الفطر يوم يفطر الناس !


بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله وحده، وبعد:

فقد جاء التشريع الإسلامي بربط الناس في توقيتهم الشهري بمنازل القمر ودورته الشهريّة، فجعل أوقات العبادة الشهريّة مرتبطة به.

أما ما يتعلّق بالسنة فربطهم بعدد الأشهر دون النظر إلى دورة الشمس ولا القمر. كما قال - تعالى -: \"إِنَّ عِدَّةَ الشٌّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثنَا عَشَرَ شَهرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَومَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرضَ\" [التوبة: 36].

وقال: \"هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ\" [يونس: 5].

وهذا أيسر ما يكون لمعرفة الزمان. فالشهر مرتبط بدورة القمر التي يشاهدها كل مبصر، والسنة عدديّة تعرف بأيسر طريق، وهذا من أميّة هذه الأمة، التي هي مزيّة فيها. بحمد الله - تعالى -.

والشهر القمري تكتمل دورته في تسعة وعشرين يومًا ونصف -تقريباً- ولذا يكون الشهر ثلاثين يوماً، ويكون الشهر تسعة وعشرين يوماً.

على هذا كانت طريقة العرب قديماً وبها جاء الإسلام قال الرازي: (مذهب العرب من الزمان الأول أن تكون السنة قمرية لا شمسيّة، وهذا حكم توارثوه عن إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام -. فأمّا عند اليهود والنصارى فليس كذلك). [التفسير: 16/50).

ولعل من حكم هذا التشريع سوى ظهوره ووضوحه وسهولة العمل به وارتباطه بالكون المشاهد- أنه يترتب عليه دوران الصوم على مختلف الفصول وفي هذا امتحان للعباد بالتكاليف، وتحفيف لهم بعد المشقة.

ولما كان الشهر القمري الذي جاء الإسلام باعتباره يكون تسعة وعشرين يومًا ويكون ثلاثين يومًا علمنا أنَّ الصيام في رمضان لا ينقص عن حده الأدنى، كما لا يزيد عن حده الأعلىº عن ابن عمر رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"الشّهر تُسعٌ وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين\". رواه البخاري.

وفي لفظ: \"الشهر هكذا وهكذا وهكذا\". فضرب بيده وعقد إبهامه في الثالثة، \"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين\". رواه مسلم.

وعن أبي هريرة مرفوعاً: \"إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمّ عليكم فعدوا ثلاثين\" رواه مسلم.

وعليه فإن من ابتدأ صيامه خارج المملكة العربية السعودية، مع أهل البلد الذي هو فيه ثم جاء ليقضي آخر رمضان في المملكة فإنّه إن أتم صيام تسعة وعشرين يومًا فقد أدي ما عليه لأنه صام شهراً.

وإن كان قد صام ثمانية وعشرين يومًا فقط وجب عليه قضاء يوم واحدº لأنّه اليقين والأصل براءة الذمة من سواه.

وأمّا من ابتدأ صيامه في المملكة مع أهلها، ثم سافر لخارجها في آخر الشهر فإنّه لتأخّر صيامهم قد يصوم واحداً وثلاثين يومًا، فهذا الصواب في حقِّه أنّه لا يفطر حتى يفطر أهل البلد الذي هو فيه ولا يكون بصيامه قد صام يوم العيد المأمور بفطرهº وذلك لأنّ الفطر إنما يكون بفطر المسلمين.

عن عائشة رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس\". رواه الترمذي.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: \"صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون\". رواه أبو داود والترمذي.

فالحديثان يستفاد منهما أن كل إنسان يقيم في بلد يلزمه الصوم مع أهلها، والفطر معهم وهذا فيه تحقيق لمقصد من مقاصد الصوم: وهو اجتماع الكلمة والبعد عن الفرقة والاختلاف وفيه إبعاد للاستنكار والنزاع والخصام.

وسواء في ذلك أن يكون الإمام المسئول عن إثبات الأشهر مقصراً أو لا، معتمداً على الرؤية أو الحساب. قال ابن تيمية: \"فإن قيل قد يكون الإمام الذي فوّض إليه إثبات الهلال مقصراً...قيل: ما يثبت من الحكم لا يختلف الحال فيه بين الذي يؤتم به في رؤية الهلال، مجتهداً كان أو مخطئاً، أو مفرطاً، فإنه إذا لم يظهر الهلال ويشتهر يتساوى بحيث الناس فيه.وقد ثبت في الصحيح أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الأئمة: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم). فخطؤه وتفريطه عليه، لا على المسلمين) مجموع الفتاوى (25/206).

فإن كان في بلد غير إسلامي، وليس مع مجموعة مسلمة يصوم ويفطر معها فإنّه يصوم ويفطر حسب ما تعمله أقرب بلدة مسلمة يثق بما هي عليه.

وحاصل ما تقدّم أنّ من صام خارج المملكة، ثم أتاها وجب عليه أن يتم تسعة وعشرين يومًا، وإلا قضى. ومن صام داخل المملكة، ثم خرج عنها فلا يفطر إلا مع أهل بلده ولو صام واحداً وثلاثين يوماً، وإنما زاد على الشهر الواجبº لأنّه لا يسوغ له الإسرار بالفطر على الصحيح من أقوال أهل العلم كما تقدمت بذلك الأحاديث. ويشهد لهذا حديث كريب إذ قدم الشام واستهل عليه رمضان بالشام قال: فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة وصام معاوية وصام الناس. فقال: لكنّا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى نكمل ثلاثين أو نراه. رواه مسلم.

فظاهر حال كريب أنّه لم يفطر إلا بفطر أهل المدينة ولو زاد على الثلاثين مع أن أهل العلم من أجاز له الفطر سرّاً لكن من تأمل مقصد الشارع في جمع الكلمة والاتحاد في أداء العبادة، وتحذيره من الاختلاف الخاص والعام مع ما تقدم من الأدلة فإنّه يقتنع بما ذكرناه والله - تعالى - أعلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply