ومضى شهر رمضان وجاء العيد


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

يقول الحق -سبحانه وتعالى-: {وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُون}(سورة البقرة: آية 185) وفي الحديث: "للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".

والشكر من عبادة المؤمنين الصادقين، إنه عيد الذين قال الله فيهم: {وَعِبَادُ الرَّحمَنِ الَّذِينَ يَمشُونَ عَلَى الأَرضِ هَونًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا* وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِم سُجَّدًا وَقِيَامًا}(سورة الفرقان: آية 63) والذين قال الله فيهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِّن اللَّيلِ مَا يَهجَعُون}(سورة الذاريات: آية 17)، وقال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُون}(سورة السجدة: آية 16).

إنه عيد الذين تجردوا لنصرة دينه، ورفع لوائه، وجددوا في رمضان عهودهم مع ربهم، وطهروا أرواحهم، وزكوا نفوسهم، وأسلموا وجوهم لله، ومضوا على درب الجهاد، وطريق الإيمان،، واستجابوا لنداء ربهم {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُون}(سورة آل عمران: آية 200) وقوله -تعالى- لرسوله: {فَاصبِر كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزمِ مِنَ الرٌّسُل}(سورة الأحقاف: آية 35).

لقد قال أسلافنا، ما استحق أن يولد من عاش لنفسه، فلا ينفع أمته، ولا ينصر عقيدته، ولا ينتصر به دينه، إن أمثال هؤلاء لا يساوون في ميزان الإسلام شيئاً، ولا يستحقون في الدنيا نصرًا، ولا في الآخرة أجرًا فلا وزن للإنسان إلا إذا آمن بربه ودينه، واعتز بانتمائه وولائه، ولا قيمة لهذا الإنسان إلا إذا هانت الدنيا وهان المال والولد في سبيل المبدأ الذي آمن به، وربط حياته ومصيره ومستقبله بهذا الحق، الذي قامت عليه السماوات والأرض، يقول الحق -سبحانه وتعالى-: {قُل إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَاؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ, فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللهُ بِأَمرِهِ وَاللهُ لاَ يَهدِي القَومَ الفَاسِقِين} (سورة التوبة: آية 24).

إن الأمة التي تستثقل أعباء الجهاد، وتتضايق من تكاليف الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إنما هي أمة تتعجل نهايتها، وتسطر على نفسها ذلا لا ينتهي آخر الدهر، والرسول صلوات الله وسلامه عليه يقول: "من أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس مني"، والحق -تبارك وتعالى- يقول: {وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ}(سورة المنافقون: آية 8)

وما استطاع المسلمون أن ينتصروا في معركة بدر الكبرى، وفي حطين وعين جالوت، وفي جميع المعارك التي خاضوها، إلا يوم أن قهروا نوازع الخوف، ولفظوا بواعث القعود، وعرفتهم ميادين الجهاد أبطالاً، يجاهدون في سبيل الله، ويبلغون دعوة الله، وصدق الله العظيم، حين قال في هؤلاء الأبرار الأحرار {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخشَونَهُ وَلاَ يَخشَونَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا}(سورة الأحزاب: آية 39).

عن شداد بن الهاد: "أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمن به، ثم قال له: أهاجر معك؟ وكان من الأعراب البدو فأوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه، وضمه إلى جنده، فكانت غزاة انتصر فيها المسلمون، وغنم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها شيئًا، فقسمه على من معه، وأرسل إلى الأعرابي بنصيبه، فلما وصل إلى الإعرابي قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى بسهم إلى هاهنا، وأشار إلى حلقه بيده، فأموت فأدخل الجنة، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن تصدق الله يصدقك"؟ ثم نهضوا في قتال العدو، وما لبثوا إلا قليلا حتى جيء بالأعرابي، محموًلا وقد أصابه سهم في حلقه، حيث أشار بيده، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أهو هو؟ قالوا نعم، قال: صدق الله فصدقه، ثم كُفن في جبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قدمه فصلى عليه، فكان مما ظهر من صلاته على الأعرابي "اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك، فقتل شهيدًا، وأنا على ذلك شهيدا".

ويأتي العيد: بعد أن فرغنا من رحلة الصوم، التي تبدو في ظاهرها فريضة تعبدية خالصة، ولكنها في حقيقتها عملية إعداد وتربية وتجنيد، وتدريب للمسلمين على احتمال الجهد والمشقة، تجنيد للروح والجسد، تجنيد للصغار والكبار، للرجال والنساء، تدريب على مقاومة الصراع الدائم في الحياة، وخير تدريب وأصدقه، هو الامتناع عن بعض الشهوات، وبعض الضرورات، فترة من الوقت، فهذا هو الذي يعطي النفس القدرة على التحمل الإجباري عن تلك الضرورات، حين تحكم بذلك ظروف الحياة، فلا عجب أن يكون الصيام قد قرر في العام الذي فرض فيه القتال، لرد العدوان، وكف الشر والأذى.

 

لكن أين ينزل العيد؟ وأين يحط رحاله؟.

إننا نشعر بمرارة وألم، ويعتصر قلوبنا، آلام من كل نوع، فإخواننا في ظلمات السجون ومرت بهم السنين، إنهم جميعاً لم يرتكبوا جريمة في حق الله، لقد كللوا وما زالوا هداة مهتدين نحسبهم كذلك، وهم من أشد الناس وفاء لوطنهم، وحرصاً على مستقبله، إنهم الأمناء على هذه الأمة، بماذا تجيب الأم أطفالها في العيد، حين يسألون عن أبيهم؟ إن الرد يكون مزيدًا من سكب الدموع والآلام في يوم الفرحة التي لا يعرفون لها طعمهًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله،، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

أما أنتم أيها الأحباب: فحسبكم الخلوة التي شاء الله أن تكونوا فيها في هذه الفترة، ولقد ضرب القرآن لنا نماذج توضح أهمية الممارسة الإيمانية من خلال مختلف الظروف والأحوال، فسيدنا يوسف - عليه السلام -، لم تمنعه القيود، ولم يمنعه السجن، ولا التهمة الباطلة من أن يبلغ دعوة ربه، فلما دخل معه السجن فتيان، وطلبا إليه تأويل ما رأياه في نومهما، انطلق في الدعوة والبيان والتبليغ لا يرده عن ذلك شيء {يَا صَاحِبَي السِّجنِ أَأَربَابٌ مٌّتَّفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ* مَا تَعبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسمَاءً سَمَّيتُمُوهَا أَنتُم وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلطَانٍ, إِنِ الحُكمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُون}(سورة يوسف: آية 39-40).

وأيوب -عليه السلام-: لم يعطله المرض عن العمل لدينه، أو التقصير في دعوته، بل مضى صابرًا محتسبًا، وقد ابتلى في ماله وأهله وبدنه، مضى نبيا عظيما كريما داعيًا إلى الله، وقد مضى في البلاد ثمان عشرة سنة، حتى من الله برحمته، ونجاه، قال -تعالى-: {وَاذكُر عَبدَنَا أَيٌّوبَ إِذ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيطَانُ بِنُصبٍ, وَعَذَابٍ,* اركُض بِرِجلِكَ هَذَا مُغتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ* وَوَهَبنَا لَهُ أَهلَهُ وَمِثلَهُم مَّعَهُم رَحمَةً مِّنَّا وَذِكرَى لأُولِي الألبَابِ* وَخُذ بِيَدِكَ ضِغثًا فَاضرِب بِّهِ وَلاَ تَحنَث إِنَّا وَجَدنَاهُ صَابِرًا نِّعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوَّاب}(سورة ص: آية 41-44).

والأواب هنا هو الرجاع إلى الله، في جميع حالاته، والرجوع إلى الله، هو المضي على أداء الأمانة والوفاء بحق الرسالة، فلا تهون العزيمة، ولا تقعد عن أداء واجب.

وفي سيرة سيد الدعاة -صلى الله عليه وسلم- كيف كان يمضي في دعوته من خلال ظروفه كلها، ومن خلال الواقع الذي تعاني منه الدعوة، ولقد رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يرعى شئون أمته ودعوته، حتى وهو في أشد حالات المرض، فقد صعد المنبر في مرضه الأخير، عاصبا رأسه، فذكر أصحاب أُحد واستغفر لهم،، ثم تحدث إلى المسلمين، وتكرر هذا مرات.

أما أنتم أهل من حُجِزوا وراء القضبان، فاصبروا واحتسبوا وارتبطوا بمالك الملك، مقلب الليل والنهار، وأحسنوا صلتكم بربكم، وعليكم بدعاء السحر فإنها سهام القدر، وانتظروا الفرج القريب، ربط الله على قلوبكم ورزقكم من فضله.

 

أين ينزل العيد؟

أينزل في الشيشان، وقد أحاط بالمسلمين الدب الروسي المُلحد؟ يقتل ويشرد، ويدمر، والعالم كله خاصة المسلمين يتفرجون على هذا الإجرام، ويكفي أن أقول أن عدد المسلمين الذين ذبحهم أعداء الإنسانية الفجار من يوم أن قامت الثورة الشيوعية اليهودية بلغ في روسيا ويوغسلافيا والصين 45 مليونا من المسلمين، سالت دماؤهم ودمرت مساكنهم، وقضى عليهم.

 

أين ينزل العيد؟

في فلسطين المسلمة قلب العالم الإسلامي، ويهود يفعلون بهم الأعاجيب، فأصحاب الأرض والتاريخ والعقيدة غرباء غربا، وعصابات يهود تُغير وتُبدل، وتُدمر وتُخرب والمسلمون يتفرجون؟

أينزل العيد في كوسوفا والبوسنة والهرسك والمقابر الجماعية، تكشف في كل يوم الجديد من الغدر والسفالة؟.

أينزل العيد والمذابح المستمر، داخل الهند وكشمير وحرق القرى المسلمة على سكانها أحياء؟.

ورغم كل هذا وغيره، فالإسلام قادم قادم بإذن الله، والعالم الإسلامي سيستيقظ من وهدته، ليحمل راية الخير من جديد، لهداية البشرية وستملأ الأرض بإذن الله عدًلا، وسيختفي الجور والظلم، وستذوق أمريكا والغرب، النعمة الربانية التي من الله بها على عباده، وسيعلم الناس هناك أن عداوتهم للإسلام، كانت طيشا وحماقة لا مبرر لها أبدًا في واقع الأمر والحقيقة، {وَسَيَعلَم الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ, يَنقَلِبُون}(سورة النمل:آية 227) {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُون}(سورة يوسف: آية 21).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply