زكاة الأسهم المتعثرة


 بسم الله الرحمن الرحيم 

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:

فإن من أهم ما ينبغي أن تجرَّد لها الأقلام والمحابر، وأن تستنهض لها همم الباحثين في مجال الفقه، هو استقراء المسائل النازلة، واستنباط الأحكام الشرعية المناسبة لها من عموم أدلة الكتاب والسنة، أو من القواعد الشرعية، والمقاصد الكلية، مع محاولة استنتاج هذا الحكم من كلام أهل العلم بواسطة التخريج والقياس، وبهذا يمكن أن نسدَّ ثغرة في هذا المجال المهم من مجالات العلم الشرعي.

هذا، وإن من المسائل النازلة في هذا العصر المتاجرة والاستثمار في الأسهم عبر الشركات المحلية وغيرها. وقد كتب في هذه النازلة العديد من الكتب والرسائل العلمية.

وفي الآونة الأخيرة قامت كثير من المساهمات عبر ما يسمى بشركات توظيف الأموال، مما أدى إلى وقوع التعثر في مساهمات عديدة، لسببٍ, أو لآخر، وهنا وقع الكثير من المشكلات، ومنها ما أشكل على كثير من المساهمين، وهو مدى وجوب الزكاة في هذه الأسهم المتعثرة، وحيث لم أقف على بحث خاص بهذه المسألة، فقد عقدت العزم مستعيناً بالله وحده على هذه المهمة، ووضعت لهذا البحث المخطط الآتي:

أولاً: التمهيد، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: التعريف بمفردات عنوان البحث.

المبحث الثاني: حكم زكاة الأسهم (غير المتعثرة).

ثانياً: موضوع البحث (زكاة الأسهم المتعثرة)، وفيه فصلان:

الفصل الأول: حقيقة الأسهم المتعثرة.

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: واقع الأسهم المتعثرة.

المبحث الثاني: أسباب تعثر الأسهم.

المبحث الثالث: مدى اعتبار القيمة السوقية للأسهم المتعثرة.

الفصل الثاني: حكم زكاة الأسهم المتعثرة.

وفيه تمهيد، ومبحثان:

المبحث الأول: التخريج على زكاة دين المعسر، والمماطل.

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: مفهوم الإعسار، والمماطلة.

المطلب الثاني: حكم زكاة دين المعسر، والمماطل.

المطلب الثالث: التخريج.

المبحث الثاني: التخريج على زكاة المال الضِّمار.

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: مفهوم المال الضِّمار.

المطلب الثاني: حكم زكاة المال الضِّمار.

المطلب الثالث: التخريج.

الخاتمة.

وبالله التوفيق.

 

 

التمهيــــــــــــــــد

 

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: التعريف بمفردات العنوان:

أما الزكاة، فهي في اللغة: من الزَّكاء، وهو النماء والزيادة، يقال: زكا الزرع والأرض، تزكو، زُكُوَّاً. وسُمِّي القدر المخرج من المال زكاةًº لأنه سببٌ يرجى به الزكاء يعني النماء وزكَّى الرجل ماله تزكيةً، والزكاة اسم منه، وإذا نسبت إلى الزكاة وجب حذف الهاء وقلب الألف واواً، فيقال (زكوي) (1).

والزكاة في الشرع: هي حقٌ يجب في المال، كما عرفها بذلك ابن قدامة في المغني (2).

وأما الأسهم، فهي في اللغة: جمع سهم، وهو الحظ والنصيب، والشيء من مجموعة أشياء، يقال أسهم الرجلان: إذا اقترعا، وذلك من السُهمة. والنصيب: أن يفوز كل واحد منهما بما يصيبه، قال الله - تعالى -: \"فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المُدحَضِينَ\" (3) ثم حمل على ذلك، فسمي السهم الواحد من السهام، كأنه نصيب من أنصباء، وحظ من حظوظ، وهذا هو أحد المعاني التي ذكرها ابن فارس (4) في تعريف السهم، وهو المتعلق بموضوعنا. وجاء في المعجم الوسيط (5): \"ساهمه: قاسمه، أي أخذ سهماً، أي نصيباً معه، ومنه شركة المساهمة\" أ. هـ.

والأسهم في الاصطلاح: هي ما يمثِّل الحصص التي يقدمها الشركاء عند المساهمة في مشروع الشركة، سواء أكانت حصصاً نقدية أم عينية، ويتكون رأس المال من هذه الأسهم.

وقيل هي: صكوك تمثِّل أنصباء عينية أو نقدية في رأس مال الشركة، قابلة للتداول، تعطي مالكها حقوقاً خاصة (6).

وأما المتعثرة، فهي في اللغة: من عَثَر، يَعثُر، عِثاراً، إذا كبا، أو سقط، ومنه العَثرة: أي الزَلَّة، يقال: عثر به فرسه فسقط، وتعثر لسانه: تلعثم. والعواثير: جمع عاثور، وهو المكان الوعث الخشنº لأنه يعثر فيه. وقيل: هو الحفرة التي تحفر للأسد، واستعير هنا للورطة والخطة المهلكة. وأما العواثر، فهي جمع عاثر وهي حبالة الصائد، أو جمع عاثرة، وهي الحادثة التي تعثر بصاحبها (7).

والمتعثرة في اصطلاح الباحث: هي الأسهم التي لا يستطيع مالكها من الانتفاع بها ولا من تحصيل قيمتها.

وبهذا ندرك العلاقة الواضحة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي، فالأسهم حين تعثرت، فإنها قد زَلَّت أو تأخرت عما أنشئت لأجله، كما أنها وقعت بصاحبها فلا يمكنه الانتفاع بها، وبهذا وقع في ورطة مالية، أو كأنه سقط في حفرة صيد لا يستطيع الخلاص منها.

 

 

المبحث الثاني

حكم زكاة الأسهم (غير المتعثرة)

الزكاة هي أحد أركان الإسلام الخمسة، وهي في الأصل واجبة بكتاب الله - تعالى -، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع أمته، كما قاله ابن قدامة - رحمه الله - في المغني (8).

ومن الصور المالية المعاصرة: ما يسمى بالأسهم التجارية والأسهم الاستثمارية، والمتمثلة في شركات الأسهم أو الشركات المساهمة، وهي طريقة حديثة في الاستثمار والتجارة جاد بها التقدم العلمي في هذا العصر.

وقد اتفق العلماء المعاصرون على وجوب الزكاة في هذه الأسهم، إما في أصلها، أو في ريعها. واختلفوا في كيفية زكاتها، وأرجح هذه الأقوال، وأقربها إلى الصواب، هو القول بالتفريق بين المساهمات التجارية فتأخذ حكم زكاة عروض التجارة، وبين المساهمات الاستثمارية، والتفريق في المساهمات الاستثمارية، بين ما هو زراعي فيأخذ حكم زكاة الخارج من الأرض، وما هو حيواني فيأخذ حكم زكاة الحيوان، وهكذا … وتفصيل ذلك على النحو الآتي:

مالك الأسهم لا يخلو، إما أن يكون قصده في التملك التجارة بها بيعاً وشراءً وهي ما تسمى بالأسهم التجارية، فيشتريها اليوم ليبيعها غداً أو بعد غد، طلباً للربح في تداولها وتقليبها، فهذا تجب الزكاة عليه في جميع ما يملكه من أسهم، سواء كانت الأسهم زراعية، أم صناعية، أم تجارية، أم حيوانية… الخ، فيزكي أسهمه بحسب قيمتها السوقية، كل سنة.

وإما أن يكون قصد المالك للأسهم الاستثمار بها، بحيث يستفيد من عائدها السنوي، وهي ما تسمى بالأسهم الاستثمارية، فهو لا يشتري هذه الأسهم بنية بيعها، وإنما بقصد الاستمرار في تملكها، فهذا يزكي أسهمه بحسب طبيعتها، فإن كانت أسهماً في شركة زراعية، ومجالها الاستثماري في زراعة الحبوب والثمار، فتخضع لأحكام الزكاة فيما تخرجه الأرض من الحبوب والثمار مما يكال ويدخر، وإن كانت في شركة حيوانية كتربية الأنعام على سبيل الإنتاج والتسمين، فتخضع لأحكام زكاة الحيوان، وإن كانت في شركة تجارية تختص بتداول السلع بيعاً وشراءً كشركات الاستيراد، فتخضع لأحكام زكاة عروض التجارة، وإن كانت في شركة صناعية، كشركات الإسمنت والجبس والأدوية ونحوها، فتجب الزكاة في صافي أرباحها، قياساً على زكاة ما يعد للكراء. وهذا القول المفصَّل هو الذي تجتمع به أدلة الزكاة، وبه يرتبط الحكم بمناطه الذي أناط به الشارع وجوب الزكاة، وبه يزول التناقض والاضطراب الذي لحق ببعض الآراء المعاصرة.

وإلى هذا القول ذهب الشيخ عبدالله بن منيع (9) - حفظه الله - وغيرُه.

وفي هذه المسألة أقوالٌ أخرى، ليس هذا التمهيد محل بسطها (10).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply