لا تعارض بين نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل وبين علو الله عز وجل


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 




الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :


فيجب علينا أولا معرفة عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته . فعقيدة أهل السنة والجماعة هي إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، ويعتقدون ما أمرهم الله باعتقاده فقال تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) .

وقد أخبرنا الله سبحانه عن نفسه فقال تعالى : ( إِنَّ رَبَّكُم اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ, ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرشِ ) الأعراف/54 وقال تعالى : ( الرَّحمَانُ عَلَى العَرشِ استَوَى ) طه/5 وغيرها من الآيات التي فيها ذكر استواء الله تعالى على عرشه .

واستواء الله تعالى على عرشه ، علوه عليه بذاته ، علوا خاصا يليق بجلاله وعظمته لا يعلم كيفيتها إلا هو .

وقد ثبت كذلك في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل فعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنزِلُ رَبٌّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيلَةٍ, إِلَى السَّمَاءِ الدٌّنيَا حِينَ يَبقَى ثُلُثُ اللَّيلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَن يَدعُونِي فَأَستَجِيبَ لَهُ مَن يَسأَلُنِي فَأُعطِيَهُ مَن يَستَغفِرُنِي فَأَغفِرَ لَهُ رواه البخاري( كتاب التوحيد/6940) ومسلم ( صلاة المسافرين/1262) .

والنزول عند أهل السنة معناه : أنه ينزل سبحانه بنفسه إلى السماء الدنيا نزولاً حقيقيا يليق بجلاله ولا يعلم كيفيته إلا هو .

ولكن هل يستلزم نزول الله عز وجل خلو العرش منه أو لا ؟ قال الشيخ ابن عثيمن في مثل هذا السؤال : نقول أصل هذا السؤال تنطٌّعٌ وإيراده غير مشكور عليه مورده ، لأننا نسأل هل أنت أحرص من الصحابة على فهم صفات الله ؟ إن قال : نعم . فقد كذب . وإن قال : لا . قلنا فليَسَعكَ ما وسعهم ، فهم ما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : يارسول الله إذا نزل هل يخلو منه العرش ؟ وما لك ولهذا السؤال ، قل ينزل واسكت يخلو منه العرش أو ما يخلو ، هذا ليس إليك ، أنت مأمور بأن تصدِّق الخبر ، لا سيما ما يتعلق بذات الله وصفاته لأنه أمر فوق العقول .

مجموع فتاوى الشيخ محمد العثيمين 1/204- 205

قال شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة : والصواب أنه ينزل ولا يخلو منه العرش ، وروح العبد في بدنه لا تزال ليلاً ونهاراً إلى أن يموت ووقت النوم تعرج .. قال : والليل يختلف فيكون ثلث الليل بالمشرق قبل ثلثه بالمغرب ونزوله الذي أخبر به رسوله إلى سماء هؤلاء في ثلث ليلهم وإلى سماء هؤلاء في ثلث ليلهم لا يشغله شأن .. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 5/132

والاستواء والنزول من الصفات الفعلية التي تتعلق بمشيئة الله . فأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك ، ولكنهم في هذا الإيمان يتحاشون التمثيل والتكييف ، أي أنهم لا يمكن أن يقع في نفوسهم أن نزول الله كنزول المخلوقين واستواءه على العرش كاستوائهم ، لأنهم يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، ويعلمون بمقتضى العقل ما بين الخالق والمخلوق من التباين العظيم في الذات والصفات والأفعال ولا يمكن أن يقع في نفوسهم كيف ينزل ؟ وكيف استوى على العرش ؟ والمقصود أنهم لا يكيِّفون صفاته مع إيمانهم بأن لها كيفية لكنها غير معلومة لنا وحينئذ لا يمكن أبداً أن يتصور الكيفية .

ونحن نعلم علم اليقين أن ما جاء في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهو حق لا يناقض بعضه بعضاً لقول الله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) ولأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضاً وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله .

ومن توَهَّم التَّناقض في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما إما لقلَّة علمه أو قصور فهمه أو تقصيره في التدبر ، فليبحث عن العلم وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق . فإن لم يتبين له الحق فليَكِل الأمر إلى عالمه وليكُفَّ عن توهٌّمِه وليقل كما قال الراسخون في العلم : ( آمنا به كل من عند ربنا ) وليعلم أن الكتاب والسنة لا تناقض فيهما ولا بينهما اختلاف . والله أعلم

انظر فتاوى ابن عثيمين 3/237- 238

وتوهّم تعارض النزول إلى السماء الدنيا مع الاستواء على العرش والعلو فوق السماء ناشئ عن قياس الخالق على المخلوق ، وإذا كان الإنسان لا يتصوَّر بعقله غيبيات مخلوقه كنعيم الجنة فكيف يستطيع أن يتصور الخالق عز وجل علام الغيوب ، فنؤمن بما ورد من الاستواء والنزول والعلو لله ونثبته كما يليق بجلاله وعظمته .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply