همسة في أذن صاحب المنهج الصوفي !!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أبعث إليك أخي الكريم كلمات من خلجات القلب، بل هي من نبضات الفؤاد.
أبعثها إليك صادقة ناصحة محبة مشفقة مريدة الخير لك..
نعم! أريد الخير لك وليس لأحد سواك.. أنت من أريد بهذه الكلمات..
تأمل معي أخي الكريم هذه الآية!!
قال الله تعالى: ((قُل لا يَعلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ الغَيبَ إِلَّا اللَّهُ )) (1).
لنقف ونتدبر هذه الآية ما معناها وعلام تدل؟

تدل وبكل بساطة أن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فهو يعلم ما كان وما سيكون، وما هو كائن, لو كان كيف كان يكون, ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: ((عَالِمُ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ )) (2).

تدبر معي هذه الآيات من سورة الكهف حينما اختلف الناس في مدة مكث أصحاب الكهف في الغار فرد العلم فيها إلى الله قال الله تعالى: ((قُلِ اللَّهُ أَعلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ ))(3), وتأمل اللام في قوله: (لَهُ غَيبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ) أليست هي لام الملكية.

لاشك أن هذه الآيات واضحة كل الوضوح، بينة كل البيان، في أن الله عالم الغيب والشهادة، سبحانه وتعالى، وهذه قضية واضحة راسخة عند عموم المسلمين، ولكن المسألة المهمة والتي لابد لي ولك - يرعاك الله - أن نتنبه لها ونكون منها على بينة ألا وهي:

هل علم الغيب مختص بالله سبحانه وتعالى أم يشاركه غيره معه.

ولتوضيح هذه المسألة لابد أن نعلم ابتداءً أن الغيب قسمان: (*)

1-الغيب المطلق العام بكل ما كان وما سيكون في هذا العالم، وهذا قد اختص الله بعلمه.

2- غيب مقيد وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض، وامثل لهذا بمثال بسيط: العلم بنتائج الامتحانات يكون قبل إعلانها غيباً بالنسبة للطلبة ومن في حكمهم، ولكنها في الوقت نفسه معروفة عند هيئة التدريس والمصححين، وهذا ليس موضوعنا في هذا المقام.

وإنما مقصودنا في الحديث هو النوع الأول وهو الغيب العام هل يشارك الله فيه أحد؟!

اقرأ معي هذه الآية: ((إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا فِي الأَرحَامِ وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ, تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ))(4) تأمل هذه الآية وتدبرها وانظر فيها علام تدل وما هو معناها؟

إن دلالتها واضحة في اختصاص علم هذه الأمور الخمسة بالله عز وجل.

فعلم الساعة يدل على علم الله المطلق بأمور الآخرة، وذكر الساعة وهي القيامةº لأنه أولها وأقربها إلى الدنيا، وعلم نزول الغيث يدل على العلم بأمور العالم العلوي، وذكر منها المطر وعلم ما في الأرحام فيه إشارة إلى ما يزيد وينقص من خلق الإنسان، أما علم ما في الغد ففيه إشارة إلى أنواع الزمان وما فيه من تقلبات وحوادث، وخص منه ما في الغد لأنه الأقرب إلى المخاطب

أما علم مكان الموت فهو إشارة إلى الجهل بالحوادث الأرضية، فكل هذه الأمور حين تتأملها لابد أن توقن أن علمها مختص بالله لا يشركه فيها أحد.

ألا ترى وضوح الآيات! ألا تتدبر في معانيها وتنظر فيها نظر معتبر متأمل وقد قال الله تعالى: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ)) (5) ربك يرغبك بقوله: (أفلا) أن تتدبر كتابه تتأمل فيهº لأنه هو الهادي إلى سواء السبيل.

تأمل معي هذه الآية! يقول الله تعالى: ((قُل لا أَقُولُ لَكُم عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعلَمُ الغَيبَ وَلا أَقُولُ لَكُم إِنِّي مَلَكٌ إِن أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ))(6).

أتدري من المتحدث إليه بقوله: (قل)؟ إنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خليل الله وسيدنا وحبيبنا، والذي أرواحنا له الفداء، والذي اصطفي من دون الناسº ليكون للعالمين نذيراً نعم! إنه رسول، وهو من يقول: (وَلا أَعلَمُ الغَيبَ).

لماذا لا يعلم الغيب وهو أحب الخلق إلى الله؟ ذلك إن الغيب خاص بالله جل شأنه وتقدست أسمائه.

تأمل معي هذه الآية: ((قُل لا أَملِكُ لِنَفسِي نَفعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السٌّوءُ إِن أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَومٍ, يُؤمِنُونَ ))(7).

تأمل هذه الآيات! هل عقلت معناها؟ إنه رسولنا عليه الصلاة والسلام وهو يوضح ويبين لنا أنه لا يملك نفعاً ولا ضراً ولا يعلم الغيب ولو علمه لاستكثر من الخير، إن هذه الآية موجودة في كتاب الله تتلى ليل نهار، ولكنها تحتاج إلى تأمل وتدبر، ولكن رسل الله قد يطلعهم على بعض الغيب، كما قال الله تعالى: ((مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطلِعَكُم عَلَى الغَيبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجتَبِي مِن رُسُلِهِ مَن يَشَاءُ ))(8).

وقال أيضاً: ((عَالِمُ الغَيبِ فَلا يُظهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارتَضَى مِن رَسُولٍ, فَإِنَّهُ يَسلُكُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ رَصَدًا ))(9).

أخي الحبيب الكلام عن رسل الله الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الله، ومع الاطلاع تجد أنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً.

هل الملائكة يعلمون الغيب؟ تأمل معي هذه الآيات! قال الله تعالى: ((وَإِذ قَالَ رَبٌّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعلَمُ مَا لا تَعلَمُونَ [البقرة:30]* وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُم عَلَى المَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسمَاءِ هَؤُلاءِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ [البقرة:31]^* قَالُوا سُبحَانَكَ لا عِلمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمتَنَا إِنَّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ [البقرة:32]* قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئهُم بِأَسمَائِهِم فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسمَائِهِم قَالَ أَلَم أَقُل لَكُم إِنِّي أَعلَمُ غَيبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَأَعلَمُ مَا تُبدُونَ وَمَا كُنتُم تَكتُمُونَ ))(10) هل قرأت هذه الآيات جيدا علام تدل؟ ما معناها؟ هل وعاها قلبك؟! أنهم ملائكة الله الذين لا يعصون الله ما أمرهم ومع ذلك فالغيب محجوب عنهم!.

اقرأ معي هذه الآيات من قصة يوسف حين ضياعه عن أبيه، قال الله: ((قَالَ بَل سَوَّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَمرًا فَصَبرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأتِيَنِي بِهِم جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنهُم وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابيَضَّت عَينَاهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفتَأُ تَذكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَو تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشكُوا بَثِّي وَحُزنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعلَمُونَ *يَا بَنِيَ اذهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيئَسُوا مِن رَوحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيئَسُ مِن رَوحِ اللَّهِ إِلَّا القَومُ الكَافِرُونَ ))(11), فلو كان يعقوب عليه السلام يعلم الغيب لعلم بمكان يوسف في هذا الوقت الطويل الذي عاشه حزيناً عليه، فملائكة الله وأنبياؤه لا يعلمون الغيب لسبب واحد وهو: أن الغيب خاص بالله عز وجل، قال الله تعالى: ((فَقُل إِنَّمَا الغَيبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِنَ المُنتَظِرِينَ ))(12).

وقال أيضاً: ((وَلِلَّهِ غَيبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلٌّهُ فَاعبُدهُ وَتَوَكَّل عَلَيهِ وَمَا رَبٌّكَ بِغَافِلٍ, عَمَّا تَعمَلُونَ ))(13).

وقال أيضاً: ((وَلِلَّهِ غَيبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا أَمرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمحِ البَصَرِ أَو هُوَ أَقرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ ))(14).

هذه الآيات لا تبقي شكاً في قلب مسلم في أن الغيب لله، هو الذي يصرفه كيفما شاء سبحانه وتعالى، فلا ملك ولا رسول ولا إمام ولا ولي يعلم من الغيب شيئاً، إلا ما كان من الرسلº فإن الله يطلعهم على ما شاء سبحانه وتعالى، أما غيرهم من أولياء أو أئمة أو صالحين فإن الغيب محجوب عنهم، وليس في هذا تنقصاً لهم، وقد قال الله على لسان رسوله: (ولا أعلم الغيب) فعدم معرفة الغيب ليس فيه انتقاص لهم وإنما فيه إيمان بهذه الأدلة المتكاثرة أن الغيب لله.

وأخيراً تأمل هذه الآية الكريمة، قال تعالى: ((وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ, إِلَّا يَعلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ, فِي ظُلُمَاتِ الأَرضِ وَلا رَطبٍ, وَلا يَابِسٍ, إِلَّا فِي كِتَابٍ, مُبِينٍ, * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيلِ وَيَعلَمُ مَا جَرَحتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبعَثُكُم فِيهِ لِيُقضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيهِ مَرجِعُكُم ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ )).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,

محبك في الله
محمد بن شعبان أبو قرن 

-------------------------------
الهوامش:

(1) [النمل:65].
(2) [الرعد:9].
(*) انظر تفصيل المسألة في كلام الشيخ ابن عثيمين من كتاب القول المفيد شرح كتاب التوحيد.
(3) [الكهف:26].
(4) [لقمان:34].
(5) [النساء:82].
(6) [الأنعام:50].
(7) [الأعراف:188].
(8) [آل عمران:179].
(9) [الجن:26-27].
(10) [البقرة30 :33].
(11) [يوسف:83-87].
(12) [يونس:20].
(13) [هود:123].
(14) [النحل:77].
(15) [الأنعام:60].

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply