من مواقف اليهود التي سجلها القرآن الكريم ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم



كنا قد سردنا بعض مواقف اليهود التي سجلها القرآن الكريم لتكون علامة خزي وعار يلحق جبين اليهودية الضالة، ولتعلم البشرية جمعاء مبلغ عناد وتمرد اليهود في تعاملهم مع خالقهم - سبحانه -، وكيف عاقبهم الله بأن لعنهم وجعل منهم القردة والخنازير، وتوعدهم بسوء العذاب في الدنيا والآخرة، ولم يكن ذكر بني إسرائيل بهذه الصورة المتكررة في القرآن الكريم إلا لحكمة عظيمة، هي تعريف الأمة المحمدية بنفسية اليهود وأخلاقهم لتكون على حذر وحيطة عندما تتعامل معهم، فلا تغتر بعهودهم ولا بمواثيقهم، وفائدة أخرى هي أخذ العبرة والعظة مما آل إليه أمر اليهود من مقت الخالق - سبحانه - لهم، ولعن الأنبياء إياهم، وبغض المخلوقين لهم، وما ذلك إلا نتيجة عصيانهم، وتكبرهم، وعنادهم، وتمردهم على خالقهم - سبحانه -، ورسله الكرام، ولنأت على ذكر بعض مواقف اليهود الأخرى التي سطرها القرآن حتى يكون المسلم على بينة من أخلاقهم.



بنو إسرائيل يقولون لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا:

لقد كان خروج بني إسرائيل من مصر نصراً لهم بكل معنى الكلمة، فقد خرجوا من العبودية إلى الحرية، ومن الذل إلى العز، وكل ذلك بفضل الله - عز وجل - وتوفيقه ورأفته بهم، لكنهم لم ينظروا إلى هذا على أنه نعمة تستوجب الشكر، ومِنَّة تستوجب الحمد، بل نظروا إلى تلك النعم على أنها حق لهم، وأن على الخالق أن يبذل المزيد في سبيل راحة شعبه، هذه كانت نظرة بني إسرائيل للأمر، لذلك عندما أمرهم موسى - عليه السلام - بدخول الأرض المقدسة - القدس - أجابوه بجواب غاية في الصفاقة وقلة الأدب، جواب من استمرأ حياة الذل، وعاف حياة العز والجهاد (( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَدخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذهَب أَنتَ وَرَبٌّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ))(المائدة: 24)، فانظر إلى هؤلاء كيف ردوا أمر الله - سبحانه - بكل جرأة ووقاحة، نسأل الله السلامة والعافية.



بنو إسرائيل يستهزئون بأمر الله:

لما عصى بنو إسرائيل أمر الله - عز وجل - بدخول الأرض المقدسة في عهد موسى - عليه السلام -º قضى الله عليهم بالتيه أربعين سنة، فتاهوا في صحراء سيناء تلك المدة كاملة، وكان موسى وهارون - عليهما السلام - قد ماتا في تلك الفترة، فبعث الله - عز وجل - يوشع بن نون نبياً إلى بني إسرائيل، وبعد انتهاء فترة التيه دخل بهم يوشع - عليه السلام - الأرض المقدسة - القدس -، وكان أمر الله لهم أن يدخلوها خاضعين له، سائلين أن يحطَّ عنهم خطاياهم، لكنهم ورغم ما منَّ الله به عليهم من النصر العظيم، إلا أنهم عصوا أمره، وبدَّلوا ما قيل لهم، فَبَدَلَ أن يدخلوا سجداً، دخلوا على أستاههم - أدبارهم - وبدل أن يقولوا حطة أي حطَّ عنا خطايانا قالوا: - على سبيل الاستهزاء - ما حطة؟ حبة في شعيرة، قال - تعالى -: (( وَإِذ قُلنَا ادخُلُوا هَذِهِ القَريَةَ فَكُلُوا مِنهَا حَيثُ شِئتُم رَغَداً وَادخُلُوا البَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغفِر لَكُم خَطَايَاكُم وَسَنَزِيدُ المُحسِنِين َ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَولاً غَيرَ الَّذِي قِيلَ لَهُم فَأَنزَلنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفسُقُونَ ))(البقرة: 58- 59)، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قال الله لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجداً، وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم، فبدلوا ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعيرة ).



بنو إسرائيل يحتالون على أمر الله وشرعه:

رأينا كيف قابل بنو إسرائيل أمر الله - عز وجل - لهم بدخول الأرض المقدسة، ثم كيف استهزؤوا بأمره حين أمرهم أن يدخلوها ساجدين مستغفرين، فتلك هي طريقتهم في التعامل مع أمر الله وحكمه، أما هذه القصة التي سنوردها الآن فهي تحكي طريقة أخرى في التعامل مع الأوامر الربانية، طريقة التحايل على الأمر، وكأنهم لا يتعاملون مع من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولما كان دين الله مبنياً على ابتلاء العبد بالتكاليف الشرعيةº حتى ينظر من يمتثل فينجو، ومن يعصي فيهلك، فقد ابتلى الله بني إسرائيل بتحريم الأعمال الصناعية عليهم يوم السبت، ثم ابتلاهم بوفرة الصيد في ذلك اليوم، وقلته فيما سواه من الأيام، فماذا عمل بنو إسرائيل؟ هل كفوا أيديهم امتثالاً؟ كلا، فقد تفتقت أدمغة الغدر والمكر عن حيلة تدل على مدى استخفافهم بربهم، حتى استحلوا محارمه بأدنى الحيل، حيث نصب بنو إسرائيل الشباك قبل يوم السبت فلما جاءت الأسماك يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الشباك التي وضعوها، فلم تخلص منها يومها ذلك، فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت، فلما فعلوا ذلك مسخهم الله قال - تعالى-: (( وَاسأَلهُم عَنِ القَريَةِ الَّتِي كَانَت حَاضِرَةَ البَحرِ إِذ يَعدُونَ فِي السَّبتِ إِذ تَأتِيهِم حِيتَانُهُم يَومَ سَبتِهِم شُرَّعاً وَيَومَ لا يَسبِتُونَ لا تَأتِيهِم كَذَلِكَ نَبلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفسُقُونَ ))(الأعراف: 163) وقال أيضاً: (( فَلَمَّا عَتَوا عَن مَا نُهُوا عَنهُ قُلنَا لَهُم كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ))(الأعراف: 166)، وما عِظم هذه العقوبة إلا لعظم الجريرة، فلو أتوا الأمر عياناً لكان أهون، لكنهم بتحايلهم ومكرهم استخفوا بربهم - جل وعلا - وأمره، فانظر عاقبة الحيل والمكر.



بنو إسرائيل يرفضون المن والسلوى، ويطلبون الثوم والبصل:

إن رحمة الله - عز وجل - ببني إسرائيل عظيمة، فعلى الرغم من تعنتهم وتمردهم وعصيانهم إلا أنه - سبحانه - يرحمهم ويرأف بهم، ففي أثناء عقوبته لهم - سبحانه - بالتيه في الصحراء منَّ عليهم بالغمام يظلهم من حر الشمس، وتفضل عليهم بطعام من طعام الجنة، فأنزل عليهم المن - وهو شراب حلو -، والسلوى - وهو طائر ذو لحم طيب - قال - تعالى - مذكراً إياهم بهذه النعم: (( وَظَلَّلنَا عَلَيكُمُ الغَمَامَ وَأَنزَلنَا عَلَيكُمُ المَنَّ وَالسَّلوَى كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقنَاكُم وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ ))(البقرة: 57)، فهل عرف بنو إسرائيل نعمة ربهم فازدادوا له شكراً وحمداً؟ كلا، ولكنهم طلبوا طلباً غاية في الغرابة عند أهل العقول المستقيمة، إذ جاءوا موسى - عليه السلام - متضجرين ساخطين على هذه النعمة، وادعوا أنهم لا يصبرون على طعام واحد، وطلبوا منه الثوم والبصل، فانظر إلى هذا العجب العجاب، أيستبدل طعام الجنة بالثوم والبصل!!، قال - تعالى-: (( وَإِذ قُلتُم يَا مُوسَى لَن نَصبِرَ عَلَى طَعَامٍ, وَاحِدٍ, فَادعُ لَنَا رَبَّكَ يُخرِج لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض مِن بَقلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَستَبدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدنَى بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ اهبِطُوا مِصراً فَإِنَّ لَكُم مَا سَأَلتُم وَضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ, مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَانُوا يَكفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ ))(البقرة: 61).



بنو إسرائيل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

الذي يمكن أن يخلص إليه المرء من دراسة مواقف بني إسرائيل التي سطرها القرآن أن بني إسرائيل رقيقوا الدين، ضعيفوا التمسك به، ومن كان هذا حاله فكيف يصبر على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لذلك كان من أشدِّ ما نقم عليهم أنبياؤهم انهماكهم في المعاصي والسيئات، وعدم قيامهم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لعنوهم وأبغضوهم على ذلك قال - تعالى-: (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بنِ مَريَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ, فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ ))(المائدة: 78-79).

هذه هي أخلاق بني إسرائيل وتلك هي جرأتهم على ربهم، واحتيالهم على أمره، فهل من معتبر ومتعظ بحال أعداء الله، وقتلة الأنبياء والرسل، نسأل المولى - عز وجل - أن ينصرنا عليهم، وأن يضرب عليهم سيف الذل والخزي والعار إلا أن يعودوا مسلمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply