إثبات الحد لله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
هذه مسألة اختلفت فيها أقوال السلف بناء على اختلافهم في المراد بالحد.
وهذه حال الألفاظ المجملة مما لم يرد في الكتاب والسنة كالحد والجهة والتحيز لا تنفى مطلقا ولا تثبت مطلقا ولكن يسأل صاحبها عن مراده ويستفصل منه فإن كان حقا قبل منه وإلا رد عليه الباطل الذي تضمنه قوله ، وإليكم مختصرا لهذا الخلاف:
أولا : المثبتون للحد
1- الإمام الدارمي
وقد استشهد بكلام الإمام ابن المبارك ويأتيك بلفظه
واحتج كذلك بأن الجهمية يقولون بنفي الحد عن الله ويريدون أن الله لا شيء
قال الدارمي في رده على بشر المريسي: \"فالشيء أبدا موصوف لا محالة ، ولا شيء يوصف بلا حد ولا غاية ، وقولك لا حد له تعني انه لا شيء\"
2-الإمام عبد الله بن المبارك
وقد نقل كلامه الدارمي والخلال وحرب والقاضي أبو يعلى
قيل لابن المبارك: كيف نعرف الله عز وجل؟ قال:على العرش بحد
وقيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه بحد
3- الإمام احمد بن حنبل
وذلك في رواية المروذي والأثرم وأبي داود كما نقل ذلك القاضي أبو يعلى
في رواية الاثرم: ذكر له قول ابن المبارك: نعرف الله على العرش بحد فقال احمد: بلغني ذلك ، وأعجبه
وفي رواية الاثرم: قلت لاحمد يحكى عن ابن المبارك :نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه بحد فقال احمد: هكذا هو عندنا
وفي رواية أبي بكر بن داود قال سمعت أبي يقول :جاء رجل إلى احمد فقال: لله تبارك وتعالى حد؟
قال: نعم لا يعلمه إلا هو
وروى الخلال بعد ذكر كلام ابن المبارك: فقال احمد هكذا على العرش استوى بحد
فقلنا له:ما معنى قول ابن المبارك بحد؟
قال: لا اعرفه ، ولكن لهذا شواهد من القرآن في خمسة مواضع (إليه يصعد الكلم الطيب) (أأمنتم من في السماء) (تعرج الملائكة والروح إليه)
وهو على العرش وعلمه مع كل مكان. انتهى.
4- الإمام إسحاق بن راهويه
كما نقله عنه شيخ الإسلام الهروي في كتابه ذم الكلام
سئل ما تقول في قوله تعالى (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) الآية؟
فقال: حيث ما كنت هو اقرب إليك من حبل الوريد وهو بائن عن خلقه
فقال السائل:على العرش بحد؟
قال : نعم بحد.
5- يحيى بن عمار السجستاني
\" قال الهروي وسألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم ابن حبان البستي قلت رأيته؟ قال :كيف لم أره ونحن أخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه من سجستان\"

ثانيا: من أنكر إثبات الحد لله
1- الإمام احمد في رواية حنبل وفي رواية إسحاق
قال: نحن نؤمن بأن الله تعالى على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف
أو يحده أحد
2- الإمام الخطابي في الرسالة الناصحة
3- الإمام أبو نصر السجزي صاحب الابانه
في رسالته إلى أهل زبيد قال:
\" فاعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه وتعالي فوق العرش بذاته من غير مماسة وان الكرامية ومن تابعهم على القول بالمماسة ضلال
وقال: وليس من قولنا أن الله فوق العرش تحديد له وإنما التحديد يقع للمحدثات
فمن العرش إلى ما تحت الثرى محدود والله سبحانه وتعالى فوق ذلك بحيث لا مكان ولا حد لاتفاقنا أن الله تعالى كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان
وقال: وعندنا انه مباين للأمكنة ومن حلها وفوق كل محدث فلا تحديد لذاته في قولنا \".



تحقيق مذهب أحمد:
قد سبقت الروايات عنه رحمه الله فأيها المعتمد؟
قال شيخ الإسلام: وأصحاب الإمام احمد منهم من ظن أن هذين الكلامين يتناقضان فحكى عنه في إثبات الحد لله تعالى روايتين وهذه طريقة الروايتين والوجهين
ومنهم من نفى الحد عن ذاته تعالى ونفى علم العباد به كما ظنه بموجب ما نقله حنبل وتأول ما نقله المروذي والاثرم وابو داوود ، ومنهم من قرر الأمر كما يدل عليه الكلامان.

وذكر ابن تيمية أن القاضي أبا يعلى له قولان.



الجمع بين الروايات
من أوجه الجمع ما قاله القاضي أبو يعلى:
بعد ذكر رواية حنبل: فقد نفى الحد عنه على الصفة المذكورة وهو الحد الذي يعلمه خلقه
والموضع الذي أطلقه محمول على معنيين:
أحدهما:
على معنى انه تعالى في جهة مخصوصة وليس هو ذاهبا في الجهات الستة بل هو خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل الجهات وهذا معنى قول أحمد: حد لا يعلمه إلا هو
والثاني:
أنه على صفة يبين بها من غيره ويتميز
ولهذا يسمى البواب حدادا ºلانه يمنع غيره من الدخول ، فهو تعالى فرد واحد ممتنع عن الاشتراك له في أخص صفاته
وشيخ الإسلام مع هذا الرأي الذي يجمع بين كلامي الإمام أحمد فانظر كلامه مفصلا في كتابه بيان تلبيس الجهمية ا/426-446



والله أعلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply