هل يقدم البابا الجديد اعتذاراً للمسلمين؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم



بوفاة بابا روما يوحنا بولس الثاني بعدما قضى قرابة ربع قرن يحكم دولة الفاتيكان سيكون على 164 كاردينالاً كاثوليكياً اختيار بابا جديد في غضون شهر، سيواجه بدوره مشاكل ومعضلات لا حصر لها فيما يتعلق بالعلاقة مع أتباع الكنيسة الكاثوليكية في الداخل (الغرب) الذين بدأت أعداد كبيرة منهم الانصراف عن الكنيسة والدين لحد رفض الاتحاد الأوروبي النص في دستوره علي جذور أوروبا المسيحية، وأخرى فيما يتعلق بالعالم الخارجي وتحديداً الإسلامي، حيث يتفوق عدد المسلمين على الكاثوليك بنسبة 1.2: 1.1 مليار نسمة.

وقد بدأت دراسات لاهوتية غربية تحذر بالفعل في أواخر حياة البابا الراحل من تحديات كثيرة تتعلق بانتشار الإلحاد والهجوم على الكنيسة في الغرب من جهة، خصوصاً مع اتساع الهوة بين العلم الحديث والكنيسة على نحو يشبه العصور الوسطى، ما يتطلب تطويراً في نظرة الكنيسة للعلم، إضافة إلى تحدي تصاعد انتشار الإسلام في العالم من جهة ثانية، فضلاً عن تفشي الفساد داخل الكنيسة نفسها والشذوذ ( 11 ألف شخص اتهموا قساوسة باستغلال الأطفال جنسياً في المدة من 1950م إلى 2002م حسب دراسة للكنيسة)!

وإذا كان البابا الراحل قد سعى للتعامل مع التحديات السابقة بقدر من عدم الحسم، فسيكون على البابا المقبل أن يحدد موقفه وموقف الكنيسة الكاثوليكية من هذه القضايا الشائكة، فالبابا الراحل سعى لفتح شبكة اتصال مع العالم الإسلامي، وتنشيط ما سمي حوار الأديان بهدف التوصل لتفاهم مشترك في القضايا التي تهدد الأخلاقيات عموماً مثل: قضايا السكان، والمرأة، وانتشار الإلحاد والملحدين، ولكن بالمقابل رفض تقديم اعتذار للمسلمين عن جرائم الحروب الصليبية ضد العالم الإسلامي مثلما فعل مع اليهود.

وسعى أيضاً لجذب دول أوروبية لجانبه فيما يتعلق بقضايا النص على الجذور المسيحية لأوروبا في دستور أوروبا الموحد، وتحاشى الدخول في قضايا الهندسة الوراثية والاستنساخ، ولكنه عارض الإجهاض، وسعى لتحالف مع كل أتباع الأديان لمواجهة هذه الممارسات الضارة بالإنسان.



من يعتذر للمسلمين؟

عقب زيارة بابا روما لمصر في فبراير 2000م قررت اللجنة الدائمة لحوار الأديان التي يرأسها الشيخ فوزي الزفزاف بالأزهر رفع طلب إلى المجلس البابوي بالفاتيكان للمطالبة بأن يعتذر عن الحروب الصليبية ضد المسلمين، وفي 28 مارس 2000 م رد المجلس البابوي بالعلم أنه تلقي الرسالة دون رد على فحواها.

وتطالب هذه المذكرة المقدمة من اللجنة الدائمة للأزهر لحوار الأديان إلي المجلس الأعلى البابوي للفاتيكان بـ \" امتداد طلب الغفران من البابا، والذي سبق أن أعلنه البابا بمناسبة احتفالات الألفية الثالثة ( والذي استفاد منه اليهود فقط) ليشمل مرحلة الحروب الصليبية ( المسماة بالمقدسة )، وأن يشمل الاعتذار ما أصاب المسلمين تحديداً من أضرار أثناء هذه الحروب الصليبية.

وكانت هذه هي المرة الأولي التي يطلب فيها الأزهر رسمياً اعتذار الفاتيكان عن الحروب الصليبية، كما أنها المرة الأولى التي يعلن فيها الفاتيكان أنه يدرس تقديم اعتذار رسمي للمسلمين عن الأضرار التي أصابتهم من الحروب الصليبية التي شنها الغرب في العصور الوسطى على دور العالم الإسلامي.

وكانت الكنيسة الكاثوليكية قد طلبت في رسالة طلب الغفران والندم التي تلاها البابا بولس الثاني الغفران بشكل عام عن أخطاء الكنيسة وأتباعها دون أن تشير بالنص إلى الحروب الصليبية وعواقبها السلبية على المسلمين، الأمر الذي شجع الأزهر عبر جلسات حوار الأديان التي تجري بشكل دوري مع الفاتيكان على طلب أن يمتد الغفران للمسلمين عما أصابهم أثناء الحروب الصليبية.

ولما مضت خمسة أعوام دون أن يقدم الفاتيكان أي اعتذارº عاد الأزهر للتقدم بطلب ثان إلى الفاتيكان بتقديم اعتذار رسمي في 24 فبراير 2005م الماضي عن الحروب الصليبية، أسوة باعتذارات الفاتيكان لليهود، وباقي الطوائف المسيحية عن ممارسات العصور الوسطي.

ولا شك أن تعامل الفاتيكان مع هذه القضية المتعلقة باستمرار الحوار مع العالم الإسلامي يتعلق الآن بشخصية البابا الجديد، وهل سيكون من المعتدلين الراغبين في وضع يدهم مع العالم الإسلامي لمحاربة الإباحية والانحلال والإلحاد، أم من الجناح المحسوب على ما يسمى (المسيحية الصهيونية) القريب في فكره من التيار المسيحي الأصولي المحافظ في أمريكا، ما يعني دخوله في عداء وتنافس مع الإسلام؟!

فليس سراً أن أحد التحديات الخطيرة التي ستواجه البابا الجديد - وفق دراسة لمجلة فورين بولسي فبراير 2004م عبارة عن رسالة وجهها سكوت أبليبي\" Scott Appleby (أستاذ التاريخ بجامعة نوتردام الأمريكية) إلى مجمع كرادلة الفاتيكان، الذي تقع عليه مسؤولية انتخاب رئيس الكنيسة الكاثوليكية - هو ما يسمونه (تحدي الإسلام).

والمقصود هنا على ما يبدو أن الانتشار المستمر للإسلام كديانة كبرى أصبح يشكل تحدٍ, للكنيسة الكاثوليكية الغربية ومستقبلها، ما يتطلب نوعاً من المنافسة لجذب الأتباع، إلا أن الدراسة تنصح مع ذلك بالبحث عن نقاط الالتقاء بين الكنيسة والبابا الجديد من جهة، والإسلام من جهة ثانية، وتشكيل تحالف لمواجهة موجة الإلحاد والمادية التي طغت على العالم.

ولكن المشكلة أن أسماء الكرادلة المرشحون لتولي منصب البابا الجديد حتى الآن هم من الأجنحة المتطرفة في الغرب التي تعادي الإسلام، أو من الكرادلة غير الأوروبيين ممن يسعون لمنافسة مع الإسلام في قاراتهم (خصوصاً أفريقيا).

فأحد أبرز المرشحين للمنصب هو أسقف وكاردينال بولونيا في إيطاليا (جياكومو بيففي) المعروف بخلافه مع الكنيسة بسبب إقرارها بمسئوليتها عن أخطائها التاريخية، وبانتقاده الحوار بين الأديان، وفي حال ترشحه فسوف يدعم هذا الأصوليين والمتطرفين داخل الكنيسة والحركات التابعة لها مثل تلك المعروفة باسم \"خلائق الله\"، وهي إحدى المؤسسات شبه السرية في حاضرة الفاتيكان.

وهناك أيضاً الكاردينال الأفريقي ( النيجيري فرنسيس ارينزي) الذي قد يؤدي فوزه للسعي للتركيز مستقبلاً على التبشير في أوساط المسلمين في أفريقيا التي تقول إحصاءات الكنيسة: إن عدد مسيحييها زادوا من 50 مليون إلى 90 مليون في عدة سنوات!!

وفي حالة فضل كرادلة الكنيسة اختيار بابا جديد يجمع بين العلم الديني والعلم الدنيوي، ولا يصطدم بالعلم الحديثº فسوف يختارون أسقف تيجوسيجاليا في هندوراس فهو حائز على دكتوراه في اللاهوت الأخلاقي ودكتوراه في الفلسفة، وأستاذ في الفيزياء والرياضيات والعلوم الطبيعية والكيمياء.

والخلاصة أن البابا المقبل على رأس الكنيسة الكاثوليكية يواجه جملة تحديات مع الإسلام قد تختلف أو تتفق معه بحسب معتقدات وأفكار البابا الجديد، بمعنى أنه لو كان البابا الجديد أكثر تسامحاً وقبولاً للإسلام فسوف يتعاون معه لصالح هزيمة العلمانية والإلحاد، ويقدم الاعتذار الذي سبق أن طالب به المسلمون عن الحروب الصليبية مثلما اعتذر البابا الراحل لليهود، وعلى العكس لو كان معاديا - مثل: كاردينال مدينة بولونيا الإيطالية \"جاكومو بيففي - فسوف ينقلب الأمر إلى صراع بين الإسلام والمسيحية، والى حرب صليبية جديدة تباركها الكنيسة بعدما بدأتها قوي غربية بالفعل في واشنطن وأوروبا عقب تفجيرات 11 سبتمبر 2001 م، وأعلن بوش عن حملة صليبية!

ويثور سؤال آخر عن احتمال فوز كردينال كاثوليكي عربي بمنصب البابا - رغم أنه شبه مستبعد - وهل هذا ممكن أم لا؟ خصوصاً أن هناك ثلاثة كرادلة عرب في مجمع الكرادلة، وهم: مار نصر الله صفير بطريرك الموارنة في لبنان، والكاردينال أسطفانوس الثاني غطاس بطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر، والكاردينال أغناطيوس موسى داود بطريرك السريان الكاثوليك سابقاً، ورئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان؟

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply