وسارت مع الركب


بسم الله الرحمن الرحيم

 





مجتمع فارغ، وأنفس مريضة، وضحكات مرتفعة، تجمعهن المعصية، وتفرقهن الذنوب، مجالس طويلة لا يذكر فيها اسم الله.. ليس لجهل في جليساتها، بل كلهن متعلمات، ولهن حظ من الشهادات العليا، لكن الغفلة أناخت ركابها، والتسويف أدلى بستاره..وتتعجب من شدة حرصهن على تسريحة شعر، وتهافتهن على اختيار تصميم لقطعة قماش.



وإن كان لديك متسع من الوقت، وكنز من الصبر لا ينفد، فاصغ بسمعك، هاهنّ يتحاورن، ويتجادلن طويلاً في لون حذاء أقمن الدنيا عليه، وقد يتفقن وكثيراً ما يختلفن، والهم كله في هذه الساعات الطوال لا يتجاوز حذاء، أو فستاناً، أو ما يقارب ذلك.



هذا هو مستوى التفكير لديهن، وهذه أقصى اهتماماتهن، بل التي تعد نفسها للدراسات العليا تساقطت دموعها عندما تأخر فستانها لدى مشغل الخياطة، وبكت بحرقة عجيبة.



في ذلك المجلس الذي خبت فيه جذوة الإيمان، ومع الضحكات المتوالية، والتعليقات المتتالية، كانت هي في وسط جمع من الفتيات، تسمع ما يقلن، تستلطف ما يتندرن. وعندما تعالت الأصوات، واختلطت الهمسات، سمعت إحداهن تسترجع الواقعة، قالت لي قارئة الحظ: حظك من السماء.. ستتزوجين رجلاً غنياً تطوفين العالم معه، وترين عجائب الدنيا، وسوف تكونين محظية عند زوجك، فهو صاحب كرم وسخاء!



وقالت الأخرى بمباهاة عجيبة، واستعلاء واضح: من ذهبت إليه ذو معرفة دقيقة، وإطلاع واسع، وقد فاجأني بمعرفة أسرار حياتي وأهمها تاريخ ميلادي! ومن حسن التوفيق لم يكن أحد يسمع هذا التاريخ من صويحباتي.



تنهدت وهي تروي تفاصيل تلك اللحظات الحاسمة، والدقائق الفاصلة، ثم قالت: لقد كنت مضطربة المشاعر، متلاحقة الأنفاس، خوفاً من المستقبل وماذا يخبئ؟! إلا أنه قرأ كفي على مهل وهو يقلب رأسه، ويحرك يديه، وأجهد نفسه حين ملأت جبينه!



وكانت البشرى أن قال لي: ستتزوجين من يحبك، وستكونين سعيدة، وأسراراً أخرى مفاجئة لكن!



تململت وهي تقلب طرفها في الحاضرات، ثم قالت: أخشى من الحسد، والحساد خصوصاً من غير المتزوجات.. وأتبعت الكلمة الأخيرة ضحكات متتابعة.



فتح الباب على مصراعيه، واستبدلت الهمسات بأصوات مرتفعة، فكلهن أصبحن شريكات في السؤال.



وعند أبواب العرافين، والكهنة، والمنجمين، وأصحاب الكف، وضرب الودع، كل أدلى بدلوه، حتى تكدرت الدلاء، وأجلب الشيطان عليهم بخيله ورجله، وتحول الحديث إلى ضحك، وتعليق وسخرية من تلك الأقوال والتوقعات.. ولكن في قرارة النفس شيئاً آخر، وعند النوم وحين تنزل نزلة، أو تعم سعادة، تدور الأمور في الرؤوس كأنها حقائق ووقائع، فتنقبض قلوب، وتفرح نفوس، هذا هو التصديق بعينه!



أما حديثة العهد بهذا المجلس فقد أغرقها الطوفان، وسارت مع الركب، وقررت أن ترى حظها مثلهن، وتسمع طالعها وتتحرى مستقبلها، تريد أن تسمع كلمة عن زوج المستقبل، وبيت الزوجية، ومن يحبها، ومن يكرهها، وأشياء أخرى كثيرة.



وكان ذلك.. فسألت وقلبها يتلهف لمعرفة الجواب، ونفسها تتطلع لاستشراف المستقبل:



ما هو حظي في هذه الدنيا؟ ومتى سأتزوج؟ وما هي مواصفات الزوج؟



سارت خطوات عجلى إلى حيث يطفأ نور الإيمان، وبدأ قلبها يخفق، ويتناثر على جنباته الإيمان.. وغرقت مثل كثيرات في الوحل، ولم تأخذ من حظ الآخرة.



وفي الزاوية البعيدة وقف الشيطان مبتسماً لما يرى، وهز رأسه فرحاً بهذا السقوط وهو يحدث أعوانه: لقد ثلم التوحيد، وسقطت رايته، ووراء كل سقطة سقوط أعظم إلا أن يلج صاحبها باب التوبة، وسأكون له بالمرصاد.



ثلاث سنابل:

·قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -\" رواه أبو داود.



·عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" ثلاثة لا يدخلون الجنة، مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر\" رواه أحمد، وابن حبان.



·قال بلال بن سعد: رب مسرور مغبون يأكل، ويشرب، ويضحك. وقد حق له في كتاب الله - عز وجل - أنه من وقود النار.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply