تهافت الصوفية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فنحمد الله سبحانه وتعالى على وضوح حججه ، وجلاء آياته ، وصدق وعده ، وعظيم منته بالهداية إلى السنة والتوحيد .

أخي القارئ الكريم : إن الناظر إلى سائر السبل المتهافتة على مرّ التاريخ يجد أنها من الحجج عقيمة ، وقواها هزيلة سقيمة ، حجتهم : الحجة الملعونة في القرآن بالاحتجاج بدين الآباء والمشايخ ! ، ينازلهم الموحد السنّي بآيات القران ، وصحاح السنة ، وهم ينازلونه بخطرات أشياخهم ، وزلات من لا عصمة له ، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ؟ .

ذهب الرجال وحال دون مجالهم ******* زمرٌ من الأوباشِ والأنذالِ
زعموا بأنهمُ على آثارهم ******* ساروا ولكن سيرة البطالِ
لبسوا الدلوق مرقعاً وتقشفوا ******* كتقشفِ الأقطاب والأبدالِ
قطعوا طريق السالكين وغوّروا ****** سبل الهدى بجهالة وضلالِ
عمروا ظواهرهم بأثواب التقى ******* وحشوا بواطنهم من الأدغالِ
إن قلت : قال الله قال رسوله ****** همزوك همز المنكرِ المتغالي
أو قلت : قد قال الصحابة والأُولى ******* تبعوهم في القول والأعمال
أو قلت : قال الشافعي وأحمدٌ ******* وأبو حنيفة والإمام العالي
أو قلت : قال صحابهم من بعدهم ****** فالكلّ عندهمُ كشبهِ خيالِ
ويقول : قلبي قال لي عن سرّهِ ****** عن سرِّ سرّي عن صفا أحوالي !
عن حضرتي عن فكرتي عن خلوتي ******* عن شاهدي عن واردي عن حالي
عن صفوِ وقتي عن حقيقة مشهدي ******* عن سرّ ذاتي عن صفاتِ فعالي !
دعوى إذا حققتها ألفيتها ***** ألقاب زورٍ, لفّقت بمحالِ
تركوا الحقائق والشرائع واقتدوا ******* بظواهر الجهالِ والضلاّلِ
جعلوا المرا فتحاً وألفاظ الخنا ***** شطَحاً وصالوا صولة الإدلالِ
نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم ***** نبذ المسافر فضلة الآكالِ !

نعم ، هذا هو وثن التصوف ، وآلهة الزندقة ، ودين الأوباش ، تنكبوا عن كتاب الله تعالى ، وعن فهم معانيه ، وعن إتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ! ، وعمدوا إلى توحيد ( ابن عربي ) و قصائد ( التلمساني ) وخزعبلات ( إخوان الصفا ) .

هذا هو وثن التصوف الذي أباد من قلوب البشر عدداً لا يحصيهم إلاّ الله : ( وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلٌّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ) (الأعراف:179) .

هذا هو وثن التصوف الذي أعمى بصائرهم ، وجعل في آذانهم وقرا ، وصدهم عن دين الله تعالى ، حتى رقت قلوبهم بذكر البدوي والجيلاني والعيدروس ، وتفرق عند ذكر توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة : ( وَجَعَلنَا عَلَى قُلُوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِم وَقراً وَإِذَا ذَكَرتَ رَبَّكَ فِي القُرآنِ وَحدَهُ وَلَّوا عَلَى أَدبَارِهِم نُفُوراً) (الإسراء:46) .

وقال سبحانه : ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحدَهُ اشمَأَزَّت قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُم يَستَبشِرُونَ) (الزمر:45) .

فتكبروا على الله ورسوله ، وبطروا الحق ، وأعرضوا عن سبيل الهدى ، فأعقبهم الله نفاقاً في قلوبهم ، قال تعالى : ( سَأَصرِفُ عَن آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَإِن يَرَوا كُلَّ آيَةٍ, لا يُؤمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الرٌّشدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنهَا غَافِلِينَ) (الأعراف:146) .

فأقسمت بالذي لا يحلف بغيره ، ولا يملك مخلوق التصرف في ملكه و شرّه وخيره ، أن أبذل قوتي ، وطاقتي ، وحجتي ، ومهجتي ، ولذة نومي ، وأنسي بأهلي : في قتالي لأهل البدعة والغواية ، وألحق بهم أشد النكاية ، ولن أبقي لهم وارده ، ولن أدع منهم شارده ، ولو علمت أن عضوا من جسدي لان لهم ، أو أحبهم : بترته ، وتخليت عنه ! .

كيف لا ؟! ، وهم يشركون بالله العظيم ، و تلطخوا بأقوال وعقائد الذنب الوخيم ، وألحقوا بالله المذمة ، وجعلوا معه آلهة أخرى : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجنِ أَأَربَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ) (يوسف:39) . وقال تعالى : ( لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَرشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء:22) .

فتالله لأكيدن أصنامكم وأوثانكم وأربابكم وأئمتكم حتى تولوا مدبرين .

إن ( وثن التصوف ) قد حطمه قبلنا أئمة التوحيد من النبيين والمرسلين ، فقد خرجوا على أقوام يتعبدون لله تعالى بصنوف العبادات ، وتتقطع أوصالهم رهبة وخشية !! ، ولكنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ! : ( وَرَهبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبنَاهَا عَلَيهِم إِلَّا ابتِغَاءَ رِضوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا )(الحديد: من الآية27) ، وقال سبحانه : ( هَل أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَومَئِذٍ, خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصلَى نَاراً حَامِيَةً) (الغاشية:1-4) .

فقامت كتائب التوحيد بالجهاد بالسيف والسنان ، والحجة والبيان ، بين إبراهيم ونوح وعيسى وموسى ومحمد وسائر المرسلين عليهم أفضل الصلاة وأتمّ التسليم ، وبين ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ! .

وهاهي كتائب التوحيد على مرّ التاريخ ، تستن بسنة الموحدين ، وتسير على طريقة المرسلين ، وتهدم أوثانهم ، ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِه )(الأنعام: من الآية90) .

ففرق بين من أحيا سنة الأنبياء والمرسلين ، وعظّم الله ، و وحده ، وكفر بجميع ما يعبد من دون الله ، وبين من أحيوا سنة أبي جهل وأبي لهب ، وجددوا ملة عمرو بن لحي الخزاعي ! ورفعوا معالم ( اللات ) و ( العزى ) و ( ذي الخلصة ! ) و زادوا ( قبة البدوي ) و ( مشهد العيدروس ) و ( كعبة هود ! ) و ( مشاهد تريم ! ) وبنوا فوقها المشاهد ، والمساجد ! ، ( قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرِينَ أَعمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعاً) (الكهف:103- 104) ، ( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلٌّ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ فَلا تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَرَاتٍ, إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصنَعُونَ) (فاطر:8) .

وإني في ( السرية الثانية ) سوف أذكر بعض ( شركيات الملحدِ المفتَرِي عَلِيٍّ, الجَفَرِي ) ، وأبين خطأ المغرورين ، وغاية تهافت الهمج الرعاع خلف من سحرهم ( بابتسامته ! ) و جذبهم ( برقة أسلوبه ) وأسر قلوبهم بدعوى ( محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ! ) ، قال تعالى : ( وَإِذَا رَأَيتَهُم تُعجِبُكَ أَجسَامُهُم وَإِن يَقُولُوا تَسمَع لِقَولِهِم كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ, عَلَيهِم هُمُ العَدُوٌّ فَاحذَرهُم قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤفَكُونَ) (المنافقون:4) .

فقد جمعت من مقالاته المقروءة والمسموعة ما يوجب ضلاله ، ويثبت ردته إن صح له إسلام أصلا ! ، فعامة ( جيل التصوف ) ينشأ في تصوفه وليدا ، ويهرم فيه ، ويظن أن على الهدى وهو من الهالكين ! ، حتى إن عالم صنعاء محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني حكم أن مشركي زمانه كفاراً أصليين !! ، وهم كذلك ، ومجرد نطقهم بالشهادتين لا يغني عنهم شيئاً ، فقد كان كفار قريش يلبّون بالتوحيد ، وينطقون بالشهادة ثم يفسدونها بإشراك آلهتهم ! ، ويقولون : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك ! ) ، ويطوفون حول البيت الحرام ، ويقصدونه بالحج والعمرة ، ويطوفون بين الصفا والمروة ! ، بل ويدعون الله وحده وقت الشدة والكربات ، ومع ذلك ما صح لهم دين ، ولا ثبت لهم إسلام ، ولا تم لهم توحيد ، وهم كفار من جثى جهنم ! ، فكيف يصح لمن نشأ وترعرع وأدركه الهرم أو الموت وهو يعكف على قبور الأولياء ، ويتقدم لها بالنذور والقرابين ، ويتمسح بها ، ويطوف حولها ، ويعتقد أنهم يتصرفون في ملكوت الله تعالى ، ويعلمون ما استأثر الله بعلمه ، ويُحيون ويُميتون ، وبهم تكشف الكربات ، ومنهم تطلب الحاجات ، وتخبت قلوبهم عند آلهتهم أكثر من إخباتهم بين يدي الله ، وتشرق ألسنتهم بذكرهم أكثر من ذكرهم لله ! ، فأي إسلام يصح لهؤلاء ، وأي دين لهم ؟! .

وموعدنا جميعاً في ( السرية الثانية ) .

والله الموفق .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply