رغم كل الافتراءات .. يبقى زواج المسلمة من غير المسلم محرما


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 قرأت لبعض الكتاب مقالاً بعنوان \"الزواج المختلط\"، ويدعو الكاتب بجرأة وصراحة إلى أن يسمح لغير المسلم بالزواج من المسلمة.

ونقول له ولأمثاله من الذين ينادون بهذا الإفك: إنكم لا وزن لكم، ولا اعتبار لآرائكم الباطلة في موازين الحق والفقه والفتوىº لأنها خارجة على إجماع المسلمين، وعلى كتاب الله وسنة رسوله، وقد أجمع المسلمون على التحريم المؤبد لزواج المسلمة بغير المسلم، وما كان لكافر أن يكون له سلطان على مسلم أو مسلمة يقول الله-تعالى -: {وَلَن يَجعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤمِنِينَ سَبِيلاً} (النساء: 141).

جاء في كتاب فقه السنة (المجلد الثاني ص382) حول زواج المسلمة بغير المسلم ما يلي:

\"أجمع العلماء على أنه لا يحل للمسلمة تزوج غير المسلم سواء أكان مشركًا، أم من أهل الكتاب\"، تم هذا الأمر بعد صلح الحديبية، وتمت المفاصلة في هذا الأمر، المفاصلة الكاملة بين الزوجة المسلمة والزوج الكافر، والزوجة الكافرة والزوج المسلم كما سيأتي.

 

يقول المستشار فيصل مولوي:

\"يتردد بين الحين والحين الحديث عن إباحة زواج المسلمة من غير المسلم انطلاقًا من اعتبار هذه المسألة بالذات من أهم العقبات أمام فكرة \"الزواج المدني\"، ووضع \"قانون موحد للأحوال الشخصية\" والسير نحو العلمانية الكاملة في ديار الإسلام.

ونحن نعتقد أن قضية الزواج المدني وتوحيد قوانين الأحوال الشخصية والعلمانية أخطر بكثير من قضية زواج المسلمة بغير المسلم.

فهذه القضية على ما فيها من خطورة تتعلق بتنفيذ حكم شرعي أو مخالفته، بينما يراد بالعلمانية وبالقانون الموحد للأحوال الشخصية انتزاع حق المسلمين في الاحتكام إلى شريعتهم فيما بقي لهم منها من مسائل الأحوال الشخصية وإبعادهم بذلك نهائيًّا عن كل ما يربطهم بالإسلام في حياتهم الاجتماعية.

ومع ذلك، فإن أعداء الإسلام يعملون بسياسة النفس الطويل، ويرون من مسألة زواج المسلمة من غير المسلم العقبة الكأداء أمامهم، فيحاولون تذليلها بكل ما يستطيعون، ولقد كانت هذه المسألة ولا تزال تعتبر مما \"علم من الدين بالضرورة\" لانعقاد إجماع المسلمين عليها، ولورود النصوص الصريحة القاطعة فيها إلى أن جاء بعض العلماء المعاصرين يريدون أن يعيدوا هذا إلى البحث والاجتهاد بحسن نية لدى بعضهم، وبسوء نية لدى البعض الآخر، مما جعل الباب يفتح أمام الأعداء ليحاولوا ضرب المسلمين بعضهم ببعض... \".

 

تحريم زواج المسلمة من الكافر:

ولذلك نجد من الواجب ومن المفيد أن نعالج هذا الموضوع على ضوء النصوص القاطعة، قال الله - تعالى -في سورة الممتحنة: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ, فَامتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِن عَلِمتُمُوهُنَّ مُؤمِنَاتٍ, فَلاَ تَرجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلُّ لَّهُم وَلاَ هُم يَحِلٌّونَ لَهُنَّ} (الممتحنة: 10).

وقد اتفق المفسرون على سبب نزول هذه الآية، وهو أنه بعد صلح الحديبيةº حيث كان من الشروط المتفق عليها بين الرسول- صلى الله عليه وسلم - وقريش أنه من أتاه من أهل مكة مسلمًا رده إلى قريش، فجاءت بعض النساء مسلمات، منهن سعيدة بنت الحارث الإسلامية، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط، وأميمة بنت بشر، أنزل الله - تعالى -هذه الآية وبيَّن أن شرط صلح الحديبية محصور في الرجال دون النساء، ومنع المسلمين من رد المرأة إلى زوجها الكافر، وأوضح السبب في ذلك: {لاَ هُنَّ حِلُّ لَّهُم وَلاَ هُم يَحِلٌّونَ لَهُنَّ} (الممتحنة: 10)، ثم أضاف إلى ذلك منع المسلمين من الاحتفاظ بزوجاتهم الكافرات، فقال - تعالى -: {وَلاَ تُمسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ} (الممتحنة: 10)، فراح الصحابة الكرام يطلقون زوجاتهم الكافرات، كما تم تفريق المسلمات عن أزواجهن الكافرين، وكانت هذه حلقة جديدة من حلقات تميز المجتمع المسلم عن الجاهلية، وقطع الوشائج التى كانت تربط الفرد المسلم مع عناصر المجتمع الجاهلى، ولو كانوا أقرب الناس إليه.

وإذا كان سبب نزول هذه الآية يتناول حالة المسلمة المتزوجة من كافر وثنى، فإن العبرة كما يقول علماء الأصول \"بعموم النص لا بخصوص السبب\"، والنص يشمل كل كافر، قال - تعالى -: ?فَلاَ تَرجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ? (الممتحنة: 10).

تحريم زواج المسلمة من مشرك:

قال الله - تعالى -في سورة البقرة: {وَلاَ تَنكِحُوا المُشرِكَاتِ حَتَّى يُؤمِنَّ وَلأَمَةٌ مٌّؤمِنَةٌ خَيرٌ مِّن مٌّشرِكَةٍ, وَلَو أَعجَبَتكُم وَلاَ تُنكِحُوا المُشرِكِينَ حَتَّى يُؤمِنُوا وَلَعَبدٌ مٌّؤمِنٌ خَيرٌ مِّن مٌّشرِكٍ, وَلَو أَعجَبَكُم أُولَئِكَ يَدعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالمَغفِرَةِ بِإِذنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ? (البقرة: 221).

 

إباحة زواج المسلم من كتابية:

إلا أن هذا الحكم العام الذي يمنع التزاوج على الإطلاق بين المسلم والكافرات أو المشركات، وبين المسلمة والكافرين والمشركين، لم يبق على عمومهº بل نزلت الآية الكريمة في سورة المائدة تخصص أهل الكتاب بحكم خاصº وهو إباحة الزواج من كتابية بالنسبة للمسلم، قال - تعالى -: {اليَومَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلُّ لَّكُم وَطَعَامُكُم حِلُّ لَّهُم وَالمُحصَنَاتُ مِنَ المُؤمِنَاتِ وَالمُحصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم} (المائدة: 5).

وحكمة التفريق بين إباحة زواج المسلم من كتابية وتحريم زواج المسلمة من كتابي:

أن الزوج لابد أن يحترم عقيدة زوجته ضمانًا لحسن العشرة بينهما، والمسلم يؤمن بأصل اليهودية والنصرانية دينين سماويين، ويؤمن بالتوراة والإنجيل كتابين من عند الله من حيث الأصل، ويؤمن بعيسى وموسى رسولين من أولي العزم من الرسل، فالمرأة الكتابية تعيش في كنف رجل يحترم أصل دينها وكتابها ونبيها، أما اليهودي والنصراني فلا يعترف كل منهما أدنى اعتراف بالإسلام ولا بكتابه ولا برسوله، فكيف يمكن للمسلمة أن تعيش معه ودينها يطالبها بشعائر وعبادات وفروض وواجبات؟!

وإذا أضفنا إلى ذلك أن الرجل هو رب البيت والقوَّام على الزوجة والأسرة أدركنا أنه من غير الطبيعي أن يغامر الإسلام ببناته ويرمي بهن في أيدي من لا يحترمون الإسلام ورسوله وكتابه.

ثم إن الأصل في الزواج التفاهم بين الزوجين، الذي تنشأ عنه المودة المتبادلة والرحمة، قال - تعالى -: {وَمِن آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَاجًا لِّتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ, لِّقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).

هذا وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply