حينما ينجم النفاق


 

بسم الله الرحمن الرحيم





هذه مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحزب حولها الأحزاب بجيش تعداده عشرة آلاف رجل، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقود جيشاً يبلغ ثلاثة آلاف رجل قد جعلوا ظهورهم إلى سلع (جبل في المدينة) والخندق يفصل بينهم وبين المشركين. أما النساء والذراري فقد جعلوا في الحصون. وبقيت ثغرة من قبل يهود بني قريظة الذين ترطبهم بمجتمع المسلمين معاهدة للدفاع عن المدينة. ولكن أي عهد يجدي مع يهود. فحينما رأوا المدينة قد طوقت والاجهاز على الإسلام قد بات قاب قوسين أو أدنى أعلنوا نكثهم للعهد. وكان ما قال - تعالى -: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً).



ولما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر نكث يهود للعهد تقنع بثوبه فاضطجع ومكث طويلاً فاشتد على المسلمين البلاء والخوف حين رأوه اضطجع، وعرفوا أنه لم يأته عن بني قريظة خير، ثم رفع رأسه وقال: أبشروا بفتح الله ونصره.



قال ابن اسحاق: (وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى ظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق، حتى قال معتب ابن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط، وحتى قال أوس بن قيظي: يا رسول الله أن بيوتنا عورة من العدو، وذلك عن ملأ من رجال قومه، فأذن لنا أن نرجع إلى دارنا خارج المدينة.



قال الله - تعالى - في شأنهم: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً)، إنها الساعات الفاصلة التي تجعل القلوب على مفترق الطريق: إما الإيمان الحق وإما استخراج خبايا النفوس تلك التي يمكن أن تستتر أوقات الهدوء والدعة، كما تثور قاذورات البركة المترسبة في القاع حينما يلقى فيها حجر كبير، أيام الهدوء تظاهر بالإسلام ومتاجرة بشعاراته أما أيام الامتحان والفتنة فتصدر كلمة الكفر سافرة: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً. إن استمرار المنافقين بين أهل الإسلام خوفاً من تلك الشعوب التي لا يمكن أن تقبل بهم. إن لهم طريقة خبيثة في التعامل مع الشرع: إذا كانت الشريعة في صالحهم رفعوا عقيرتهم بالإعلان عن موقفهم المرحب بتحكيم الشريعة أما إذا كانت ضد أهوائهم فإن لهم موقفاً آخر يصوره - تعالى - بقوله: (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك. وما أولئك بمؤمنين. وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون. وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين، أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا، أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون. إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) (النور: 47-51). تأمل أخيي حفظك الله هذا الوصف الدقيق لأهل النفاق ثم تأمل ما حولك وأنظر إلى مواقفهم متى يلجأون إلى الشرع ومتى يقصونه.



هؤلاء المنافقون قد وضعوا الأيادي على القلوب حينما انتهت الجولة الأولى من الانتخابات في الجزائر وأتت بنتائج هزت كيان أولئك المنافقين وجعلت نفاقهم ينجم. إن الدعاة في الجزائر الذين يسعون لأن يكون الدين كله لله في بلادهم وأن لا يحكم إلا بالشرع وأن ترد المظالم ويقام القسط ويقطع دابر الفساد. إن أولئك الدعاة الذين يتصارعون مع حكم فاسد حكم الشعب الجزائري بشرائع الكفر التي استوردها من الشرق والغرب ومع أحزاب تعلن الكفر جهاراً نهاراً بتبنيها للعلمانية، أن أولئك الدعاة في الجزائر كانوا يخوضون معركة التوحيد ضد الشرك معركة الإيمان ضد الكفر. فهم يسعون لأن تكون السيادة للشريعة بينما يسعى (النظام) والأحزاب الضالة لأن تبقى السيادة لأهواء البشر، الدعاة يدأبون على نشر السنة والعلم وتزكية النفوس وإرساء قواعد العدالة ورفع المظالم، أما النظام الحاكم وتلك الأحزاب الضالة فإنها تسعى لنشر الرذيلة والفساد تحت شعارات الإعلام والترفيه وتسعى للاستيلاء على قوت المحرومين وإرضاء المستعمرين بتخريب الاقتصاد وإثقال كاهل البلاد بالديون للدول الكافرة حتى تمارس سياسة فرض الوصاية. لقد كانت نتائج تلك الانتخابات مفاجئة بل صاعقة، أبعد أن ضربت الجبهة وشوهت وزج بقادتها في السجون وبعد أن مارسوا الأعمال التي تمس حاجات الناس من البلديات مع التضييق عليهم أبعد كل ذلك يفوزون فوزاً ساحقاً؟! إنه حدث مربك لأولئك المنافقين جعلهم يدفنون رياءهم ويظهرون خباياهم، وصبيحة الغدر تصدر جرائد إحدى تلك الدول خالية من أي خبر بل إن جريدة صفراء من جرائدهم تطبع طبعتين الأخيرة منهما نزعت منها أخبار ذلك الفوز. هنالك طفق هؤلاء المنافقون يرددون مقالات شياطينهم من الغربيين تخوفاً على مستقبل الجزائر، ويندبون حظ هذه الشعوب المتخلفة التي اختارت الجبهة وبدأوا يغرون الجيش بالانقضاض على السلطة إنقاذاً للبلد مما أسموه (الطاعون) أرأيتم كيف ينجم النفاق ويوصم الدعاة إلى الله بأنهم الطاعون.



أما حينما أقدم العسكر على الإنقلاب لسلب الشعب الجزائري ما اختاره فقد نجم النفاق مرة أخرى معبراً عن فرح وسرور لم يستطع أولئك المنافقون يكتموه وهم يرون انكسار دين محمد - صلى الله عليه وسلم - إنها غبطة وسرور عبر عنها أولئك المنافقون بوسائل إعلامهم وبالتهاني لزعيم الانقلاب الاستبدادي مساهمة منهم في دعم موقف العسكر المستبدين وإعطاء له شرعية يفتقدها هو وطغمته وهم في أمس الحاجة إليها، أن أولئك المنافقين لا دين يردعهم ولا خلق يهذبهم ولا قيم تحكمهم، فهم على أتم الاستعداد للتصفيق للاستبداد والفساد وسحق كرامة الإنسان إذا كان كل ذلك سيؤدي إلى انكسار الداعين إلى الإسلام.



من تراث أئمة الدعوة الوهابية نستخرج هذه البطاقة:

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - أجمعين في رسالة: (أنواع التوحيد وأنواع الشرك): (أما النفاق فنوعان: اعتقادي وعملي، فأما الاعتقادي فهو ستة أنواع: تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو تكذيب بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو بغض الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو بغض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو المسرة بانخفاض دين الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو الكراهية لانتصار دين الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهذه الأنواع الستة صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار) اهـ.



وهنا ندعو هؤلاء الذين نجم نفاقهم إلى التوبة إلى الله قبل أن يأتيهم الأجل وهم على هذه الحالة السيئة، ونقول لهم ما قاله الله - تعالى - لأسلافهم: (فإن يتوبوا لك خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير) (التوبة/74). وقوله: (فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزءاً بما كانوا يكسبون) (التوبة/82)، وليعلموا أن خداعهم للمسلمين مكشوف عند الله (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب) (التوبة/78).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply