ قضية رأس الحسين وموضعها اليوم.

ولمزيد من البيان كان لا بد من أن نقدم جميع وجهات النظر ثم نناقشها، ولا بد من تعميق التفكير في الحالة السياسية التي دعت الفاطميين إلى نقل رأس الحسين إلى مصر، وأيضا نناقش أدلة الأطراف المتأرجحين بين الإثبات والنفي، ثم نوضح رأي ابن تيمية باعتباره أكثر العلماء تفهما لأبعاد هذه القضية وأعمق من تكلم فيها، ونشرح أوجه اعتراضه على وجود الرأس في مصر، ثم نحسم القضية بالرأي الصحيح، والقاطع في شأنها بتوفيق اللَّه - تعالى -.

ثم نستكمل الموضوع بالحديث عن السيدة زينب رضوان اللَّه عليها، ونناقش ظروف دخول السيدة زينب إلى مصر كما يزعم المؤيدون، وهل دخلت مصر فعلا أم تلك فرية أخرى من افتراءات الباطنية وأين دفنت؟ وأقوال شهود العيان، ونسترشد بحقائق التاريخ، حتى نتمكن من مناقشة روايات دخولها لمصر، كما نوضح بعض المشاهد الكاذبة، والمختلقة سواء في مصر، أو غيرها من البلدان، والتي يحتاج حصرها، وتتبعها إلى دراسة مستقلة تستوفي جوانب الموضوع، وكان لزاما علينا قبل أن نختم الحديث عن هذا الموضوع أن نشرح أشهر لقب خلعه المصريون البسطاء على السيدة زينب رضوان اللَّه عليها ألا وهو رئيسة الديوان، فنعرج على الديوان، ونتعرف على هذا العالم السري الباطني العجيب.

ومسك الختام بيان حكم التصريف في ضوء الكتاب والسنة، وحكم العلماء فيمن آمن بتصريف الأولياء، وقد تكون هذه النقطة من أهم ما يجب الإلمام به حيث نوضح أنواع الشرك التي يجب على المسلمين أن يتجنبوها لصيانة دينهم، والحفاظ على عقيدتهم،

وهذا ما سيتم نشره بتوفيق الله - تعالى - في المقالات التالية تباعا

وأدعوه - سبحانه - أن يجعله علما نافعا للمسلمين على مر السنين والأعوام، وحسما صحيحا لمن شغلته الحقيقة فراح يبحث عنها، كما أدعوه جل شأنه أن يجعله في ميزان حسناتنا يوم القيامة واللَّه - تعالى -ولي التوفيق. ونسأله الهداية إلى سواء السبيل، وصلِّ اللَّهم على محمد عبدك ورسولك وعلى آله وصحبه وسلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply