فتنة المنافقين وأثرها على المجتمع


بسم الله الرحمن الرحيم

 





كانت فتنة المنافقين من أشدّ الفتن التي تعرَّض لها المسلمون في تاريخهم الطويلº ذلك لأنَّهم يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر والزندقة، فينخدع النّاس بظواهرهم ولا يأخذون حذرَهم منهم، وهو ما يهيئ للمنافقين الجوّ المناسب في المكر بالمسلمين والكيد لهم وهم لا يشعرون، وهذا بعكس الكافر الواضح حيث يؤخذ الحذر منه ويجاهد ولا يمكِّن له بين المسلمين.

لهذا كان خطر المنافقين في الصف المسلم أخطر بكثير من الكفّار المجاهرين للمسلمين بالعداء، ولقد ظهر كيد المنافقين في عهد مبكِّر مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، حيث عانى منهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون الأمرَّين، وذلك ممَّا يثيرونه من البلابل والكيد والتخذيل...إلخ.

وما موقف رأس المنافقين وتخذيله يوم أحد، وكذلك إتيانه بالإفك على أمّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بخافٍ, على أحد، ومن أجل ذلك كان عذاب المنافقين أشدٌّ من الكفَّار، قال - تعالى -:(( إنَّ المنافقينَ في الدَّرَكِ الأسفلِ مِن النَّار وَلَن تَجِدَ لهُم نَصيراً ))[النساء: 145].

ولقد جاءت آيات عديدة في فضحهم والتحذير من شرِّهم، ومن أراد الوقوف على هذه الآيات فليقرأ صدر سورة البقرة وسورة التوبة وسورة المنافقين وغيرها.

ومن أوضح الآيات التي حذَّرت من شرِّهم قوله - تعالى -:(( يا أيٌّها الذين آمنوا لا تتَّخِذوا بطانةً مِن دُونِكُم لا يألونَكُم خبَالاً ودٌّوا ما عَنتِّم قَد بدتِ البغضَاءُ من أفواههم وما تُخفى صُدُورُهُم أكبرُ قد بيَّنَّا لكُمُ الآياتِ إن كنتُم تعقلون))[آل عمران: 118].

وكذلك ما وَصَفهم به في قوله - تعالى -: (( يُخادِعونَ اللهَ والّذينَ آمنوا وَمَا يَخدَعونَ إلاّ أنفُسَهُم وَمَا يَشعُرون))[البقرة: 9].

وإنَّ أثر المنافقين لم يتوقَّف على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل كان ممتداً طيلة التاريخ الإسلامي مروراً بدورهم في قتل الفاروق - رضي الله عنه -، وما تلا ذلك من الفتن الطاحنة بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه -، حيث كان الباطنيون المنافقون هم من وراء ذلك كلّه، كما أنَّهم كانوا هم الذين حرَّضوا التتار المغول على اجتياح عاصمة الخلافة الإسلامية في ذلك الوقت، وكانوا بطانة سوء للخليفة العباسي، فمهَّدوا لهذه المأساة العظيمة التي لم يمرَّ على المسلمين مثلها في الذل وكثرة القتلى، حتى قال المؤرِّخ ابن الأثير وهو يرويها:\" يا ليت أمِّي لم تلدني\"، هذا وهو لم يشهد هذه الفواجع العظيمة بل هاله مجرَّد سماعها.

واستمر أثرُ المنافقين حتى ظهر في عصرنا الحاضر بأشكال وأنماط خبيثة ماكرة لم يسبق لها نظير حتى خيف على خاصّة المسلمين ودعاتهم وعلمائهم من الانخداع بها، فضلاً عن عامّتهم وجهلتهم، وفيما يلي ذكر بعض هذه المكائد لعلّنا نحذرها ونقطع الطريق على أهلها:

ما يقومُ به الباطنيون الرافضة من نفاق وخداع لبعض من يجهل عقيدتهم وتاريخهم من أبناء المسلمين، وذلك بما يُظهرونه من حبٍّ, خدّاع لأهل السنّة، أو أنّهم تخلوا عن عقائدهم الباطلة من سبّ الصحابة، وقولهم بتحريف القرآن، وادعاء العصمة لأئمتهم... إلخ.

