السهم المسموم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين...

أما بعد:

فإنه من نعم الله عزوجل ما من به - سبحانه - على عباده من نعم عظيمة جليلة، يقصر عمل العابد قائم الليل وصائم النهار عن شكرها.ومنها نعمة البصر.

وهي سلاح ذو حدين صرفه كثير من الناس إلى معصية الله والنظر فيما يغضب الله لذا ومن هذا الباب رأيت أن أقوم على هذا الموضوع، الذي كان أصله درس من إعداد الأستاذ الفاضل: عبد الرحمن القرعاوي وفقنا الله وإياه لكل خير. أسأل الله أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم.

عوداً على بدء فنعمة البصر من نعم الله العظمى التي أنعم بها على الإنسان لكي يشكرها ويتمتع بها في جميع شؤون حياته ويستعين بها على أمور دنياه، ولا يعرف قدر هذه النعمة حق المعرفة إلا من ابتلي بذهاب البصر.

وكما روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج4/ص278، قال - رحمه الله -: \" أخبرني أحمد بن محمد بن سلمة العنزي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا عبد الله بن صالح المقرئ ثنا سليمان بن هرم القرشي وحدثنا علي بن حمشاد العدل ثنا عبيد بن شريك ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث بن سعد عن سليمان بن هرم عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: \" خرج من عندي خليلي جبريل آنفا فقال يا محمد والذي بعثك بالحق إن لله عبدا من عبيده عبد الله تعالى خمس مائة سنة على رأس جبل في البحر عرضه وطوله ثلاثون ذراعا في ثلاثين ذراعا والبحر محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية وأخرج الله - تعالى - له عينا عذبة بعرض الأصبع تبض بماء عذب فتستنقع في أسفل الجبل وشجرة رمان تخرج له كل ليلة رمانة فتغذيه يومه فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء وأخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قام لصلاته فسأل ربه - عز وجل - عند وقت الأجل أن يقبضه ساجدا وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء يفسده عليه سبيلا حتى بعثه وهو ساجد قال ففعل فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا فنجد له في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله - عز وجل - فيقول له الرب أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول رب بل بعملي فيقول الرب أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول يا رب بل بعملي فيقول الرب أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول رب بل بعملي فيقول الله - عز وجل - للملائكة قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمس مائة سنة وبقيت نعمة الجسد فضلا عليه فيقول أدخلوا عبدي النار قال فيجر إلى النار فينادي رب برحمتك أدخلني الجنة فيقول ردوه فيوقف بين يديه فيقول يا عبدي من خلقك ولم تك شيئا فيقول أنت يا رب فيقول كان ذلك من قبلك أو برحمتي فيقول بل برحمتك فيقول من قواك لعبادة خمس مائة عام فيقول أنت يا رب فيقول من أنزلك في جبل وسط اللجة وأخرج لك الماء العذب من الماء المالح وأخرج لك كل ليلة رمانة وإنما تخرج مرة في السنة وسألتني أن أقبضك ساجدا ففعلت ذلك بك فيقول أنت يا رب فقال الله - عز وجل - فذلك برحمتي وبرحمتي أدخلك الجنة أدخلوا عبدي الجنة فنعم العبد كنت يا عبدي فيدخله الله الجنة قال جبريل - عليه السلام - إنما الأشياء برحمة الله - تعالى - يا محمد\". هذا حديث صحيح الإسناد فإن سليمان بن هرم العابد من زهاد أهل الشام والليث بن سعد لا يروي عن المجهولين\"ا. هـ.

والبصر نعمة عظيمة وأداة خير إذا استعمل فيما شرع له النظر إليه والتفكر فيه كما في قوله - تعالى -: \" قل انظروا ماذا في السماوات والأرض... \"، وقد يكون البصر أداة شر على صاحبه إذا استعمله فيما لا يرضي الله، وذلك بالنظر إلى المحرمات والنظر إلى العورات والنظر إلى فضول زينة الحياة الدنيا نظرة إعجاب كما قال - تعالى -: \" ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا.. \"، لذا أمر الله المؤمنين بغض أبصارهم كما في قوله - تعالى -: \" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم... \"، وسوف أتناول في هذا البحث مشكلة كبيرة أزعجت كثيراً من الشباب وسببت أنواعاً من الهزات القلبية والاضطرابات النفسية وصار الإيمان منها في مد وجزر و نقص وزيادة، ومشكلة تدفع إليها نيران الشهوة وعنفوان الشباب يعاني منها المؤمن على وجه العموم والشاب على وجه الخصوص والشاب الغير متزوج على وجه أخص حيث يواجه هذه المشكلة في كل مكان في السوق والمدرسة والمستشفى والطائرة بل حتى في الأماكن المقدسة ألا وهي النظر إلى المحرمات.

 

اعلم أن إطلاق البصر سبب لأعظم الفتن، فكم فسد بسبب النظر من عابد؟، وكم انتكس بسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين؟، وكم وقع بسببه أناس في الزنا والفاحشة والعياذ بالله؟.

فالعين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته وإرادته ونقش فيه صور تلك المبصرات فيشغله ذلك الفكر فيما ينفعه في الدار الآخرة.

والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة ثم تولد الخطرة فكرة ثم تولد الفكرة شهوة ثم تولد الشهوة إرادة ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.

 

* هذه قصة تروي النهاية السيئة لطريق الفساد والضياع النظر المحرم -: أن امرأة كانت تسأل عن طريق حمام منجاب؟ فجاءت إلى رجل عند باب بيته، وكان باب بيته يشبه ذلك باب الحمام، فلما سألته، قال لها: هذا حمام منجاب. فدخلت الدار ودخل ورائها فلما رأت نفسها في داره وعلمت أنه قد خدعها أظهرت له البشرى والفرح باجتماعها معه. وقالت له: يصلح أن يكون معنا ما يطيب عيشنا وتقر به عيوننا، فقال لها: الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين، وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها فأخذ ما يصلح ورجع فوجدها قد خرجت وذهبت. فهام الرجل بها وأكثر من ذكرها وجعل يمشي في الطرق ويقول:

يا رب قائلةٍ, يوماً وقد تعبت *** أين الطريق إلى حمام منجاب؟

فبينما هو يقول ذلك وإذا بجارية أجابته من طاق:

هلاّ جعلت سريعاً إذ ظفرت بها *** حرزاً على الدار أو قفلاً على الباب؟

فازداد هيمانه واشتد هيجانه ولم يزل كذلك حتى كان هذا البيت آخر كلامه من الدنيا. والعياذ بالله.

 

ما هو النظر المحرم وحكمه مع ذكر الأدلة على ذلك؟:

* والنظر المحرم: هو النظر إلى ما لا يحل النظر إليه.

* والنظر إلى المحرمات والعورات: محرم بالكتاب والسنة والإجماع.

* قال الله - عز وجل -: \" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم... \"، وقال - عز وجل -: \" قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن.. \"، وقال - عز وجل -: \" يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور \". وقال - عز وجل -: \" إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا \"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: \" ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء \"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: \" فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنت بني إسرائيل كانت النساء \"، وعن جرير بن عبد الله - رضي الل

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply