أربعون وسيلة لتفعيل البيت المسلم في رمضان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فنحن على موعد قرب مجيئه، ودنى طلوع فجره، ولاح في الأفق رسمه، وشرعت الأفواه تلهج باسمه، خطّ لنا رسالة زادت من اشتياقنا إليه، وأضفت إلى حبه حباً، ومودته وداً، ومكانته مكانةً، خطّ لنا رسالة حبيب إلى قلوب يحبها، رسالة تحوي كل معاني الصدق، نطق بها الفؤاد المليء بنغمات الطهر، وتباريح السكينة، وهمسات النجوى، جاءت رسالته قبل مجيئه لأدب اعتدناه منه لكي يبين أن قدومه قدوم للخير، وحضوره حضور للبركة، وإقباله إقبال لليمن والمسرات.

واليكم نص رسالته:

يقول هذا الحبيب القادم:

أحبتي..

أنا رمضان..

الشهر المبارك.

الشهر الكريم..

شهر السكينة والوقار..

شهر الفضيلة والأذكار..

شهر الصدقة والصيام..

شهر التهجد والقيام..

خصني ربي بأجور ليست لغيري من الشهور.. "كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله -عز وجل-: إلا الصيام فإنه لي وأنا اجزي به".

جُعلت مضماراً للمتسابقين على التقوى..

وميدانا للمتنافسين على الدرجات العلى.

"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"البقرة (183..).

أحل عليكم ضيفاً مضيافا فمن أكرمني يبشر بإكرامي له..

ومن أدركني فليخلص في إدراكه لي فقد لا أعود إليه..

نعم.. فقد تكون ضيافتك لي هي الأخيرة..

إذا ألفيت فتحت أبواب الجنان، وغلقت أبواب النيران، وغُلّت الشياطين...

خير إحدى اليالي فيّ خير من ألف شهر "من حرم خيرها فقد حرم ..".

كان سلفكم الصالح يترقبونني ليعيشوا أيامي وليالي بين طاعات وعبادات متوالية وكان من دعائهم "اللهم سلمنا إلى رمضان، وسلم لنا رمضان، وتسلّمه منا متقبلاً" بل كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغني إياهم، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.

نعم.. يا أحبتي..

أنا رمضان جئتكم ومعي الرحمة والمغفرة من ربكم، ويا لتلك الإعداد التي اعتقها الله من النار لإخلاصهم في العمل، وتفانيهم في التقرب، وتعبهم لينالوا رضا ربهم -جل وعلا-.

من صام أيامي إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه..

ومن قام ليالي إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه...

وعمرة في تعدل حجة...

والدعاء في لا يرد...

نعم...

أنا رمضان...

شهر الجهاد والنصر...

والعزة والتمكين...

كانت أيامي تتلبس بثياب لُطخت بدم الشهداء والأتقياء...

فتلكم بدر الكبرى، وفتح مكة لا ينسى... والأندلس وعموريّة وإنطاكية وعين جالوت..

كل تلك الأسماء ارتبطت بقدومي فسجلنا سوياً تاريخاً مشرقاً ومجداً عظيماً لأمتنا...

نعم..

أنا رمضان..

شهر الجود والعطاء...

والبذل والسخاء...

فأيامي اختبار لأهل الأموال فإن هم بذلوها وأعطوها ابتغاء لوجه الله -تعالى- طامعين فيما عنده أفلحوا وفازوا، وإن هم بخلوا واستغنوا فقد خابوا وخسروا...

نعم...

أنا رمضان الذي انزل الله بحلولي القرآن فقال: "شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن... الآية".

ولقد كان لصحابة حبيبكم -عليه الصلاة والسلام- فيه دويُّ كدويُّ النحل يسمع لهم في بيوتهم، ولقد كان جبريل -عليه السلام- يدارس الحبيب -عليه الصلاة والسلام- القرآن في رمضان..

نعم يا رعاكم الله أنا كل ذلك..

وما لم يذكر من الفضل كثير...

فأيامي كلها خير...

وليالي كلها نعيم...

ونفحاتي مباركة...

وتباريحي ممتعة...

يغشاني الهدوء والسكينة...

وتغمرني الفرحة والطمأنينة...

لا أعرف ولا أحب الرفث والصخب والسباب...

نعم أنا شهركم المبارك الحبيب إلى قلوبكم...

هذه رسالتي أتت إليكم تخبركم بفضلي ومكانتي فادعوا الله أن يبلغكم إياي، وأن يرزقكم صوم أيامي، وقيام ليالي.

وقبل أن اختم هذه الرسالة الصادقة فإليك هذه الأسباب التي تعينك على استقبال والتجهيز لوصولي..

أولاً: نق قلبك وطهر ضميرك ونظف فؤادك من الصفات الذميمة والأخلاق السيئة.

ثانياً: قرر بأن تكون من الفائزين بإذن الله - تعالى -في نهايتي واحذر من النفاق والكسل.

ثالثاً: ابدأ بوضع برنامج لك واحرص على أن لا تفوتك لحظة وليس فيها عبادة، وعلى أن لا تهمل فرصة إيمان إلا وتحتفي بمناجاة الله فيها والتقرب منه -تعالى-.

رابعاً: كن حيّ الضمير، صادق النية، مخلص القلب، وابتعد عن الكبر والخيلاء.

خامساً: زد من اهتمامك في كل العبادات، وضاعف من جهدك في الطاعات، وعشني وكأني آخر رمضان ستشهده.

سادساً: استشعر الأجر الذي ستناله، والثواب الذي ستفوز به، عندما تكون من التائبين المنيبين المستغفرين بالليل والنهار.

سابعاً: أعن من حولك على استقبالي وأخبرهم بفضلي وعلّمهم عن مآثري وخصائصي لتكن دالاً على الخير داعياً إلى إتّباعه.

ثامناً: انتظر قدومي إليك بلهفة، وتحر إقبالي عليك بشوق، واحذر بأن أكون عليك ضيفاً عادياً أو ثقيلاً فأنا احبك فهلا أحببتني.

 

وأقول:

فلا شك أن من فارق حبيب له، وبعد عنه وطال ذلك البعد، فإنها تتأجج في النفس رغبات اللقاء، وتتجدد أمنيات التواصل، وتتضاعف معاني الحب، وتتجسد عناوين الود.

فكيف إذا كان ذلك الحبيب هو أنت يا شهرنا المبارك ولم يبق على اللقاء بك سوى أيام وليالي قلائل وأنت تحمل أجمل ما يحمل حبيب لحبيبه، وأروع ما يهدي خليل لخليله.

رمضان في قلبي هماهم نشوة *** من قبل رؤية وجهك الوضاء

وعلى فمي طعم أحس بـأنه *** من طعم تلك الجنة الخضراء

قـالوا بأنـك قـادم فتهللت *** بالبشر أوجهنـا وبالخيـلاء

تهفو إليه وفي القلوب وفي النهى***شـوق لمقدمـه وحسن رجـاء

 

فحييت رمضان وحيا الله معك كل توبة صادقة نطق بها فم مذنب عاص، وحيا الله معك كل دمعة هاطلة من مخطئ أو جاهل أو ناس، وحيا الله معك كل ارتجافة قلب أحس بندمه وثار لتقصيره، وحيا الله معك تلك الليالي الروحانية الجميلة المنتظرة، وحيا الله تلك الخلوات الإيمانية الخالصة..

ما أنت إلا رحمـة علويــّة *** خص الإله بها الورى وترفقا

رمضان يا عرش الهداية مرحبا*** يا نبع خير في الوجود تدفقــا

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply