الأيمان


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والاه، وبعد:

حروف القَسَم:

حروف القَسَم المشهورة ثلاثة، وهي: الباء والواو والتاء، كأن يقول الحالف: والله أو: بالله أو: تالله، وهي بحسب استعمال العرب، وقد جاء الشرع الشريف بتأييد لغة العرب، قال - تعالى -: وَأَقسَمُوا بِاللَّه [الأنعام: 109]، وَيَحلِفُونَ بِاللَّهِ [التوبة: 56]، وقال جَلَّ شأنه: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشرِكِينَ [الأنعام: 3]، وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصنَامَكُم[الأنبياء: 57]، تَاللَّهِ لَتُسأَلُنَّ عَمَّا كُنتُم تَفتَرُونَ [النحل: 56]، تَاللَّهِ لَقَد آثَرَكَ اللَّهُ عَلَينَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ [يوسف: 91]، وقال - سبحانه -: {تَاللَّهِ تَفتَأُ تَذكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85](1).

 

فائدة هامة:

حرفا الباء والواو يُستعملان في جميع ما يقسم به المسلم من أسماء الله - تعالى -وصفاته، وأما التاء فلا تستعملُ إلا في لفظ الجلالة: «الله»، فنقول: «تالله»(2).

 

صيغ القَسَم:

من صيغ القسم المشروعة: «أقسم: أقسم بالله، أحلف: أحلف بالله، وعهد الله، والقرآن، والمصحف، وحق الله، أشهد بالله، أعزم بالله، وعَمرُ الله، وحياة الله، ورب الكعبة، وحق القرآن، وأيم الله (أي ويمين الله)، والذي نفسي بيده»(3). روى عبد الرزاق عن معمر بن طاوس عن أبيه في الرجل يقول: «عليَّ عهد الله وميثاقه أو عليَّ عهد الله، قال: يمين يكفِّرها»(4).

 

أنواع اليمين:

تنقسم اليمين إلى ثلاثة أنواع وهي:

1- اليمين اللغو.

2- اليمين الغموس.

3- اليمين المنعقدة.

وسوف نتحدث عن كل نوع منها بشيء من الإيجاز:

 

أولاً: اليمين اللغو:

اللغو لغة: قال الراغب الأصفهاني: هو ما لا يُعتد به من الكلام، وهو الذي يُورد لا عن روية ولا فكر، فيجري مجرى اللغو وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور(5). اليمين اللغو: هو ما يجري على لسان المسلم المكلَّف من الحَلِفِ بدون قصد، كمن يكثر في كلامه قول: لا والله، بلى والله(6)، مثل من يقول لضيفه: والله لتأكلن، أو: والله لتشربن، ونحو ذلك، وهو لا يريد بذلك قَسَمًا بالله - تعالى -، إنما اعتاد عليه عند الكلام.

روى البخاري عن عائشة - رضي الله عنه - قالت: أنزلت هذه الآية: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغوِ فِي أَيمَانِكُم في قول الرجل: لا والله، وبلى والله(7).

روى أبو داود عن عطاء قال في يمين اللغو: قالت عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «هو

كلام الرجل في بيته: كلا والله، بلى والله»(8).

 

حُكمُ يمين اللغو:

 

اليمين اللغو لا إثم فيها، ولا كفَّارة على قائلها لأنها يمين غير منعقدة ولا نية فيها(9). قال - تعالى -: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغوِ فِي أَيمَانِكُم وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَت قُلُوبُكُم [المائدة: 89]، ولأن هذه اليمين اللغو لا نية لقائلها على أنها حلف بالله - تعالى -.

روى الشيخان عن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»(10).

قال الإمام مالك بن أنس: «ليس في اللغو كفَّارة»(11).

 

ثانيًا: اليمين الغموس:

اليمين الغموس: أن يحلف المسلم متعمدًا الكذب على شيء قد مضى. كأن يقول: والله: لقد اشتريت هذا الثوب بخمسين جنيهًا، أو يقول: والله قد فعلت كذا وهو لم يفعل. قال ابن حجر العسقلاني: وسميت غموسًا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار(12). واليمين الغموس هي تلك اليمين التي يقصد بها صاحبها أكل حقوق الناس بالباطل، وهي من الكبائر التي حذرنا الله منها في كتابه العزيز وكذلك رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنته المطهرة.

يقول الله - تعالى -: وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيمَانَكُم دَخَلاً بَينَكُم فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السٌّوءَ بِمَا صَدَدتُم عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُم عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل: 94]. قال ابن جرير الطبري: في تفسير هذه الآية: وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيمَانَكُم دَخَلاً بَينَكُم تغرون بها الناس فتهلكوا بعد أن كنتم من الهلاك آمنين(13). روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس»(14).

روى مسلم عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم ببينة، فقد

أوجب الله له النار، وحَرَّم عليه الجنة». فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: «وإن قضيبًا من أراك»(15).

وروى الشيخان عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف على يمين صبر يقتطع بها

مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان» فأنزل الله تصديق ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يَشتَرُونَ بِعَهدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِم ثَمَنًا قَلِيلاً إلى آخر الآية [آل عمران: 77](16).

 

حُكمُ اليمين الغموس:

اليمين الغموسº كبيرة من الكبائر وصاحبها آثم، ولكن لا كفارة عليه، وإنما يجب فيها التوبة والاستغفار، روى البيهقي عن ابن مسعود قال: كنا نعد من الذنب الذي لا كفارة له: اليمين الغموس. فقيل: ما اليمين الغموس؟ قال: «اقتطاع الرجل ما أحله باليمين الكاذبة»(17).

قال الإمام مالك بن أنس: الذي يحلف على الشيء، وهو يعلم أنه آثم، ويحلف على الكذب، وهو يعلم ليرضي به أحدًا، أو ليعتذر به إلى معتذر، أو ليقطع به مالاً، فهذا أعظم من أن تكون فيه كفارة(18). قال الخِرقي: من حلف على شيء وهو يعلم أنه كاذب، فلا كفارة عليهº لأن الذي أتى به أعظم من أن يكون فيه كفارة(19).

 

------------------------------------ -----------------------

1- المغني لابن قدامة ج13 ص457: 460.

2- الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي ج3 ص376.

3- المغني لابن قدامة ج13 ص460: 471.

4- صحيح: مصنف عبد الرزاق ج8 ص481، رقم 15979.

5- المفردات للراغب الأصفهاني ص382.

6- منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري ص428.

7- البخاري حديث 4613.

8- حديث صحيح: صحيح أبي داود للألباني حديث 2789.

9- المغني لابن قدامة ج13 ص449: 450،

روضة الطالبين للنووي ج11 ص3.

10- البخاري حديث 1، ومسلم حديث 1907.

11- موطأ مالك - كتاب النذور والأيمان ص477.

12- فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج11 ص564

13- جامع البيان لابن جرير الطبري ج14 ص168: 169.

14- البخاري حديث 6675.

15- مسلم حديث 137.

16- البخاري حديث 6676، ومسلم حديث 138.

17- إسناده حسن: سنن البيهقي ج10 ص38.

18- موطأ مالك - كتاب النذور والأيمان ص447.

19- المغني بتحقيق التركي ج13 ص448، 449.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply