تطبيق الصيغ الإسلامية في النظام المصرفي وأثره على السياسات النقدية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 مقدمة:

إن موضوع (تطبيق الصيغ الإسلامية في النظام المصرفي وأثره على السياسات النقدية) موضوع فريد، وللسودان فيه تجربة مميزة. فهو حتى الآن يعتبر الدولة الأولى التي التزمت بالاقتصاد الإسلامي في جميع مناحي النشاط الاقتصادي وأصبح المرجعية التي تحكم عمل الدولة وعلاقاتها الاقتصادية كما يحكم عمل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين في النظام المصرفي والمؤسسات و الشركات المالية و التمويلية. وقامت في السودان منظومة متكاملة من المؤسسات الاقتصادية والمالية فتم إصلاح نظام الشركات كمرجعية أساسية للعمل الاقتصادي كما قام نظام التأمين على فكرة التعاون و التكافل الإسلامي وتطور الجهاز المصرفي وتكامل دور البنك المركزي مع المصارف التجارية وانطلقت مؤسسة ضمان الودائع المصرفية بمساهمات من المصارف لتؤدي دورها في درء مخاطر المودعين. واكتمل بنيان سوق الأوراق المالية كرافد يكمل حلقة العمل المالي ويؤدي دوره في النشاط الاقتصادي. وكل ذلك وفق منهج ورؤية شرعية شاملة في التشريع و الإدارة والتطبيق و المراقبة. ويحرس هذا النهج حرصّ وتوجه واضح من الدولة للالتزام بالأحكام الشرعية في النشاط الاقتصادي ويتكامل معه دور مؤسسات الرقابة التشرعية ومؤسسات الرأي العام. هذا وسوف أتناول في هذه الصفحات جزءا من هذه التجربة الثرة الغنية باستعراض لصيغ التمويل الإسلامي المستخدمة في النظام المصرفي السوداني وحجم الودائع وتوزيعها بين هذه الصيغ ومن ثم أتحدث عن الخصائص النقدية و المالية لصيغ التمويل الإسلامي وأنتقل بعد ذلك للحديث عن التطورات التي مر بها الجهاز المصرفي في السودان والتغيرات التي طرأت على السياسة النقدية و التمويلية. ومن ثم أتحدث عن أثر الصيغ على هذه السياسات من جانب التمويل للدولة ومن جانب تحقيق أغراض السياسة النقدية. على نحو ما سيأتي في هذا البحث. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

صيغ التمويل المستخدمة في النظام المصرفي السوداني

إن طبيعة النظام المصرفي الإسلامي القائمة على الالتزام بالأحكام الشرعية في المعاملات المالية تجعل المشاركة في الربح و الخسارة (الغنم و الغرم) هي البديل الشرعي للفائدة الربوية التي يرتكز عليها النظام المصرفي الربوي. وتجعل من الصيغ التمويلية التي ترتكز عليها هذه العلاقة هي الأساس في التعامل التمويلي بين البنوك وعملائها. هذا ويحقق مبدأ المشاركة في الربح و الخسارة المزايا الآتية:

أ/ عدالة توزيع الثروة بين أفراد المجتمع لأن الربا يضمن غنم طرف دائما وأبدا بينما يضمن فائدة محتملة للطرف الآخر إذ قد يخسر أو يربح.

ب/ تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الماليةº لأنه يحول المصرف إلى شريك في العملية الإنتاجية مما يدفعه إلى التدقيق والتحقيق في دراسات الجدوى و البحث عن أحسن الخيارات الاستثمارية.

ج/ يؤدي إلى زيادة الناتج القومي بتوجيهه للموارد الاقتصادية في أفضل استخداماتها.

د/ يزيد من معدل التراكم الرأسمالي ويحقق الاستقرار الاقتصادي.

هذا وتشمل صيغ التمويل الإسلامي المستخدمة في النظام المصرفي السوداني معظم صيغ التمويل الإسلامي المعروفة. حيث توزع المصارف السودانية مواردها بين الاستخدامات المختلفة بحسب المخاطر المتصلة بكل صيغة من الصيغ وبحسب السياسات المقررة من بنك السودان. والصيغ المستخدمة في التمويل هي:

1. المضاربة (المطلقة والمقيدة)

2. المشاركة

3. المرابحة

4. السلم

5. الاستصناع

6. الإجارة

وظلت هذه الصيغ تمثل مرجعية التعامل في النظام المصرفي السوداني ووزعت استخدامات الموارد في البنوك بين هذه الصيغ. والجدول الآتي يوضح نصيب كل صيغة من صيغ التمويل في جملة موارد النظام المصرفي خلال العام (بالمليار دينار) كما يوضحها كنسبة من إجمالي التمويل.

جدول رقم (1) حجم وتوزيع التمويل المصرفي حسب صيغ التمويل في الفترة 1998-2002م

 

السنة 1998 1999 2000 2001 2002

 

صيغ التمويل المبلغ النسبة/المبلغ النسبة /المبلغ النسبة/ المبلغ النسبة/ المبلغ النسبة

 

المرابحة 25، 5 54%/36، 2 49، 1%/ 34، 2 33، 7%/57، 9 39، 5%/ 74، 2 35، 9%

 

المشاركة 9، 9 21% / 22، 7 30، 8%/ 43، 5 43%/ 45، 3 38% / 57، 7 28%

 

المضاربة 2، 8 6% / 3 4% / 3، 8 3، 7%/ 9، 1 6، 3% / 9، 6 4، 6%

 

السلم 3 6، 5% / 3، 7 5% / 3، 3 3، 3% / 7، 3 5% / 6، 9 3، 4%

 

أخرى 5، 6 12% / 8.1 11% / 16، 6 16، 2%/ 26، 7 18، 2%/ 58، 4 28، 2%

 

جملة التمويل 46، 9 / 73، 7 / 101، 4 / 146، 3 / 206، 8

 

1. إن التمويل المصرفي بصيغة المرابحة ظل يستحوذ على النصيب الأكبر من إجمالي تدفق التمويل المصرفي حسب الصيغ، وذلك للخبرة الطويلة للبنوك في ممارسة التمويل بهذه الصيغ بالإضافة إلى قلة المخاطر في هذه الصيغة مع ضمان العائد و الربحية في التمويل بصيغة المرابحة بعكس الصيغ الأخرى.

2. ابتداءً من العام 2000 ظلت المرابحة تشكل نسباً منخفضة عاماً تلو الآخر نظراً لتوجه السياسات التمويلية لبنك السودان الرامي إلى النزول بالتمويل المصرفي عن طريق المرابحة وتشجيع التمويل المصرفي عن طريق الصيغ الأخرى، بالإضافة إلى إلزام البنوك بتطبيق صيغة المرابحة حسب ما ورد في المرشد الفقهي لصيغة المرابحة.

3. ارتفاع التمويل المصرفي عن طريق صيغة المشاركة اعتباراً من العام 2000م في ذات اتجاه السياسات التمويلية لبنك السودان، الرامي إلى النزول بالتمويل المصرفي عن طريق المرابحة وتشجيع استخدام صيغ التمويل الأخرى.

 

الخصائص النقدية والمالية لصيغ التمويل الإسلامية

نستهدف في هذا الجانب استعراض بعض الخصائص النقدية والمالية لصيغ التمويل المستخدمة في النظام المصرفي لمعرفة مميزاتها التي تجعلها صالحة للعمل كأدوات لتحقيق أهداف السياسة النقدية.

 

(أ) صيغ المشاركات:

1/ المضاربة:

أ- تقدم تمويلاً نقدياً يتمتع بمرونة واسعة في الاستخدام في المضاربة المطلقة ومرونة مقيدة في المضاربة المقيدة.

ب- يتم تحديد نسب توزيع الربح على الطرفين مسبقاً في شكل حصة شائعة لكل من المضارب ورب المال.

ج- يتمتع بمرونة أكبر في تحديد حصص الربح.

 

2/ المشاركة:

أ. تقدم تمويلاً نقدياً في غالب الأحيان.

ب. يسهم كل الشركاء بحصة في رأس المال.

ج. يمكن توزيع الربح بحسب اتفاق الشركاء مع تحديد هامش للإدارة

د. نسب توزيع الربح تحدد مسبقاً عند توقيع العقد.

(ب) الصيغ القائمة على الديون:

 

المرابحة:

1) تقدم سلعة حاضرة للعميل ونقود آجلة للبنك.

2) يمثل ربح البنك والذي يحدد مسبقاً من وجهة نظر التحليل المالي كلفة تمويل لطالب السلعة إذ يمثل هذا الربح بين الثمن الحاضر في السوق والثمن المؤجل للمرابح.

 

الإجارة:

1) تمثل عائداً نقدياً لمالك الأصل.

2) يمكن تحديد الأقساط الإيجازية الكلية على ضوء جملة عوامل من بينها التكلفة الكلية لحيازة الأصل.

3) الأصل يظل مملوكاً للمؤجر مما يمكن من تداول صكوك الإجارة بيعاً وشراء.

 

السلم:

1) يوفر تمويلاً نقدياً للمسلم إليه لأنه يمكن المسلم إليه من بيع سلعته المؤجلة بسعر نقدي حاضر.

2) لا يشترط أن يستخدم المسلم إليه رأسمال السلم في الحصول على سلعة السلم، وله أن يستخدمه كما يشاء.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply