المؤثرات الوثنية في الديانة المسيحية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 


ما هي المؤثرات الوثنية الداخلة في المسيحية كما نعرفها اليوم؟

لإجابة هذا السؤال نعتمد على البحث في العقائد الوثنية السائدة وقت ظهور المسيحية، و نحاول من خلال عرضها أن نتبين مواضع تأثيرها على أولئك الذين شكلوا عقيدة المسيحية على غير ما جاء به عيسى بن مريم نبي الله - عليه السلام -.

كانت عبادة الشمس هي الدين الغالب عامة على الإمبراطورية الرومانية وقت ظهور المسيح و إن اختلفت أسماء آلهة الشمس في البلدان المتنوعة. و كانت آلهة الشمس المعروفة و التي انتشرت عبادتها في بلدان البحر المتوسط في وقت أو آخر في العالم القديم هي:-

1- أيتس: في فريجيا (آسيا الصغرى، تركيا)

ولد من عذراء و كان يعتبر \"الابن الأوحد المولود و المخلِّص\"..و قد تُرك ينزف حتى الموت في يوم 24 مارس عند جذع شجرة صنوبر.و يعتقد عابدوه أن دمه قد جدد خصوبة الأرض و منح البشر بهذا حياة جديدة.. و قام من الموت، و يحتفل عابدوه بهذه القيامة كما يحتفلون بموته. و في الرابع و العشرين من مارس في كل عام يعلقون صورته على شجرة صنوبر ثم يضعونها في مقبرة و هم يولولون و يصرخون، و في اليوم التالي يجدون المقبرة خالية و يحتفلون بقيامته وسط ابتهاج عام. و من أبرز سمات عبادته في المعابد المكرسة له تقديم وجبات مقدسة و التعميد بالدم.



2- أدونيس أو تموز: في سوريا

هو \"المخلِّص\" المولود من عذراء، و قد عانى الموت ليفدي البشرية، لكنه قام منه في الربيع. و يحتفل عابدوه بقيامته سنوياً في مهرجان كبير.



3- ديونيسيوس أو باكوس: في اليونان

هو \"الابن الأوحد المولود\" لجوبيتر كبير الآلهة من العذراء ديمتير في الخامس و العشرين من شهر ديسمبر، و هو يوصف بالفادي و المحرر و المخلِّص. و يقول باكوس للبشر: إنني أنا الذي يهديكم و يحميكم و ينقذكم.. أنا البداية و النهاية. و كان للخمر مكانة مهمة في الاحتفالات المخصصة لعبادته.. و قد قتل من أجل فداء البشرية، و يسمى المذبوح أو حامل الخطايا أو الفادي، و كان أتباعه يحتفلون كل عام بتمثيل موته و نزوله إلى الجحيم ثم قيامته.



4- بعل: هو إله الشمس ببابل، و تعكس قصة حياته و معاناته شبهاً كبيراً و تفصيلياً بما نسب إلى المسيحية من قصة الصلب و الفداء.. إلخ.



5- أوزوريس: في مصر

ولد في التاسع و العشرين من ديسمبر من عذراء و كان يدعو إلى الوداعة و الوئام. و يقال إن الخمر و الذرة من نِعَمه. و قد قتل بعد أن تعرض للخيانة و مُزِّق جسده، و بعد دفنه مكث في الجحيم يومين أو ثلاثة و ثلاث ليل ثم عاد للحياة. و من عادة أتباعه وضع صورته في صندوق ثم إخراجها وقت عبادته صائحين: لقد قام أوزوريس. و قد أصبح الاعتقاد في الإله الإنسان على شكل أوزوريس عنصراً رئيسياً في الديانة المصرية إلى أن انتقل إلى المسيحية في صورة المسيح، الإله الإنسان.



6- ميثراس أو ميثرا: في فارس

هو إله الشمس عند الفرس، المولود من عذراء، و تأسست لعبادته كنيسة انتشرت خارج بلاده، و كان الميلاد و الفصح من أهم احتفلاتها. و كان أول عابديه في يوم ميلاده في الخامس و العشرين من ديسمبر من الرعاة. و من قيم ديانته الاعتدال و الطهر و نبذ الدنيا و ضبط النفس، و كانت أهم احتفالاتهم المقدسة أو الأسرار كما كانت تسمى العماد و التثبيت و العشاء الإلهي الذي كان متناولوه يشتركون في طبيعة ميثرا الإلهية بتناول الخبز و النبيذ.



و يقول السيد ريتشارد جريجوري و هو باحث في الأديان: إن كل احتفال رئيسي في التقويم المسيحي يواصل تقاليد أرستها المعتقدات الوثنية السابقة. و قد قامت الكنيسة بتبني هذه المعتقدات و حولتها إلى خدمة.



عيد الميلاد

يعتقد المسيحيون أن يوم ميلاد المسيح يقع في الخامس و العشرين من ديسمبر. و هناك حقيقتان تُذكَران في هذا الصدد و تستحقان الفحص! أولاهما: أن هذا اليوم هو تاريخ مولد الشمس في التقويم اليوليوي و يرتبط هذا اليوم و الأيام القريبة منه بالانقلاب الشتوي للشمس الذي كان يطلق عليه أتباع عبادتها \"مولد\" الشمس. و قد ولد العديد من آلهة الشمس المزعومين في العالم القديم في ذلك التاريخ أو تواريخ تقربه. و ثانيهما: عدم وجود أدلة تحدد مولد المسيح بهذا التاريخ كما يؤكد ذلك باحث مسيحي مؤمن كالقس فارار. و في الحقيقة فإن الذي حدد ميلاد المسيح في ذلك اليوم كان راهباً من سكيثيا (منطقة شمال البحر الأسود) هو ديونيسيوس اكسيجوس في عام 530 ميلادية، أي بعد أكثر من خمسة قرون على مولد المسيح، و لم يحدد لنا هذا الراهب مرجعه أو دليله. و تحتفل الكنائس الشرقية بعيد ميلاد المسيح في السابع من يناير. و يقول الباحث ريتشارد جريجوري إن الكريسماس كان عيداً وثنياً اتخذ للاحتفال لمولد المسيح في حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي لإبعاد المتنصرين (الداخلين في المسيحية) عن الاحتفالات الوثنية التي كانت تقام في تلك الفترة... و من أمثال هذه الاحتفالات الوثنية التي أرادت الكنيسة إبعاد الناس عنها باحتفال الكريسماس عيد يول في شمال أوروبا، و كان موعده منتصف الشتاء و يرتبط بعبادة الشمس، و من رموزه شجرة الكريسماس المعروفة. أما في جنوب أوروبا فكان هناك احتفال بعبادة الأم و الابن.



عيد الفصح

استمد عيد الفصح معناه من عبادة ربات (جمع ربة) النور و الربيع في العالم القديم. و كان يحتفل بأعيادها الواقعة بعد الاعتدال الربيعي للشمس (أي بدء فصل الربيع) في مصر و أيرلندا، و ذلك بتفريق و أكل البيض كما يفعل المسيحيون في الاحتفال بقيامة المسيح. و يقول السيد ريتشارد جريجوري: إن احتفال عيد الفصح يمثل استخدام أوضاع الأجرام السماوية لتحديد تواريخ المناسبات الدينية. و قد احتفل اليهود بعيد الفصح كمهرجان ربيعي في ذكرى خروجهم من مصر، و هو بذلك يمثل عيداً للحرية عندهم.

و يقول روبرتسون سميث في الطبعة الرابعة عشرة من الموسوعة البريطانية إن الإسرائيليين و هم شعب رَعَوي قد ضحوا بأول مواليد قطعانهم في الربيع كقرابين للشكر. و عندما استقروا في فلسطين وجدوا فيها احتفالاً زراعياً يرتبط ببداية حصاد الشعير الذي تصادف مع تاريخ خروجهم من مصر و ارتبط به عندهم. و يشير ذلك إلى أن حَمَل عيد الفصح الواقع في الرابع و العشرين من نيسان بتوقيتهم قد اتصل بهذا الاحتفال الزراعي.

و قد احتفل المسيحيون بالأعياد اليهودية و لكن بروح جديدة، و من هنا اعتبر المسيح هو الحَمَل المضحى به في عيد الفصح.. و هذا العيد في النهاية يرتبط بعبادة الشمس حيث تبدأ في استعادة قوتها و تتوافق قيامة المسيح مع بعث الحياة التي تمثلها بداية الربيع.



يوم الأحد

يوم الأحد هو يوم الشمس، و هو اليوم المقدس لإله الشمس أبولو الإله الحامي للإمبراطورية الرومانية خلال عهد الإمبراطور قسطنطين، و قد حدد هذا اليوم بدلاً من يوم السبت الوارد في الشريعة الموسوية كيوم مقدس، و ذلك لاستكمال أوجه التوافق بين المسيحية و الوثنية.



الرهبان و الراهبات

استعير هذا النظام من الوثنية، و كان له مكانة في عبادة الإله ميثرا، حيث لجأ الرهبان إلى حلق دائرة في وسط شعر الرأس تمثل قرص الشمس ليحملوا رمز إلههم على رءوسهم.. و يراعى هذا الطقس (مفرد طقوس) في الكنيسة الكاثوليكية.



الصليب

لم ينشأ هذا الرمز مع نشأة المسيحية، و لم يكن متضمناً في رموز المسيحية الأولى الواردة في القائمة التي أعدها القديس كليمنت مثلاً.. و كان أول من جعله رمزاً للمسيحية قسطنطين الذي زعم أنه رآه في المنام. و كان الصليب ذا مكانة بين عُباد الشمس في الإمبراطورية الرومانية كرمز للحياة كما هو عند المسيحيين. و هناك صليب مصري سابق على المسيحية محفوظ في المتحف البلدي بالإسكندرية، كذلك عثر على صليب من عهد قبل المسيحية في أيرلندا، و هو ينتمي إلى عبادة ميثرا و عليه شكل مصلوب.

أما أسماء أيام الأسبوع و شهور السنة في التقويم المسيحي الغربي فكلها تحمل أسماءً وثنية: فيوم الأحد هو يوم الشمس كما يدل عليه اسمه بعدة لغات أوروبية، و يوم السبت يسمى على اسم الإله الروماني ساتورن، و يناير هو شهر جانوس الإله الروماني، و مارس هو شهر الحرب مارس أو المريخ، و يونيو مشتق من اسم جونو، و أغسطس يكرم الإمبراطور الروماني حامل هذا الاسم.

إن بعض الكهنة المسيحيين لجئوا إلى تبرير تشرب ديانتهم بالتأثيرات الوثنية اليونانية الرومانية القديمة، و من هؤلاء القس س. هـ. روبنسون الذي يعترف في كتابه \"دراسات في شخصية المسيح\" بذلك الدَّين الذي تدين به المسيحية للوثنية، لكنه يعتبره من المزايا الفريدة للمسيحية، فهو يقول: إذا كان الفكر اليوناني و الروماني مطلوباً لاكتمال تقدير معنى التجسد، فلماذا لا يمكن أن نقول نفس الشئ عن الفكر الهندي أو الصيني؟ و من المؤكد أننا محقون في اعتقادنا بأن كل بلد و كل شعب لديه شئ يسهم به في المسيحية (!) و أن اكتمال الوحي المسيحي ينتظر هذه الإسهامات (!!).. و نحن نعتقد أن هناك العديد من الجوانب الهامة في المسيحية لم تفهم أبداً لأن المسيحية لم تنعكس في تجربة تلك الشعوب التي مازالت وثنية.... إن هذا اعتراف صريح بأن المسيحية التاريخية لم تكن أبداً ديناً مكتملاً أو طريقة حياة واضحة، بل كانت تأخذ صبغة الشعوب التي اعتنقتها في الظاهر.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply