إدعاء الصوفية لأنساب آل البيت الأصول والمنطلقات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من الصفحات المجهولة في التاريخ الصوفي صفحةٌ بعنوان \" إدعاء بعض الصوفية لأنساب آل البيت \" ؟ و قد يستغرب العنوان لأن المتبادر و المشهور عنهم أنهم قومٌ صالحون و أهل زهد و ورع ..!!
هل يمكن أن يأتي أهل الصلاح بالتزوير في نسب البيت النبوي ؟ و هل في تجارب التاريخ و أحوال الناس ما يؤيد ذلك . لقد أدخل الغلو على قوم أن كذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه وقوله ، وقولوه ما لم يقل ، بدافع الحب ؟ زعموا ! و من الحب ما قتل ! نعم من الحب ما يقتل دعوة الأنبياء ويضعف أثرها في الناس عندما يصرف الناس عن حقيقة الدعوة النبوية للانشغال بالجاهات والمناصب والرئاسات الوهمية ، و هي ما تتقاطع معها الأنساب – خاصة نسب آل البيت في كثير من الأمور - ..
إن الصوفية – كما يشاهد الانسان و يسمع - من أكثر الناس كلاماً عن حب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لكنك إن فتشت عن هذا الحب ، وجدته حب غالٍ, ، لم يأمر الله ولا رسوله صلى الله عليه و على آله وسلم به ، بل هو خارجٌ عن حد الاسلام وسمته ، يجعلهم ذلك الحب الفاسد يهدمون دعوته عليه الصلاة والسلام ، و يقوضون أصول الدعوة الاسلامية عبر التهوين من العلم الشرعي ، و تعظيم الخرافيين ، و تمجيد زوار القبور و سدنتها ، ثم في نهاية المطاف يفسدون بيته بالدخول في النسب الشريف ، فتفسد أنساب الذرية الطاهرة لأجل ولي مجذوب أو درويش مفتون ، يتمنى الأماني الكاذبة و يرى خيالات الشياطين ، فيثبت من خلالها أنساباً للحسن والحسين و لغيرهم من الأولياء والأصفياء ... ، وهلم جرا .. !
إن ادعاء الصوفية لأنساب آل البيت ثمرة من ثمرات العقيدة الفاسدة والحب الغالي ، و الغلو لا يجتمع مع الاعتدال ، و في هذا المقال سنشير إلى منطلقات الصوفية و أصولهم في إدعاء الأنساب ، و شواهد ذلك من كتبهم ومصادرهم ، ليعلم بعد ذلك الانسان طرفاً من قصة القوم ، و يدرك سراً من أسرارهم مع آل البيت ، فقد سرى بخبرهم الركبان .. !!

****

مدخل

صوفي يدعي النسب أمام الحجرة النبوية

\" .. أخبرني شريفٌ حسيني بأنه توجه لحج بيت الله الحرام و زيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام ، لا حرمنا الله وسائر المسلمين من التوجه لتلك البقاع الشريفة المعظمة المطهرة المنيفة ، وصادف الحال في تلك السنة أن سافر بقصد الحج السيد محمد ... ، المدرس بكلية القرويين ، واجتمع الشريف الحسيني المغربي مع أشرقي المذكور بالمدينة المنورة بباب الحجرة النبوية º فالشريف المذكور كان يتكلم مع أحدٍ, بباب الحجرة الشريفة ، و أشرقي المذكور كان يتكلم مع شريف من شرفاء المدينة المنورة ، إذ قال أشرقي للشريف الذي كان يتكلم معه : \" نحن شرفاء أبناء عمكم \" ، و سمعه الشربف الحسيني المغربي ، الذي قال لي :\" والله ما تم كلامه حتى عاقبه الله على قوله ، و مرض ، و سافر من المدينة المنورة إلى هذه الحضرة ، ولا زال بها مريضاً \" [1] !! .
إنها ( المدينة تنفي خبثها ) .

جحافل مضت .. و أخرى تنتظر ، \" و ما بدلوا تبديلاً \"
\" لما جاء القرن السابع كان العالم الاسلامي من أقصاه إلى أقصاه يموج بالصوفية من العلويين و لاسيما في إيران… … \" أهـ[2].
يقول الدكتور كامل الشيبي في \" الصلة بين التصوف والتشيع \" :\" … إننا نجد أن النسب العلوي ينتظم عبدالقادر الجيلاني ، والسيد أحمد الرفاعي ، وبكتاش الولي ، والدسوقي ، والسيد أحمد البدوي ، وأبا الحسن الشاذلي ، والسنوسي ، والمهدي ، وكذلك عبدالوهاب الشعراني .
ويمكن أن نضيف إليهم :
السيد حيدر التوني الموسوي المتوفى سنة 618 هـ ، شيخ الطريقة القلندرية المعروفة [3].
ونعمة الله الولي المتوفى سنة 732 هـ .
وصفي الدين الأردبيلي المتوفى سنة 735هـ . ( من عقبه الصفويون ) .
والسيد علي الهمداني المتوفى سنة 786هـ .
فضل الله الحروفي المقتول سنة 804 هـ .
وخليفته علي الأعلى المتوفى سنة 822 هـ .
وعماد الدين النسيمي المقتول سنة 830هـ أو 837هـ .
ومحمد نور بخش المتوفى سنة 869هـ .
وأستاذه خواجه اسحاق .
وباليم سلطان مجدد الطريقة البكتاشية المتوفى سنة 922 هـ .
وكثيرين غيرهم ، ومن آخرهم عبدالقادر الجزائري القائد المجاهد المشهور ، فلقد كان صوفياً علوياً… \" .أهـ [4].
و العجيب أن كثيراً من العلويين الثابتي النسب لم يكن لهم حظ في التصوف ، ولهذا كانت صحة نسبهم تمنعهم من البدعة ، و ذلك لأنفتهم عن كثير من ترهات الطرقية و مسلكة المريدين !! و لهذا كان بعض الصوفية يستنكر عدم وجود الكرامات -بزعمه - للصوفية من العلويين . يقول د. الشيبي بعد أن عدَّدَ جمعاً من العلويين الذين صاحبوا الصوفية :\" ... إنَّ هذا العدد من العلويين الملتحقين بالتصوف ضئيل إذا قيس بالثائرين منهم والمتفقهين والأئمة ! ( و قد ) زعم عبدالله الهروي (ت481) أنه من بين ألف ومائتي صوفي عرفهم لم يزد عدد العلويين من أصحاب الكرامات منهم على اثنين فقط ، هما : إبراهيم بن سعد ، و حمزة العلوي . و قد روى الهروي أن بعض شيوخ الصوفية كان يقول لمريده العلوي :\" لن تشم رائحة التصوف حتى تخرج من علويتك كلية\" !! \" . أ هـ [5].

****

الأصول والمنطلقات


****

الأصل الأول : الحقيقة المحمدية و وحدة الوجود .
من أهم الأصول و المنطلقات عند الصوفية في هذا الباب ، قولهم بمفهوم الحقيقة المحمدية ، و حديثهم عن الإنسان الكامل ، والفيض النوراني من النبي عليه الصلاة والسلام ، وسريانه الى العالم ، وأنه هيولي العالم ، وقولهم بأنه أبو الروحانيات ، وآدم أبو الجسمانيات . و هي فكرة شيعية الأصل و المنبت . و في هذا يقول ابن عربي :\" … اعلم أيدك الله أن أصل أرواحنا روح محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو أول الآباء روحاً º و آدم أول الآباء جسماً ، ونوح أول الآباء رسولاً … \" أهـ [6] .
إنَّ هذه الفكرة فكرة شيعية قديمة ، و لذا قال بعض المستشرقين : \" الاعتقاد بأزلية الوجود المحمدي قد ظهر مبكراً جداً عند الشيعة \" . و يضيف :\" أنَّ الوجود استمر عند الشيعة يظهر بعد محمد في صورة علي وأهل بيته \" [7].
و لهذا ذهب بعض الباحثين إلى أن ابن عربي :\" … نفذ إلى وحدة الوجود من مثل هذه الأفكار الشيعية التي تجعل أهل بيت النبي كُلاً لا يتجزأ يصدرون جميعاً عن نور النبوة الأزلي ، وقد كان النور المحمدي قديماً في التشيع الغالي ، فجمع ابن عربي فكرة النور وفكرة وحدة آل محمد الروحية والعلمية ، وأسبغها على الناس كافة - نعني بهم السالكين الذين هم من عامة الناس ، ولكنهم يبلغون هذا المقام السامي ، لأن فيهم هذا النور المحمدي - . وقد تنبه ابن عربي أيضاً إلى الحديث القائل :\" سلمان منا أهل البيت \" [8]، وجعل سلمان الفارسي مثلاً يضرب على شمول النورية للناس ، وكون الأمة الاسلامية أهل البيت لا أسرة النبي وحدها … \" أهـ [9].
و إذا كان مبدأ الاتحاد وحدة الوجود يجعل الولي يرى أنه هو \" الله \" و \" الرب \" – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – ، وقولهم في الولاية ، يجعلهم يصلون إلى مرحلة \" النبوة \" ! إذا كان هذا كذلك ، فكيف يستغرب إدعائهم لنسب أحد من الناس كآل البيت أو من سواهم ، أو ليس الوجود واحداً !!
و يوجد لهذا أصل عند ملاحدة الشيعة من الاسماعيلية وغيرهم ، فقد نقل أحمد الكسروي في كتاب\" مشعشعيان \" النصَّ الآتي :\" … الاعتقاد أن علياً الذي كان بجنب النبي هو السرٌّ الدائر في السماء والأرض ، و محمداً صلى الله عليه وسلم كان هو الحجاب بنوع الرسالة ، و الأحد عشر إماماً كانوا هم الملائكة منهم إليه ومنه ، و سلمان من أهل البيت ، والبيت هي الطريقة والمعرفة ، و كل من وصل إلى عرفانه كان سلمان في كل عصر و زمان… \"أهـ[10].
بل يوجد كلام لابن عربي في الفتوحات يظهر منه أن المرء يستطيع أن يكون (( أنصارياً )) ، فها هو ذا يقول :\" … واعلم أن كل من نصر دين الله في أي زمان كان ، فهو من الأنصار ، وهو داخل في حكم هذا الحديث … -يعني حديث : آية الايمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار - \" .أهـ [11]. ومن أقوال الصوفية لمريديهم :\" كن علوي الهمة ، عثماني الحياء ، عمري الفعل ، بكري العمل \" . و لابن عربي مقولة في \" الفتوحات\" ينصح بها أتباعه ، يقول فيها :\"… كن عمري الفعل …\" أهـ[12].
و هو كلامٌ قد يكون لا غبار عليه ، لكن الخطأ إذا كان في الأصول شبراً صار في الأتباع ذراعاً .
ومن مداخلهم لذلك تقريرهم : لمسألة بنوة التبني ، فإن ابن عربي يقرر جوازها . و هي ما تكون بالاصطفاء و المرتبة . و لفظة \"الابن \" هي المنهي عنها عنده[13] . و لهذا يشيع عند المتصوفة لفظة الانتساب إلى شيوخهم و أوليائهم و ما يرادفها ، فيقال في تراجمهم :\" وله انتسب \" ، و \" هو من أولاده \" ، و يعنون بذلك \" مصطلح بنوة التبني \" الذي قرره ابن عربي .
و هم يقرون أنها ليست نسبة نسب وصلب ، و لكنها نسبة روح وكسب ، و هي أعظم من التي قبلها ، فتجوز عندهم الاضافة للشيخ ، أو الولي ، أو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، و من بعدهم ...
أقول : و هذا من أهم أسباب تداخل أنساب المتصوفة ، حتى لا تعلم هل هؤلاء ينتسبون طريقة للولي الصالح والشيخ المجذوب أم أنهم من عقبه و صلبه أم أنهم من خدام حضرته ومن سدنة ضريحه ؟
و في كرامات النبهاني أيضا : \" وقال سيدي حاتم : خدمت سيدي الشيخ ابا السعود عشرين سنة ، و أنا أسأله أن يأخذ عليّ العهد ، فيقول : لست من أولادي ! أنت من أولاد أخي أبي العباس البصير ، سيأتي من ارض المغرب . فلما قدم إلى مصر أرسل سيدي أبو السعود إلى سيدي حاتم ، وقال له : شيخك قدم الليلة ، فاذهب لملاقاته في بولاق ، فأول من اجتمع به من أهل مصر سيدي حاتم ، فلما وضع يده في يده قال : أهلاً بولدي حاتم ، جزى الله أخي أبا السعود خيراً في حفظك إلى أن قدمنا \" ! انتهى[14].
و فيه أيضاً :\" …وكان الشيخ جاكير يقول : ما أخذت العهد قط على مريد حتى رأيت اسمه مكتوباً في اللوح المحفوظ ، و أنه من أولادنا \" [15] !! .
و فيه أيضاً :\" و قال شهاب الدين النشيلي لما رأى الشعراني ، و تعرّف عليه : \" أهلاً يا ابن الشوني ، أيش حالك و حال أبيك ؟! \" قال الشعراني : وكنت لا أعرف قطّ الشوني ! فبعد عشر سنين حصل لي الاجتماع بالشوني ، فأخبرته بقول الشيخ شهاب الدين ، فقال : \" صدق ، أنت ولدي ، و إن شاء الله يحصل لك على أيدينا خير ... \" انتهى[16] .
و اعلم أنَّ هذا الباب مما احتار فيه جماعة من محققي النسابين المعاصرين و فضلائهم ، حتى أني سمعت من بعضهم أنه تحير في أنساب طائفة من الصوفية لسنوات عدة ، كلهم يدعي النسب لرجل واحد ، و هم يطعنون في بعضهم البعض ، و سببه ما قدمناه من قدوم المريدين و المتسلكين إلى زوايا الأولياء والشيوخ بقصد ملازمة الشيخ و الأخذ عنه ، وبعد مدة ، يحصل له الانتساب لطول الملازمة ، و يختلط أمر الذرية الحقيقية للولي بأولاده من جهة بنوة التبني التي قررها ابن عربي .
و هذا ليس من جنس العلم بالنسب ، حتى ينتظم أمرهم ، و يمكن للنساب أن يتتبعه ، بل لابد من العلم بأصول القوم ، و هو من جنس الكلام في الفرق والعقائد و آثارها في الوجود ، فإذا لم ينعم الله على النساب و المؤرخ بفهم أصول القوم ، و إلا أصبح أكثر حيرة من تلك الطوائف التي تطعن في نسب بعضها البعض !
إنَّ تفصيل هذا الأصل فيه طول يخرجنا عن موضوعنا ههنا ، فإنه يليق به تأليف مستقل في معنى الحقيقة المحمدية عند القوم ، يبين فيه ما في هذه الأقوال من المعاني الفلسفية الكفرية ، و توضح فيه آثارها على الاعتقاد و نشوء الفرق ، و نقاط التوافق بين الصوفية و الرافضة ، فضلاً عن أثرها على أنساب آل البيت ، و في قليل الإشارة ما يغني عن كثير العبارة .

****

الأصل الثاني : الرؤى والمنامات
للصوفية اعتقاد معروف في \" الرؤى والمنامات \" ، فهي أحد مصادر المعرفة عندهم . و إذا كان هذا كذلك .. فهل لذلك أثر على الأنساب ؟!
قال الشعراني في طبقاته عن الشيخ البكري :\" ومما يدل على صحة نسبه الى الامام ابي بكر الصديق ما رأيته بمكة المشرفة ، وذلك أن بعض الحسدة ذكر سيدي محمدا بغيبة ، فزجرته عن ذلك فلم ينزجر ، ثم رايت الامام ابابكر الصديق رضي الله عنه وهو يقول: جزاك الله خيرا عن ولدي محمد ، فعلمت صحة نسبه بذلك \" انتهى[17].
و الرؤى كما هو معلوم مصدر من مصادر المعرفة عند المتصوفة ، فلهذا اثبات صحة الأنساب بها يسير !
طامة كبرى
نقل الشيخ عبدالغني النابلسي عن ابن الفارض الصوفي الاتحادي وعن سبطه شارح التآئية ( جامع الديوان ) ، رؤيا أثبت منها النسب الشريف لابن الفارض !
قال عبدالغني النابلسي :\"…قال ابن الفارض : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي : يا عمر ! لمن تنتسب ؟ فقلت : إلى بني سعد يارسول الله ، وهي قبيلة حليمة السعدية مرضعتك يا رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم : لا º بل أنت مني ، أي من ذريتي ، ونسبك متصل بي . فقلت : يا رسول الله إني أحفظ نسبي عن أبي وجدي إلى بني سعد ! فقال صلى الله عليه وسلم : لا ، لا ، ماداً صوته صلى الله عليه وسلم ! : بل أنت مني ، ونسبك متصل بي º أي : من أولاد علي من فاطمة الزهرآء رضي الله عنهم. فقلت : صدقت يا رسول الله مكرراً ذلك القول ثلاث مرات مشيراً إليه صلى الله عليه وسلم بأصبعي . قال جامع هذا الديوان : رأيت ولده المشار إليه واقفاً على قدميه في اليقظة ، وأصابع يديه مبسوطة على ركبتيه من غير انحنآء في ظهره ، بأن كانت يداه طويلتين ، بحيث تصلان إلى ركبتيه . وقال - أي : ولد الشيخ رحمه الله تعالى - :رأيت والدي ، أي : الشيخ عمر بن الفارض رضي الله عنه : واقفاً على قدميه ، وأصابع يديه مبسوطة على ركبتيه مثل وقوفي هذا ، وأشار إلى وقوفه ذلك كذلك . وقال - أي ولد الشيخ ، أو الشيخ -: هذا وصول اليدين الى حد الركبتين من علامات الشرف . قال العارف النابلسي : ولايلزم أن يكون ذلك شرطاً في صحة النسب ، بل هو من علاماته ، كما قال º وقد ورد في الأخبار ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت يداه طويلتين في الحس والمعنى [18] !….\" أهـ .
ثم ساق بعض الروايات في معنى طول يديه . ثم قال :\" … قال جامع هذا الديوان سبط الشيخ : النسبة الشريفة التي أرادها صلى الله عليه وسلم بقوله للشيخ عمر في المنام : \"بل أنت مني ، ونسبك متصل بي \" : إما أن تكون نسبته الأهلية بأن يكون من ذرية فاطمة التي هي ذرية النبي صلى الله عليه وسلم . قال العارف النابلسي : وهو الظاهر المتبادر من الكلام ، وإن لم يكن ثابتاً في الظاهر ، وكان الثابت غيره ، لأنه لما كان المعتبر في الشرع ثبوت النسب بالبينة واختلاف الأزمان بقتضي اختلاف الناس في طبآئعهم ، وعاداتهم وأغراضهم وقاصدهم ، فقد يضعف بعض الذرية عن إقامة البينة ، وقد تمتنع الشهود عن أدآئها لخوف أو لطمع ، وقد يعد الحاكم ، وقد يظلم ، ، وقد ينتسب بعض الذرية إلى غير نسبه لجهله بنسبه ، أو لغرض من الأغراض فيكون قول النبي صلى الله عليه وسلم هو الصحيح على خلاف ما هو في ظاهر الحال ، وإن لم تكن هذه الرؤية المنامية موجبة لحكم من الأحكام الشرعية . قال سبطه : أو تكون تلك النسبة نسبة المحبة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، والنسبة التي هي عند أهل المحبة أشرف قدراً واعتباراً من نسب الأبوة التي كانت منها الولادة º وهي التي جعلت بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي من أهل البيت …\" أهـ . ثم ساق النابلسي شيئاً من الأحاديث التي تؤيد المعنى الثاني هذا كحديث :\" آل محمد كل تقي \" ، ونحوه .
ثمّ قال :\" … وإلى هذا النسب الشريف الذي هو نسب المحبة أشار شيخنا يعني الشيخ عمر رضي الله عنه في القصيدة اليآئية التي قافيتها اليآء المثناة التحتية ، حيث قال :
نسبٌ أقربُ في شرع الهوى بيننا من نسب من أبوي
قلت -أي جامع هذا الديوان سبط الشيخ عمر - : بطريق المناسبة في اعتبار نسب المحبة نظير واقعة الشيخ عمر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ورأيت في المنام كأنني في الحضرة الشريفة المحمدية ، وكأنّ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة كثيرة من الأنبيآء والأوليآء ، وكأنّ الشريف شمس الدين الأيكي نقيب الأشراف ، وقاضي العساكر المنصورة -توفي بدمشق في شهر رمضان سنة سبع وتسعين وستمائة - مع الجماعة في الحضرة الشريفة ، ولم أعرف أحداً منهم بصورته سواه º وكأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإثبات نسبة الشيخ صبيح الحبشي إليه º أي : إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ورأيت رجلاً في المجلس معه المكتوب الذي يشهد فيه بالنسبة الشريفة المحمدية ، وهو يدور على الحاضرين في ذلك المجلس يأخذ خطوطهم فيه º فلما وصل إليّ ناولني المكتوب ، وقال لي : اكتب . فقلت له : أنا مارأيت الشيخ صبيح ، و لا عاصرته ، و لا أعرف نسبته ، وإنما رأيت أولاده ، وهم أصحابي . فصرخ عليّ صرخة عظيمة ، وجدت لها رعباً عظيماً º وقال لي : اكتب كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُكتَبَ ! فقلت : وكيف أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب ؟ فقال : اكتب :\" أشهد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم متصل النسب بالشيخ صبيح \" . قال النابلسي : فكتب كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب ، والشيخ صبيح المذكور لم يعرف أحد أنه من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ أنه كان رجلاً من الصالحين الكاملين كما وقع للشيخ عمر رضي الله عنهما ، فلعلهما في حقهما نسبة الأهلية ، أو نسبة المحبة كما سبق بيانه \" انتهى [19].
تأمل العبارة السالفة : \" الرسول صلى الله عليه وسلم متصل النسب بالشيخ صبيح \" ! سبحان الله ! النبي صلى الله عليه وسلم متصل النسب بحضرة سِي السيد الشيخ صبيح لا أن الشيخ صبيح الحبشي المولى متصل النسب بالنبي عليه الصلاة والسلام ؟!
ما عهدنا في تاريخ الأشراف و السادة الأكارم إلا أنهم يجعلون اسم \" صبيح \" و أمثاله للعبيد و الموالي ، ... ، إيهٍ, ... \" إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه \" !
و هذا الكلام الذي تقشعر منه جلود الذين آمنوا ، و تتقزز منه النفوس ، ينقله النبهاني الصوفي ، دون أن يعلق عليه بما يوجبه الشرع ، و هو المتيم بحب النبي صلى الله عليه وسلم و حب أهل بيته ، أوَ لم يؤلف \" الشرف المؤبد \" ؟
إذا تعارض حب دراويش الصوفية و خيالات المجاذيب و البلهى مع حب آل بيت النبوة قدم البلهى والمجاذيب عند الترجيح ! و لو كان هناك قليلٌ من الغيرة على \" بيت النبوة \" لرد على تلك الطوام ، كيف و هو القاضي الذي يفصل بين الخصوم ويرد على المبطلين دهراً طويلاً ! نعم لو كان تعرض أحدٌ للصوفية و للدجاجلة ، كما فعل الإمام محمد عبده التركماني بمصر ، لأخرجه النبهاني من دائرة الاسلام كما فعل حين اتهمه بترك الصلاة ؟!!

****

الأصل الثالث : الكشف !
يثبت بعضهم أمر النسب أحياناً من جهة الكشف ، وإذا علم أن الكشف من مصادر المعرفة عند الصوفية ، هان الأمر . و الكشف في أقرب معانيه التي يمكن مخاطبة القراء بها ، هو : \" الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الخفية ، وجوداً أو شهوداً\" .
مساكين هؤلاء النسابين ، أضاعوا أعمارهم في غير طائل من الأمر ، هذا أبو العباس المرسي يقول : \" والله الذي لا إله إلا هو ما من ولي لله كان أو هو كائن إلا وقد أطلعني الله عليه و على اسمه و نسبه ، وكم حظه من الله تعالى \" [20].
عجيب صوفي و نسابة ! عهدنا و عهد الجميع بالصوفي أنه ينهى عن \" الفقه \" ، و \" العلم \" ، و لا يجوز لمريديه حضور مجالس \" الفقهاء \" ... و لو علم أصحاب \" الشجرات \" و \" أعمدة النسب \" المساكين لحاولوا أن يكشفوا أو يُكشف لهم من أجل أن يتعلموا الأنساب .. و يرتاحوا ويريحوا ..!
العادة الجارية أن الكشف و الذوق والمواجيد القلبية كلها راجعة إلى اعتقاد الانسان ، و حبه أو بغضه للشيء الذي يفكر فيه . وذلك أن كل نفس متحركة طالبة لمحابها ولذاتها ، فما لاح في قلبه من الاعتقادات أو الكشوفات أو المواجيد ونحوها ، رأى صدقه في حياته إما بصوت يظن أنه يسمعه بأذنه ، أو بتردده في داخل نفسه ، أو بخيال يظن أنه يراه بعينه ، أو يتأمل مبناه في نفسه .
 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] تحفة الأكياس للكتاني (2/293 ) .
[2] الصلة بين التصوف والتشيع (2/294 ) .
[3] انظر في التعريف بها : التذكرة التيمورية (330-332) . و الفتاوى (35/ 163- 166 ) .
[4] الصلة بين التصوف والتشيع ( 1/ 475 ) .
[5] الصلة بين التصوف والتشيع (2/64-65 ) .
[6] الفتوحات المكية : بواسطة جواهر البحار للنبهاني ( 1 /131 ) ، و انظر : عبدالكريم الجيلي في \" الجواهر \" و كلامه في هذا المعنى : ( 1/ 259 ) ، ( 1/ 267 ) .
[7] في التصوف الاسلامي ص116 لنيكلسون ، بواسطة : الصلة بين التصوف والتشيع ( 2 / 485 ) .
[8] رواه الطبراني في المعجم الكبير والحاكم عن عمرو بن عوف . وقد جزم الحافظ الذهبي بضعف سنده . قال الهيثمي :\" فيه عند الطبراني كثير بن عبدالله المزني ، ضعفه الجمهور ، وبقية رجاله ثقات \" . وقال العجلوني في كشف الخفاء :\" وسنده ضعيف \" انظر ( 1/460 ) . وقال الألباني :\" قد صح موقوفاً على علي رضي الله عنه \" وضعف رحمه الله تعالى رواية الرفع بقوله :\" ضعيف جدا \" . انظر : ضعيف الجامع ( 3272) .
وقد ورد في معنى حديث سلمان هذا : حديث مروي عن علي رضي الله عنه يرفعه ، قال :\" جرير بن عبدالله منَّا أهل البيت ظهرٌ لبطن \" ، رواه الطبراني وابن عدي . قال الذهبي :\" هذا منكر ، وصوابه من قول علي \" . سير الأعلام 2 /534 . وقال الألباني :\" ضعيف \" . انظر : ضعيف الجامع رقم 2627 . والضعيفة 1207 .
[9] الصلة بين التصوف والتشيع ( 1/ 406 ) . ط: 3 . للدكتور كامل مصطفى الشيبي . وانظر فيه أيضاً : 1/ 380- 382 .
[10] بواسطة : الصلة بين التصوف والتشيع ( 2 / 274 ) حاشية رقم (2) .
[11] الفتوحات المكية (4/467)
[12] الفتوحات المكية ( 4/ 465) .
[13] انظر : الفتوحات المكية (4/437-438) ط: صادر ،بيروت .
[14] كرامات الاولياء (1/500-501)
[15] كرامات الاولياء (2/4)
[16] كرامات الاولياء (2/124)
[17] انظر: كرامات الاولياء للنبهاني (1/316)
[18] ومن طرائف هذا الباب أنهم ذكروا في ترجمة الشيخ عبدالقادر الجيلاني : أن الذباب لا يصيبه ، و راثة من جده المصطفى صلى الله عليه وسلم ! فهذا من علامات الشرف عندهم مثل طول اليدين ! ( انظر : طبقات المناوي 1 /678 ) . و هذا من جملة الكذب على الولي الصالح الفقيه عبدالقادر الجيلاني الحنبلي رحمه الله تعالى .
[19] جواهر البحار للنبهاني ( 3/283-285)
[20] لطائف المنن لابن عطاء ( 55 ) .
 



الأصل الرابع : كسب النسب .. !!
دعك من كسب الأشعري .. فههنا كسب الصوفية !
وجد عند طوآئف من المتصوفة إثبات النسب النبوي للمرء كسباً بدون أن يكون له نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محقق ، ويمكن أن يفسر ذلك بتتبع كلامهم والنظر في اعتقادهم . من مداخلهم في هذا الشأن : القول بالنسب البدني والنسب الروحاني . أو ما يعبر عنه أحياناً : بالأبوة الدينية والأبوة الطينية . و قد يقال : \" ولادة الصلب \" ، و \" ولادة القلب \" .
هذا المقام مما يحتاج إلى تفصيل ، و تلك العبارات تحتمل معنيين : فإن أريد بالأبوة الدينية أو ولادة القلب حمله لنسب شيخه فهذا قول باطل ، و ينهى عن هذه التسمية و أشباهها ، و إن أراد أثر التربية والهدى الذي حصله على يديه وما نفعه الله به ، فهذا لا بأس به و لا حرج فيه .
و قد توارد على امثال هذه العبارات جمعٌ من أهل العلم ، و هي من أصول الأدب والرعاية و الأخذ عن المشايخ و أهل العلم ، خاصة من كان له مزيد اختصاص بشيخ أو عالم . و ربما استشهد للمعنى الثاني بقوله تعالى :\" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم \" وفي قرآءة شاذة :\" وهو أب لهم \" . و ورد في حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :\" إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ، فإذا أتى أحدكم الغائط ، فلا يستقبل القبلة و لايستدبرها ، و لا يستطيب بيمينه ، وكان يأمر بثلاثة أحجار ، وينهى عن الروث والرمة \" رواه أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجة[1] .
و القوم في اكتساب النسب على وجهين :
الأول : أن يكون الأخذ مباشرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مشهور في طريقة القوم ، فيحمله ذلك على الانتساب إليه . و قد ساق النبهاني في ضمن كرامات الامير الشهير عبدالقادر الجزائري أنه قال :\"…لما بلغت المدينة طيبة ، وقفت تجاه الوجه الشريف بعد السلام عليه صلى الله عليه وسلم ، وعلى صاحبيه الذين شرفهم الله تعالى بمصاحبته حياة وبرزخا º وقلت : يارسول الله عبدك ببابك ، يارسول الله كلبك بأعتابك ، يارسول الله نظرة منك تغنيني ، يارسول الله عطفة منك تكفيني ، فسمعته صلى الله عليه وسلم يقول لي : \" أنت ولدي ، ومقبول عندي بهذه السجعة المباركة \" . وما عرفت هل المراد ولادة الصلب أو ولادة القلب ، والأمل من فضل الله انهما مرادان معا ، فحمدت الله تعالى ! \" انتهى[2] .
و الأمير عبدالقادر الجزائري يساق نسبه على الوجه التالي : \" عبدالقادر بن محي الدين بن المصطفى بن محمد بن أحمد بن المختار بن عبدالقادر بن أحمد المختار بن عبدالقادر -المعروف بـ\"خدة \" محشي صغرى السنوسي - بن أحمد القديم بن عبدالقادر بن محمد بن محمد بن عبدالقوي بن عبدالرزاق بن بن عبدالقادر الجيلاني … \" ، و قد أورد الأمير محمد هذا النسب في كتابه :\" تحفة الزائر في مآثر الأمير عبدالقادر وأخبار الجزائر \"[3] .
و قد ذكر في ذلك الكتاب وغيره للأمير عبدالقادر سلسلتان من جهة الأطراف تنص عمود نسبه إلى الحسن والحسين ، وقد اعتمد إحداهما صاحب كتاب \" ملتقى الأطراف \" ، على أنها عمود نسب الأمير عبدالقادر المزعوم ، وهو واهمٌ في ذلك ، حيث أورد أن نسبه كالآتي ، قال :\" هو الأمير عبدالقادر بن محي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبدالقادر بن احمد المختار بن عبدالقادر بن احمد ابن محمد ابن عبدالقوي بن خالد بن يوسف بن احمد بن بشار بن محمد بن مسعود بن طاوس بن يعقوب بن عبدالقوي بن أحمد بن محمد بن ادريس الأصغر بن ادريس بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط \" [4] .
و للأمير عبدالقادر الجزائري شجرة نسب تضمنت عمود نسبه وبيان أحفاده [5] .
و الأمير عبدالقادر الجزآئري هذا من ألد أعدآء دعوة شيخ الاسلام ابن تيمية . قال الشيخ الجليل محمد نصيف :\" أقول انا محمد نصيف بن حسين بن عمر نصيف : سألت الس

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply