الوقف الإسلامي ودوره في التنمية الاجتماعية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

- قال - تعالى -: <يا أيّها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة> البقرة 254.

- وقال - عز وجل -: <يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض> البقرة 267.

أما الأدلة من السنة النبوية فهي كثيرة متنوعة:

- عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» أخرجه مسلم.

- وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من احتبس فرساً في سبل الله إيمانا وتصديقاً لوعد الله كان شبعه وريّه وبوله وروثه حسنات في ميزانه» أخرجه النسائي.

وقد أجمع الخلفاء وسائر الصحابة على مشروعية الوقف، فقد أوقف الصحابة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد (رضي الله عنهم جميعاً)، وتتابعت الأوقاف من قبل الصحابة والصحابيات ومن ثم التابعين، فقد توسعت الأوقاف في عهد الخلافة الأموية، ثم استمر نموها في عهد الخلافة العباسية وكذلك زمن الزنكيين والأيوبيين حتى الخلافة العثمانية ووقتنا الحاضر.

أسهم الوقف في تحصين المجتمع من الداخل ووفر له إمكانات التطلع إلى تطوير نفسه. وكان للوقف آثاره الاجتماعية في مختلف الميادين، وقد تنوعت القضايا التي أسهم الوقف في التخفيف من سلبياتها أو معالجتها كلياً بحسب الأماكن والأزمات التي تواجد فيها، وقد شكل على مرّ العصور عنصراً ثابتاً في معالجة هموم اجتماعية كثيرة.

وقام الوقف بدور الرعاية الاجتماعية في ميادين مختلفة وصور متنوعة، شملت نواحي عديدة، وأظهرت المدى الذي يشمله الوقف، حتى خطى نواحي لم تكن في الحسبان. ومن الأمثلة على ذلك:

- وقف الخبز المجاني: وهو وقف يوزع الخبز، فيأتي إلى الدكان كل من ليس عنده خبز يومه، فيأخذ حاجته من الخبز وينصرف دون سؤال أو إذلال.

- وقف النساء الغاضبات: وهو وقف يقوم على رعاية النساء اللاتي طلِّقن أو هجرن، حتى يتزوجن أو يرجعن إلى أزواجهن.

- وقف الثياب: وهو وقف ينفق ريعه لكسوة العرايا والمقلين وستر عورات الضعفاء والعاجزين.

- وقف إيواء الغرباء: وهو يقوم على توفير الطعام والشراب للغرباء وكذلك توفير الأمن النفسي لهم.

- وقف الحليب: وكان من ميراث صلاح الدين الأيوبي، فقد جعل في أحد أبواب القلعة الباقية إلى الآن في دمشق ميزاباً يسيل منه الحليب وميزاباً آخر يسيل منه الماء المذاب فيه السكر، تأتي إليه الأمهات يومين من كل أسبوع ليأخذن لأطفالهن وأولادهن ما يحتاجون إليه من الحليب والسكر.

وأوقاف أخرى كثيرة مثل: وقف المقابر، وقف وفاء الديون، وقف مساعدة أهل الكتاب، وقف تزويج المكفوفين، وقف تزويج الفقيرات، وقف تبديل الأواني المكسورة.

 

ويمكن للوقف أن يشارك في تحقيق التنمية الاجتماعية من خلال العديد من العناصر:

 

- الوقف أحد عناصر التكافل الاجتماعي: يشترك مع الصدقات والوصية والكفارات والنذور ونفقات الأقارب في عملية التكافل، لأنه المجال المتروك للأفراد. كل على قدر طاقته والإسلام حريص على ألاَّ يكل الأمر كله للدولة، بل ترك للأفراد مجالاً يبذلون فيه أموالهم، ويساهمون في حماية مجتمعهم.

- الوقف يحقق الكفاية في إشباع الحاجات للأجيال القادمة، ذلك أن الوقف الخيري يتميز بالاستمرار. ويختلف عن الصدقة بأن منفعته تتسم بالثبات والدوام. وهي صفة يتفرد بها الوقف.

- الوقف يشارك في نشر روح التعاون والمحبة بين الناس، فقد كان لانتشار الأوقاف الخيرية والمنافع العامة دور في غرس أخلاق الاعتدال والمحبة والرحمة في المجتمع. وأن تختفي المشاعر والأمراض النفسية المتمثلة في الأنانية والبخل والشح بالنسبة للواقفين والكراهية والحسد بالنسبة للمستضعفين.

- المشاركة في القضاء على الفقر، وذلك من خلال توفير الحاجات الأساسية للفقراء والمساكين والمشردين عبر تقديم العون ورفع مستواهم الصحي والتعليمي والمعيشي.

- إسهام الوقف في العدالة الاجتماعية: إن مشاركة المسلمين في إيجاد الأوقاف من خلال ما تجود به أنفسهم، فضلاً عن مشاركة المسئولين وأصحاب المراكز والتجار في بناء أوقاف تذكر بأسمائهم وتسهم في تطوير مناطقهم، وبذلك أثبتت التجربة الإسلامية أن المؤسسات التي أقامها هؤلاء لم تعد ملكاً للدولة أو الأمراء أو السلاطين، إنما أصبحت ملكاً للأمة.

- الوقف مؤسسة اجتماعية: ارتبط مفهوم الوقف بالخير والمنفعة للمجتمع، فهناك الكثير من الصدقات أو التبرعات التي يقوم بها الأفراد رعاية لشؤون الناس ومساعدة لهم في مختلف مجالات الحياة. إلا أن الكثير من هذه الأعمال لا تتكرر ولا يتابع صاحب الحاجة في حاجته أو شأنه وترتبط هذه الأفعال بشخص أو أكثر وتنتهي بغيابهم.

- الوقف يخفف من الأعباء الاجتماعية للدولة: إن الأنشطة التي تعالجها الدولة أصبحت متعددة، بحيث ترهق كاهلها، وخاصة من الناحية الاجتماعية. فالدولة في هذا العصر أصبحت تحتاج الى أموال طائلة للرعاية الاجتماعية، وأن دخل هذه الدولة في أكثر الأحيان لا يفي بهذا الغرض.

 

- الرعاية الاجتماعية للوقف تسهم في العملية الإنتاجية، فالوقف بما يقدمه لدفع الضرر عن الضعفاء، ورعاية الأيتام والمعاقين والمسنين، وإنشاء الملاجئ والمستشفيات والمدارس وكفالة من يعجز بصفة مؤقتة أو عارضة ومن توفير حدّ الكفاية له ولمن يعول، فيرفع الإحساس باختفاء الأمن والكفاية مما يسهم في التخفيف من الآثار السيئة لهذه الظروف.

- الوقف ودوره في السلام الاجتماعي: فقد كان للوقف، من خلال ما تقدمه مؤسساته، دور في إرساء السلام الاجتماعي، فمع هذه المنشآت (تكايا، زوايا، أربطة...) التي كانت تقدم الوجبات المجانية للمحتاجين في المدن والقرى بالإضافة إلى الخدمات الأخرى المجانية التي تقدمها منشآت الوقف التعليمية والصحية.

- الوقف نشاط اجتماعي متميّز: يعتبر الوقف من المواد الاختيارية في تحقيق التوزيع التوازني. وهو خطوة مكملة للموارد الإلزامية، وهو يشجع في النفس الإنسانية حبها للعطاء حتى يتحقق الإشباع لهذا الجانب النفسي في الإنسان، وإن جعل هذه المرحلة اختيارية يتوافق مع ضجر النفس الإنسانية من الإلزام، حتى ولو كان في الخير.

- عدم التحيز في توزيع المنافع والموارد: فالرعاية التي تغطيها مصاريف الضمان الاجتماعي في الأنظمة والاقتصادات الوضعيّة: تتجه أساساً إلى الفئات العاملة التي ترتبط مباشرة بالعملية الإنتاجية، أما في نظام الوقف فقد امتد عدم التحيز ليشمل فئات واسعة من الناس، فقد استطاعت الأوقاف أن تشكل الضمانات التي أدّت إلى تطور المجتمع في الدولة الإسلامية بكافة عناصره الإسلامية والمسيحية وغيرها، لأن واردات الأوقاف كانت تصرف أحياناً على المسلمين وعلى سواهم من غير دينهم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply