القرار الجبان في شهر رمضان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

لله في أيام الدهر نفَحات، ومواسمُ خيرات، يضاعَف فيها ثوابُ الأعمال، ويسطع فيها نجمُ الخير، وتقل فيها دواعي المعصية، ومن هذه المواسم شهرُ رمضان المبارك، الذي اختاره الله -تعالى- لإنزال خير كتبه على أكرم رسله -صلى الله عليه وسلم-، وخصه بمميزات لا توجد في غيره فصفّد فيه الشياطين، وفتح فيه أبواب الجنة، وأغلق فيه أبواب النار، فالقلوب فيه مقبلة على ربها، والهمم فيه سامية عن الشهوات، والنفوس متخلصة من أسر المعاصي. رمضان فرصة ذهبية لمراجعة النفس وتحسين العلاقة بالله -تعالى-، وقد كان السلفُ يسمٌّون رمضان المطهّر، ويسألون الله -تعالى- قبل قدومه بزمن طويل أن يبلغهم الشهر الكريم.

وفي هذه الجو الإيماني والمناخ الرٌّوحاني تنتظم الغالبية العظمى من المسلمين في موكب الطاعة، ويتسابقون في جني الحسنات والبعد عن المعاصي والآثام، ولكنَّ بعض الناس لا يروق له إلا السيرُ عكس تيار الخير، والإصرار على القرار الجبان، الذي يتغلب فيه الهوى (مع قلة النصير) على الهدى (مع كثرة المعين).

إن من أعظم ما يشجّع على السير في طريق المعاصي كثرةَ الهالكين، ومن أعظم ما يثبّط عن السير في سبيل الهدى قلةَ السالكين، فما بالُ أولئك الذين يسيرون في طريق الآثام برغم قلة سالكيه في رمضان؟!

لقد كان قرارُ أبي لهب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- القاضي بعداء الدعوة والوقوف في وجهها قراراً مهلكاً أورثه ناراً ذات لهب، ولا تزال الألسنُ تردِّد ما أنزل الله بخسرانه على مدى العصور والدهور ما بقي على وجه الأرض إنسان يتلو من القرآن سورة المسد، وكان من أجبن قراراته قرارُه يوم جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قومَه، وعرض عليهم الإسلام، وطلب منهم حمايته، فلم يتخلف أحد من قومه عن حمايته مسلمِهم وكافرِهم، إلا أبا لهب فهو الوحيد الذي اختار القرار الجبان، وسار عكس التيار!

وكان قرار امرأة لوط -عليه السلام- قراراً جباناً حين خانت زوجها، وعصت ربها في بيت توافق أهله على الإسلام، وتعاهدوا على الإيمان، وكانت هي الكلمة الشاذة في ذلك البيت النبوي قال الله -تعالى-: {فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين}[النمل: 57[.

إن من الشجاعة الوقوفَ أمام الباطل وإشهار سيف الحق في وجهه، ولو كان المرء وحيداً لا نصير له إلا الله –تعالى-: {وكفي بالله ولياً وكفي بالله نصيراً}[النساء: 45]، كما فعل إبراهيم -عليه السلام- أمام طغيان النمروذ بن كنعان، وكما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمام اعتداءات أهل مكة وأذاهم  وبذات القدر فمن الجبن والخزي أن يقف المرء وحيداً يصارعُ أمواج الخير سابحاً عكس تياره كما يحلو لبعض الناس في شهر رمضان.

إن كثيراً من الناس لو وُصِف بالجبن لتهيٌّبه في بعض المواطن لغضب، وربما اعتدى على من أطلق عليه هذا الوصف، وربما حمل نفسه حملاً على اقتحام المخاطر حتى ينفي تلك التهمة عن نفسه، وذلك لتمام إقراره بأن تهيب المخاطر جبن، ولكنه يستغرب إن وصفه أحد بالجبن لغلبة شهواته عليه، وضعفه أمام نزواته، مع أن الجبن يدخل فيه أصالةً ضعفُ المرء أمام شهواته وإحجامه عن سلوك الصراط السوي.

وكما أن الجبن يتأكد صفةً لمن يتملكه الخوفُ مع عدم وجود مسوّغه، كما لو تهيب المرءُ السيرَ في طريق مسلوكة يغدو فيها الناسُ ويروحون، فكذلك يتأكد الجبنُ في حق من يعجز عن نهي نفسه عن هواها، فينقاد لها طائعاً لتُورِدَه مواردَ الهلاك، وسبيلُ الخير مسلوك معبد كما هو الحال في شهر رمضان.

إن رمضان مصدر يمدنا بطاقة إيمانية لسائر عامنا، والمحرومُ من حَرَمه جبنُه من التزود من تلكم الطاقة اللازمة لصناعة الأعمال الصالحة  المسعدة في الدنيا، والمنجية في الآخرة.

 

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

شكر وتقدير

-

مبارك سالم آل ضرمان

19:41:57 2020-05-20

أبدعتم بكل بكل انواع الابداع والتميز طرحكم شد انتباهي للعنوان فشكرنا لكم وللقائمين على الموقع مداد وتطور مستمر له