أحكام الدف ..!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

وبعد: فهذا بحث بعنوان (أحكام الدُف في الفقه الإسلامي) جمعت فيه أهم الأحكام المتعلقة بالدُف، خاصة ما تمس إليه الحاجة في هذا الوقت، وإنما اخترت بحث (الدُف) من بين الآلات التي يضرب بها، لكثرة النصوص فيه، وقوة الخلاف فيه، ومسيس الحاجة إلى بيان أحكامه خاصة مع اتساع المشاركة الفاعلة من قبل أهل الخير والصلاح في البرامج الإعلامية، واشتمال كثير منها على بعض الإيقاعات التي يستخدم فيها الدُف، وقد هدفت من هذا البحث إلى بيان أقوال العلماء وخلافهم في مثل هذه القضايا، حتى تتسع الصدور، ويُعلم أن أكثر المسائل في هذا الباب خلافية، فلا يُثرّب على مقلِّد لغيره، أو مجتهد طالما كانت المسألة من مسائل الاجتهاد ونسأل الله السداد والتوفيق، إنه على كل شيء قدير.

 

تعريف الدف:

الدف لغة: هو الذي يلعب به (1)، والجمع دفوف.

والدف والدفّة: الجنب من كل شيء. يقال: دفّ الطائر يدف دفاً ودفيفاً: ضرب جنبيه بجناحيه (2).

وقد عرفه بعض الفقهاء بالطار أو الغربال وهو المغشى بجلد من جهة واحدة، سمي بذلك لتدفيف الأصابع عليه.

وقال بعض المالكية الدف هو: المغشى من جهة واحدة إذا لم يكن فيه أوتار ولا جرس.

وقال غيرهم: ولو كان فيه أوتار ولأنه لا يباشرها بالقرع بالأصابع (3).

وقد يكون له جلاجل أو صراصر أو حلق من نحاس أو غيرها توضع في خروق تفتح لها في جوانب الدف (4).

 

تعريف المعازف:

المعازف هي: الملاهي، و احدها: معزف ومعزفة، وإذا أرد المعزف فهو ضرب من الطنابير ويتخذه أهل اليمن وغيرهم، وعزف الدفّ صوته.

والعزف: اللعب بالمعزف، وهي الدفوف وغيرها مما يضرب. وكل لعب عزف، والعازف: اللاعب بها والمغني.

والعزيف صوت الرمال إذا هبت بها الرياح.

وعزف الرياح: أصواتها. وعزيف الجن: جرس أصواتها.

وسحاب عزّاف: يّسمع منه عزيف الرعد وهو دويّه (5).

ومما سبق يتبين أن لفظ المعازف تطلق على: الملاهي ويطلق العزف على اللعب والغناء، وأصوات الرمال والجن والسحاب.

 

تعريف المعازف اصطلاحاً:

هي عبارة عن أصوات مقطعة موزونة تحدث بواسطة آلات صنعت من الجمادات، سواء كانت بالقرع أو النفخ أو العزف عليها، ولها لذة عند سماعها (6).

وقيل: أصوات، لأن ما يصدر عن الآلات أو الجمادات لا يعتبر كلاماً وإنما أصوات.

وقيل: موزونة، لتفترق عن الضوضاء والأصوات المتجمعة بطريقة عشوائية.

وتحدث هذه الأصوات بواسطة آلات العزف واللعب بها بطريقة فنية معينة مختلفة (7).

 

مدى دخول الدف في مسمى المعازف شرعاً

المعنى اللغوي للمعازف يدخل جميع آلات العزف القديمة والحديثة وسماعها في جميع الأحوال وعلى جميع الهيئات

وقد سبق في معنى العزف والمعازف في اللغة أنها تشتمل على الملاهي واللعب والغناء والكثير من الأصوات، فهو معنى واسع يشمل أصواتا كثيرة، لكن الشأن في المعنى الشرعي المراد بالمعازف التي ورد فيها النهي في قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"يكون من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف\" (8).

هل يدخل فيها أي في المعازف الدف، فيكون استثناءه بالنصوص من قبيل استثناء الخاص من العام فيبقى فيما عدا الاستثناء على أصل المنع أم أن الدف لا يدخل في إطلاق لفظ المعازف المنهي عنها أصلا؟

هذه المسألة جرى فيها الخلاف وسنعرض له في فصل حكم الضرب بالدف في غير العرس (الفصل الثالث)، ونرجئ الكلام فيه هنا.

 

حكم الضرب بالدف في الأعراس

اتفق الفقهاء - رحمهم الله - على جواز الضرب بالدف وسماعه في الأعراس (9).

و استدل الفقهاء - رحمهم الله - على جواز الضرب بالدف وسماعه في الأعراس بما يلي:

1. قوله - صلى الله عليه وسلم -: \" فصل ما بين الحلال والحرام الدف، والصوت في النكاح \" (10).

ووجه الدلالة من هذا الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل ضرب الدف في النكاح وما يلحق به من إشهار النكاح بين الناس، جعل ذلك فارقاً بين هذا النكاح المشروع وبين السفاح الذي حرمه الشارع لخفائه وعدم إعلانه، وهذا من أوضح الأدلة على مشروعيته.

2. ما روته عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: \" أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالغربال \". (11) والغربال: الدف. كما مر في تعريف الدُف ّ.

ووجه الدلالة من هذا الحديث: أمره - صلى الله عليه وسلم - بالضرب بالدف (الغربال) إظهاراً للنكاح وإشهاراً لأمره. فيكون ذلك دليلاً على مشروعية الضرب بالدف في هذا الموضع.

3. ما روت الربيع بنت معوذ بن عفراء (12) قالت \" جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل حين بُني عَلّي فجلس على فراش كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غدٍ,، فقال: دعي هذه، وقولي بالذي كنت تقولين \" (13).

ووجه الاستدلال: أن هذا الحديث أفاد مشروعية إعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح (14). فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على هؤلاء الجواري ضربهن بالدف ولم ينكر عليها سماعها لهن.

4. ما ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :(أنه كان إذا سمع صوت الدف بعث فنظر فإن كان في النكاح أو في الختان سكت، وإن كان في غيرها عمد بالدِّرة) (15).

ووجه الدلالة: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يرى أن ضرب الدف في النكاح لا محظور فيه، بدليل سكوته، وعدم إنكاره.

ونُقل عن المالكية وبعض الشافعية والإمام أحمد القول باستحباب الضرب بالدف في العرس (16).

ولعل مستندهم في ذلك أنهم فهموا من النصوص السابقة في مشروعية الضرب بالدف في العرس معنى زائداً عن الإباحة، وهو الاستحباب، لأن فيه إشهاراً للنكاح و إعلانا له، وهو أمر مندوب إليه شرعاً.

وهذا في ظني - قول وجيه لأن النصوص يلحظ فيها معنى الحث بل ورد بعضها بصيغة الأمر، ويشق القول بأن الأمر للوجوب فينصرف الأمر للندب(17)، والله أعلم.

 

حكم الضرب بالدف في الأعراس للرجال

تقرر في المطلب السابق مشروعية الضرب بالدف في الأعراس، وأن ذلك أعني المشروعية موضع اتفاق بين الفقهاء لكن هذا الاتفاق وقع على مشروعية ضرب الدف للنساء والجواري.

أما ضرب الدف للرجال فقد اختلف فيه الفقهاء على قولين:

القول الأول: المنع.

وبه قال اصبغ من المالكية، وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي (18)، وقال جمهور الحنفية والحنابلة بالكراهة (1

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply