إسرائيل وأوهام القوة


 

بسم الله الرحمن الرحيم



كثيرون هم من انبهروا بقوة ذلك الكيان الذي لم يتجاوز في عمر الدول طفولتها، وكثيرون هم من أبدوا إعجابهم بقدرة مجموعة من المفكرين الصهاينة على خلق كيان قوي على أنقاض أساطير وأوهام، بقدر ما أبدوا استياءهم من عجز أمة بأكملها على أن تقف بكل ما تملكه من حق في وجه احتلال صنع من أساطيره فكراً في بازل، ومن أوهامه واقعاً في تل الربيع ويافا، وحيفا والخليل.

وهنا لن ننكر على من انبهروا في هذا الكيان حقهم، فالفترة القياسية التي أضحى فيها هذا الكيان رقماً صعباً في العالم تثير التساؤل والتعجب، لكننا نحتفظ بحقنا هنا في تفنيد تلك الأوهام، ونفي تلك الصفات المبالغ فيها عن ذلك الكيان الذي يجثم على أرض فلسطين، فكلنا يعلم أنه بالرغم من الحجم الذي وصل إليه في عمر لا يتجاوز الستين عاماً إلا أن حجمه هذا لم يكن نمواً طبيعياً، فهرمونات أوروبا بشرقها وغربها ومعها أمريكا كان لها الدور الأساسي في إنماء \"إسرائيل\"، ومع كل هذه الهرمونات لم تتحرك المضادات الحيوية العربية، وشاركتها الخمول تلك الإسلامية.

لا نريد أن نكون هنا أكثر خيالية من أولئك الذين انبهروا بتلك الدولة فنقول: أن دعم الغرب لها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً هو نقطة ضعف في سجل قوتها، وحتى نكون علميين في الطرح، وموضوعيين في تدعيم افتراضنا بهشاشة \"إسرائيل\"º لن نعتبر نمو هذا الكيان بشكل غير طبيعي جزءً من ضعفها، ولن نعد اعتماده على الحبل السري بينه وبين الغرب مهدداً لاستمرارية هذا الكيان، وبالرغم من إيماننا بذلك إلا أننا سنتبع أسلوب النقد من الداخل، لنكتشف أن هذا الكيان الذي أوهم من حوله بقوته التي لا تضاهى، وبتماسكه الذي لا يقارن، وبتقدمه وتطوره الذي لا يشق له غبار، مهزوزاً من داخله، عليلاً بسكانه، ضعيفاً ببنيانه الاجتماعي والسياسي، غريباً في موقعه، فإلى جانب الرؤوس النووية والثكنات العسكرية تقف الأمراض الاجتماعية، والأخطار الداخلية، والى جانب المؤسسات القانونية والمبادئ الديمقراطية تقف العنصرية الصهيونية، وإلى جانب القبول الدولي والدعم الغربي يجد هذا الكيان نفسه غريباً منبوذاً في محيطه العربي والإسلامي، وفي هذه السطور لن نناقش قوة \"إسرائيل\" أو ضعفها عسكرياً، فجنوب لبنان بات كفيلاً بأن يوضح الصورة دون جهد المحللين وعناء المراقبين، وسننتقل كما أشرنا إلى مناقشة البنيان الـ\"إسرائيلي\" الداخلي ومدى هشاشته، ولنا في الآتي تفصيل:



* ضعف الولاء والانتماء اليهودي لـ\"إسرائيل\":

بالرغم من كل ما يحاول تقديمه هذا الكيان للمهاجرين الجدد من ميزات لا يتمتع بها من يعيشوا في أغنى دول العالم إلا أنه فشل إلى الآن في خلق حالة من الانتماء والولاء من قبل المهاجرين له، ففي أحد التقارير الصادرة عن وزارة الاستيعاب والتي تعنى باستقطاب المهاجرين ذكر أن 40% من المهاجرين قد غادروا هذا الكيان وذلك منذ الإعلان عن قيام الدولة الصهيونية، مع العلم أن أي مهاجر يهودي لـ\"إسرائيل\" يحصل على مبلغ كبير من المال كي يبدأ حياته، إضافة لتوفير شقق سكنية للجميع، ومن ثم تبدأ الحكومة في برنامج متكامل لدمج المهاجر الجديد في المجتمع الإسرائيلي، من تعليم للغة العبرية، وترسيخ للأساطير الصهيونية، ومحاولة إيجاد رابط عقائدي بين السكان والأرض.

لكن بالرغم من برامج الإغراء المادي والتعبئة الفكرية المكثفة إلا أن نجاحها في خلق الانتماء الوطني لم يكن بمستوى التكاليف وحجم البرامج، بالرغم من أن 90% من المهاجرين إلى الدولة الصهيونية هم من دول فقيرة جداً، إضافة لمغادرة المهاجرين وعودتهم إلى مواطنهم الأصلية فإن نسبة لا يستهان بها من المواطنين هم من اليهود الذين لا يعترفون بدولة \"إسرائيل\"، وهذا بالفعل يثير تساؤلات حقيقية عن مدى امتلاك هذا الكيان لمقومات الصمود الداخلي، فما زال إلى الآن يعتمد على استقطاب المهاجرين أكثر من اعتماده على النمو الطبيعي، وهذا ما يجعلنا نستبعد قيام رابط قوي بين السكان والأرض على عكس ما يزعمون.



* هشاشة البنيان الأخلاقي والاجتماعي:

على عكس كل المجتمعات التي تعيش حالة من الصراع مع طرف آخر أو حالة حرب أو نزاع، والتي تكاد تغيب فيها الأمراض الاجتماعية والأخلاقية نتيجة للشعور بالخطر الخارجي، وانشغال المجتمع بقضايا أكثر أهمية من مشاكله الشخصيةº نجد أن \"إسرائيل\" والتي تعيش حالة صراع مستمر مع الفلسطينيين تعج بالأمراض الاجتماعية، وتعاني من هشاشة البنيان الأخلاقي للمجتمع، وهنا نحن لا نقيم بنيانهم الأخلاقي والاجتماعي بمعاييرنا وإنما بمعاييرهم هم وبإحصائيات دولية، تؤكد مدى التردي الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي.

وبلغة الأرقام نجد أن 70% من الفئة العمرية 18- 24 سنة قد تعاطوا المخدرات وذلك حسب سلطة مكافحة المخدرات، إلى الحد الذي أصبحت فيه معسكرات الجيش تعج بالمدمنين والمروجين للمخدرات، ففي تقرير لصحيفة معاريف العبرية تبين أنه تم إقامة قرية خاصة لعلاج المدمنين من الجنود، أضف إلى المدمنين نسبة ليست قليلة من الشاذين جنسياً، وارتفاع نسبة الاغتصاب بالرغم من الانفتاح الجنسي، وارتفاع معدلات الانتحار في المدارس حسب تقرير التربية والتعليم، وتزايد حالات التفكك الأسري، وتزايد معدلات الجريمة المنظمة.

هذه الحالة من السقم الداخلي تنبئ بوضوح عن خلل ما في أساس هذا المجتمع، فهو لا يتعدى مجمع كبير لأناس من أجناس مختلفة، وثقافات متعددة، لم يجمعهم يوماً سوى الحلم بالحصول على الإغراءات التي تقدمها الحركة الصهيونية، لكن سرعان ما تلاشت هذه الإغراءات عندما اصطدموا بجدار الواقع.



• التقلب السياسي، وازدواجية التعامل الحكومي:

منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية شهدت الحياة السياسية الإسرائيلية حالة من الإرباك والتقلب، غيرت نمطاً كان سائداً في طبيعة الحراك السياسي الإسرائيلي، وتجلى هذا التقلب بعد إنشاء حزب كاديما، ووصول القيادات الشرقية (السفارديم) إلى مواقع عليا في الأحزاب الصهيونية، كما حصل مع عمير بيرتس الذي يقود حزب العمل حالياً، هذا التغير في المؤسسات السياسية الإسرائيلية، يشير إلى بداية الرفض لحالة الازدواجية التي تتعامل بها المؤسسات مع سكان الدولة، فالانقسام الداخلي إلى يهودي وعربي، وغربي وشرقي، ومتدين وعلماني، وغيرها من الانقسامات التي لم تعالجها المؤسسة الصهيونية بل كرّستها وزادت من حدتهاº يمثل خطراً دائماً على حالة الاستقرار التي تحتاجها \"إسرائيل\" لاستكمال مشاريعها الإحلالية.

وتبرز ازدواجية العمل الحكومي في محاولة المؤسسات الإسرائيلية إعطاء نفسها الصبغة اليهودية، وفي نفس الوقت أن تسير وفقاً للمبادئ الديمقراطية، وفي ذلك تناقض كبير يجعل من هذه المؤسسات بؤراً لمضاعفة الشرخ الإثني، وارتفاع حدة التمييز داخل المجتمع، وفي ذلك تهديد للهوية غير المحددة أصلاً، فما زالت الدولة عاجزة عن توضيح معالم الهوية الإسرائيلية نتيجة التعدد الواضح في مكونات المجتمع الإسرائيلي.



• تحول البنية الاقتصادية:

ربما ما كان يشكل ميزة في البنية الاقتصادية الإسرائيلية أنها نجحت في خلق حالة من الاستقرار لمدة طويلة ضمنت فيها مجتمعاً فيه أغلبية من الطبقة المتوسطة نتيجة تطبيق دولة الرفاه الاجتماعي، وهذا ما شكل إغراء للكثير من اليهود الذين هاجروا تحت تأثير المزايا الاقتصادية التي ستقدم لهم، لكن هذا الأمر لم يستمر على حاله، فاقتصاد العولمة لم تسلم منه \"إسرائيل\" أيضاً، وبدا واضحاً التحول التدريجي والذي برز في عام 2005 من اتجاه نحو الخصخصة والتي قادها نتنياهو الذي تولى حقيبة المالية في حكومة شارون.

هذا التوجه الجديد نحو اقتصاد العولمة تلاشت معه دولة الرفاه الاجتماعي، وظهرت وبسرعة كبيرة شريحة واسعة من الفقراء، في حين بدأت تغيب الطبقة المتوسطة، وكل هذا خلق أقلية رأسمالية تتحكم في الاقتصاد، وتضيف إلى المجتمع نوعاً جديداً من الانقسام، بالإضافة إلى الانقسام الاجتماعي والسياسي وهو الاقتصادي.

ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو ما بتنا نشهده من ترسيخ لفكرة قوة \"إسرائيل\" في العالم عامة والعربي والإسلامي خاصة، رغم ما شهدته وتشهده من ضربات في لبنان، وبات الحديث عن مقاومتها وإمكانيته ضرباً من الخيال، نتيجة نجاح هذه الدولة في خلق تصور دولي بأنها قوة لا يمكن الوقوف بوجهها، حتى باتت تصوغ المفاهيم التي تشاء والجميع يتعامل معها دون تحفظ، حتى القوى المعادية لها باتت تتعامل وفق مصطلحات ومفاهيم روجتها \"إسرائيل\".

خلاصة القول: هذا هو الكيان الذي يثير الرعب في نفوس الكثيرين من أبناء العالم الإسلامي والعربي رغم هشاشته وضعفه وزيفه، فأين نحن من الحقيقة؟ وأين نحن من المقاومة؟!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

تعليق

-

سطوع الهلال

19:54:14 2017-08-08

لكن هته القوة الموهومة التي زرعها قادة الدول في عقول الشعوب التي تبني أفكارها من زبالة الغرب من أن اليهود أصبحت دولة لا يستهان بها وبأسلحتها وبنوويها ،أصبحت مكشوفة للصغير قبل الكبير وللمجنون قبل العاقل فهي الآن تحاول أن تغطي الشمس بالغربال لما رأته من تحرك ضمير المسلم من العبودية التي رسخوها في شعوبهم ظانا منهم أن مقالة جوع كلبك يتبعك لا زالت سارية المفعول إلا أنها بدأت بالذوبان مع سطوع حرارة الحق وظهور الجيل الجديد الذي لا يحركه ضمير الإستعباد .