وهذا كلّه تقية ونفاق ليحقِّقوا من خلاله امتصاص العداء الذي يكنّه الموحِّدون لهم، ويكسبوا عواطف المسلمين بهذا الخداع، وهذا واضح فيما تتبنَّاه دولة الرافضة اليوم من تقارب مع أهل السنّة جماعات وأفراداً، وممَّا يزيد الأمر فتنة وخطراً انخداع بعض أهل السنَّة بما يُظهرونه من تأييد لبعض القضايا الإسلامية السٌّنية، كالقضية الجهادية في فلسطين، ووقوف الحزب الشيعي المسمَّى (حزب الله) أمام اليهود في الجنوب اللبناني وصموده أمامهم، في وقت تخاذل فيه أكثر المسلمين أمام اليهود، واستسلموا للسلام المهين، وهذا فتنة بلا شك.

ولكن كلّ هذه الأمور لا يصح أن تنطلي على المسلم الواعي بعقيدته وعقيدة الرافضة، وذلك أنَّهم لم يغيِّروا من عقيدتهم شيئاً، وإنَّما هذا هو شأنهم في كلّ وقت يشعرون فيه بمنابذة النّاس لهم، وهم ينتظرون اليوم الذي يتمكّنون فيه فيعلنون فيه عقائدهم الباطنية، ولا يرقبون بعد ذلك في مؤمن لا يوافقهم إلاًّ ولا ذمَّة، فخذوا حذركم أيٌّها المسلمون!

وإن أخطر ما في هذا النفاق أن يوجد من بعض الحركات الجهادية والجماعات الإسلامية من ينخدع بهم، ويدخل في تحالفات معهم، أو يقبل المعونات منهم، وفي هذا خطر على مستقبل الدعوة والجهاد، واحتواء المنافقين لهم، وحرفهم لمسيرتها.

ومن صور الخداع والتلبيس التي قد ينخدع بها بعض السٌّذج من النَّاس ويسقطون في فتنتها:

** ما يرفعه المنافقون في أكثر بلدان المسلمين في وجه أهل الخير والإصلاح من أنّهم دعاة شرٍّ, وإرهاب وفساد، وما تجلبه وسائل الإعلام المختلفة وتدندن به على وصفهم ورميهم بهذه الأوصاف الظالمة، حتى تأثرت بذلك بعض الأدمغة المخدوعة فسقطت في فتنتهم، ورددت معهم هذا الظلم والخداع، ومن ثم تعرَّض أهل الخير للأذى والنكال باسم المصلحة الشرعية ومكافحة الإرهاب والفسادº وذلك بعد أن تهيأت أذهان المخدوعين من المسلمين لهذا الخداع والتلبيس.

** اهتمام الحكومات العلمانية ببعض المناسبات الإسلامية كالاحتفال بمولد الرسول، وهجرته - صلى الله عليه وسلم -، أو ليلة النصف من شعبان، أو الإسراء والمعراج... إلى آخر هذه المناسبات التي لا أصل للاحتفال بها شرعاً، وإنّما هي من البدع المحرّمةº ومع ذلك ينخدع بهذا التلبيس كثير من دهماء المسلمين، وتتحسّن صورة أولئك المنافقين الذين يضلِّلون الناس بهذا الخداع، ويبدون في أعين المخدوعين أنَّهم يحبون الإسلام ويغارون عليه، وهم أبعد ما يكونون عن الإسلام وأهله، وهل يحبّ الإسلام ويعتزّ بالانتماء إليه من يرفض الحكم به والتحاكم إليه، ويبدل شرع الله المطهّر بنحاتات الأفكار، وزبالات الأذهان الجاهلة الظالمة؟ لا، والله! إنَّ مثل هذا يكذب في إدعائه حبَّ دين الإسلامº قال - تعالى -: ((قُل إن كُنتُم تُحبٌّون اللهَ فاتَّبِعوني يُحبِبكم اللهَ ويغفرَ لكُم ذُنُوبَكُم والله غفور رحيم))(آل عمران: 31)، فهل يعي هذا المخدوعون المضلِّلون؟

** وممَّا يدخل في هذه الصورة أيضاً من صور التلبيس ما يقوم به بعض المنافقين المحادِّين لشرع الله - عز وجل - من إقامة بعض المؤتمرات أو الندوات الإسلامية، ويدعون إليها بعض العلماء والدعاة فيستجيب من يستجيب، ويرفض من يرفض، وكلّ هذا من ذرِّ الرماد في العيون، وتخدير دعاة المسلمين بمثل هذه الصروح الخبيثة التي هي أشبه ما تكون بمسجد الضرار الذي بناه المنافقون في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وادّعوا أنَّه للصلاة وإيواء المسافرين في الليلة الشاتية المطيرة، فأكذبهم الله - عز وجل - وفضح نيّاتهم بقرآن يتلى إلى قيام الساعة، نهى فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن دخوله والقيام فيه، بل أُمر بتحريقه، قال - تعالى -: ((والذين اتَّخذوا مسجِداً ضراراً وكُفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمِن حَارَبَ اللهَ ورسُولُه من قبلُ وليحلفُنَّ إن أرِدنَا إلاَّ الحُسنَى واللهُ يَشهَدُ إنَّهُم لكاذِبُون* لا تَقُم فيه أبداً لمسجِدٌ أُسّس عَلَى التقوى من أوَّل يومٍ, أحقٌّ أَن تَقُومَ فيهِ رِجالٌ يُحبٌّونَ أن يَتَطَهُروا واللهُ يحبٌّ المطَّهِّرين))[التوبة: 107، 108].

فهل آن الأوان أن نعي مثل هذه الفتنة والخداع فلا نستجيب لمثل هذه الدعوات، ولا نقوم في مثل هذه المؤتمرات أبداً؟ بل قد آن الأوان إلى أن تفضح مثل هذه اللافتات، ويحذر الناس من شرِّها والوقوع في فتنتهاº ويبيِّن لهم أنَّها ضربٌ من الخداع، وصورة من صور النفاق الماكر الخبيث.

** إظهارهم لفسادهم بمظهر الإصلاح وإرادة الخير بالأمّة، كما قال الله - عز وجل - عنهم: ((وإِذَا قيلَ لهُم لا تُفسدوا في الأرضِ قالُوا إنَّما نحنُ مُصلحُون))[البقرة: 11].

يقول سيِّد قطب - رحمه الله تعالى - عن هذه الآية:

إنَّهم لا يقفون عند حدِّ الكذب والخداع، بل يضيفون إليهما السفه والادعاء:

((وإِذَا قيلَ لهُم لا تُفسدوا في الأرضِ)) لم يكتفوا بأن ينفوا عن أنفسهم الإفساد، بل تجاوزوه إلى التبجٌّح والتبرير: ((قالُوا إنَّما نحنُ مُصلحُون))، والذين يفسدون أشنع الفساد، ويقولون: إنّهم مصلحون، كثيرون جداً في كلّ زمان، يقولونها لأنَّ الموازين مختلة في أيديهمº ومتى اختلّ ميزان الإخلاص والتجرٌّد في النفس اختلّت سائر الموازين والقيم، والذين لا يُخلصون سريرتهم لله يتعذَّر أن يشعروا بفساد أعمالهمº لأن ميزان الخير والشرِّ والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتية، ولا يثوب إلى قاعدة ربّانية\".

وممَّا يدخل في هذه الصورة من صور الخداع والتلبيس ما يستخدمه منافقوا زماننا من تحريف لنصوص الشريعة، وتأويلات باطلة لها في تسويغ فسادهم ومواقفهم الجائرةº فهم مع جهلهم بأحوال الشريعة نراهم يخوضون فيها بلا علم، إلاّ ما أشربوا من أهوائهمº فنراهم يسوِّغون الترخٌّص بل التحلٌّل من الشريعة بقواعد التيسير، ورفع الحرج، وتغير الفتوى بتغيٌّر الحال والزمان.. إلى آخر هذه القواعد التي هي حقُّ في ذاتها، لكنَّهم خاضوا فيها بجهل وهوى فاستخدموها في غير محلِّها، فهي حقُّ أُريد بها باطل. ومع جهلهم بالشريعة وظهور القرائن التي تدلٌّ على خبث طويتهم، إلا أنَّ هناك من ينخدع بهذه الشبه والتحريفات الباطلةº ومن عجيب أمر القوم أنَّهم يرفضون الحكم بما أنزل الله - عز وجل - والتحاكم إليه، ولا يذعنون له، ومع ذلك نراهم في أحيان قليلة يرجعون إلى بعض الأدلّة الشرعية ليمرِّروا ويبرِّروا من خلال بعضها فسادهم أو مواقفهم الباطلةº فما حاجتهم إلى الشرع في هذه المرّة وهم كانوا يكفرون به من قبل؟ إنَّه الهوى والخداع والتلبيس على الناس، قال - تعالى - في فضح هذا الصنف من النَّاس: ((وإذا دُعُوا إلى اللهِ ورسولِه ليحكُم بينهُم إذا فريقٌ منهُم مُعرضُون*وإن يكنُ لهُمُ الحقٌّ يأتوا إليه مُذعنين*أفي قلوبِهِم مرضٌ أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسُولُه بل أولئك هم الظالمون))[النور: 48 - 50].

فينبغي لكلّ مسلم أن يحذر من شبه المنافقين وخداعهم، وأن يقول لهؤلاء الذين يسوِّغون فسادهم بتحريف الأدلّة الشرعية: ادخلوا في السلم كافّة، وحكِّموا في الناس شرع الله - عز وجل -، وارفضوا ما سواهº أمّا أن تنحٌّوا شرع الله - عز وجل - عن الحكم حتّى إذا كان لكم هوى في تمرير فسادكم بشبهة دليل رجعتم إليهº فهذا الذي قاله الله - عز وجل - عن أهله: ((أفتُؤمنون ببعضِ الكتابِ وتكفُرُون ببعضٍ, فما جزاءُ من يفعلُ ذلك منكم إلاّ خزيٌ في الحياة الدٌّنيا ويومَ القيامةِ يُردٌّون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عمَّا تعملون))[البقرة: 85].



فتنة داخل الصفّ الإسلامي:

وهذا شأنُ المنافقين في كلّ زمانº فعندما تخفق جهودهم في الوقوف في وجه أهل الخير والصلاح، وعندما ينشط الدعاة ويظهر أثرهم في الأمّة فإنَّ المنافقين يلجأون إلى وسيلة ماكرة وفتنة شديدة ألا وهي التظاهر بالحماس للدعوة، والدخول في أوساط الدعاة مظهرين التنسٌّك والغيرة على الدين، والحرص على العلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى ينخدع بكلامهم المعسول بعض الطيِّبين من الدعاة، فتحصل الثقة بهم، حتى إذا تمكّنوا من مراكز التوجيه والدعوة بدؤوا فتنتهم الكبرى على الدعوة وأهلهاº مع استمرارهم في إظهار الخير والحماس لهذا الدين، وتسويغ ما يقومون به من الممارسات بالحرص على مصلحة الدعوة وتميٌّزها وصلابتها.



ومن أخطر صور الفتن التي تنشأ من هذا الصنيع ما يلي:

فتنة التفريق وإثارة العداوات بين دعاة الإسلام:

وهذه من أعظم فتن المنافقين داخل الصف الإسلامي وفي أوساط الدعوة إلى الله - عز وجل -، وقد فضح الله - عز وجل - المنافقين الذين بنوا مسجد الضرار، وأظهر أهدافهم الخبيثة بقوله سبحانه: ((وتفريقاً بين المُؤمنين وإرصاداً لمَن حارَبَ الله ورسُولَهُ مِن قَبل))[التوبة: 107] قال المفسِّرون لهذه الآية: \"لأنّهم كانوا جميعاً يصلون في مسجد قباءº فبنوا مسجد الضرار ليصلِّي فيه بعضهم فيؤدِّي ذلك إلى الخلاف وافتراق الكلمة\".

وهذا الضرب من الفتن لا يحتاج إلى تدليل، فالواقع المرّ شاهد بذلك، ومع أنَّ للافتراق أسباباً كثيرة كالجهل والهوى... إلخ، إلاّ أنَّ أثر المنافقين الذين يدخلون في صفوف الدعاة لا يجوز إغفاله والتهوين من شأنه، وكون الفرقة تحصل بين أهل طريقتين مختلفتين في الأصول فإنَّ هذا الأمر واضح ومعقول ومقبول، أما أن يفترق أهل الطريقة الواحدة طريقة أهل السنّة والجماعة وطريقة سلف الأمّة فهذا أمرٌ لا يُعقل ولا يُقبل، ولا يكون إلاّ وهناك يدٌ خبيثةٌ خفية وراء هذا الافتراقº فينبغي على الدعاة الحذر من هذه الأيدي والتفتيش عنها وفضحها، وتطهير الصف المسلم منها.



فتنة التخذيل والتشكيك:

وهذه أيضاً من أعمال المنافقين المندسين في الصف المسلم، حيث يسعون إلى بثّ فتنة التخذيل، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرº وذلك بدعاوى وشبه شرعية خادعة مؤدّاها توهين عزائم الدعاة وإضعاف هممهم، وبثّ الخوف في النفوس من الباطل وأهله، وتهويل قوة الأعداء وخططهم بصورة تبثّ اليأس في النفوس الضعيفة.



فتنة الإيقاع بالدعوة والدعاة:

لا تقف مساعي المنافقين في إيصال الشر والأذى للدعوة وأهلها عند حدّ، فمن هذه المساعي الخبيثة التي يقومون بها داخل صفوف الدعاة بعد إظهار الحماس، وبعد كسب الثقة والسماع لأقوالهم، كما قال تعالى: ((وإن يَقُولُوا تَسمَع لقولِهِم))[المنافقون: 4]، وتحت ستار الغيرة على الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله - عز وجل -، فإنَّهم يبدؤون في دفع بعض الدعاة إلى مواجهات مع الباطل وأهله، والزجٌّ بالدعوة في أعمال خطيرة تفتقد المستند الشرعي من جهة، وتؤدِّي بالدعوة وأهلها إلى الضمور والانكماش من جهة أخرى، إن لم يُقض عليها قضاءً مبرماً، وهذا هو ما يريده المنافقون المخادعون الذين قال الله - عز وجل - عن أمثالهم: ((لو خَرجُوا فيكُم ما زادُكُم إلاَّ خَبَالاً ولأوضعوا خِلالكُم يَبغُونكم الفتنة وفيكُم سمَّاعُون لهُم واللهُ عليمٌ بالظَّالمين))[التوبة: 47]، يقول الإمام البغوي - رحمه الله تعالى - عند تفسير هذه الآية:

((لو خرجوا))يعني المنافقين((فيكم))أي معكم((ما زادُوكم إلاَّ خبالاً)) أي: فساداً وشرَّاً، ومعنى الفساد: إيقاعُ الجبن والفشل بين المؤمنين بتهويل الأمر، ((ولأوضعوا)) أسرعوا ((خلالَكُم)) وسطكم بإيقاع العداوة والبغضاء بينكم بالنميمة، ونقل الحديث من البعض إلى البعض، وقيل: ((ولأوضعوا خلالَكُم)) أي: أسرعوا فيما يخلٌّ بكم ((يبغُونكُم الفِتنة)) أي: يطلبون لكم ما تفتنون به، يقولون: لقد جُمع لكم كذا وكذا، وإنّكم مهزومون، وسيظهر عليكم عدوّكم ونحو ذلك، وقال الكلبي: يبغونكم الفتنة، يعني: العيب والشر، وقال الضحاك: الفتنة الشرك، ويقال: بغيته الشر والخير أبغيه بُغاءً إذا التمسته له، يعني: بغيت له.

((وفيكُم سمَّاعُون لَهُم)) قال مجاهد معناه: وفيكم محبٌّون لهم يؤدٌّون إليهم ما يسمعون منكم وهم الجواسيس، وقال قتادة معناه: ((وفيكم مطيعون لهم)) أي: يسمعون كلامهم ويطيعونهم ((والله عليمٌ بالظَّالمين)).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply