أحكام قيام رمضان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فمع حلول شهر رمضان وحرص كثير من المسلمين على صلاة القيام، كان لابد من استعراض أحكام هذه الصلاة، فنقول وبالله -تعالى- التوفيق:

1-              فضل قيام رمضان:

وردت في فضيلة القيام عمومًا وقيام رمضان خصوصًا أدلة عدة منها: قوله -تعالى-: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (63) والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما)[الفرقان: 63- 64]، وقال: (يا أيها المزمل (1) قم الليل إلا قليلا (2) نصفه أو انقص منه قليلا (3) أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا)[المزمل: 1- 4]، وقال: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا (25) ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا)[الإنسان: 25- 26]، وقال: (أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب)[الزمر: 9]، وقال عن المتقين: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون (17) وبالأسحار هم يستغفرون)[الذاريات: 17- 18]، وقال عن المؤمنين: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون)[السجدة: 16]، وقال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)[الإسراء: 79[.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»[أخرجه البخاري ومسلم[.

2-              سبب تسمية القيام بالتراويح: قال الشربيني في الإقناع والمطرزي في المغرب: التراويح جمع ترويحة، وعن أبي سعيد: سميت الترويحة لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات.

3-              أصل المشروعية: فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لها ثلاثة أيام ثم تركه لها خشية أن تفرض، ثم جمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الناس عليها في خلافته.

فعن جبير بن نفير عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: «صمنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمضان، فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة؟ قال: فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة، قال: فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بقية الشهر».

]أخرجه أبو داود وصححه الألباني] وأخرج البخاري عن ابن شهاب قال: «فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنهما». وعنه أيضا عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: «خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم. قال عمر: نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون -يريد آخر الليل- وكان الناس يقومون أوله».

وأما قول عمر: «نعم البدعة هذه»، فمعناها كما قال الشيخ ابن عثيمين: «البدعة نسبية فهي بدعة باعتبار ما سبقها لا باعتبار أصل المشروعية لأنها بقيت في آخر حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفي خلافة أبي بكر لم تقم، فلما استؤنفت إقامتها صارت كأنها ابتداء من جديد، ولا يمكن لعمر بن الخطاب أن يثني على بدعة شرعية

أبدا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كل بدعة ضلالة»[أخرجه مسلم]. اهـ.

4-              صلاة التراويح جماعة: والأفضل للمرء أن يصلي مع الإمام في جماعة، ويشرع للنساء حضور صلاة التراويح مع الجماعة لما تقدم في حديث أبي ذر السابق «فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح».

ويجوز أن يجعل لهن إماما يصلي بهن لما روى ابن أبي شيبة عن عروة قال: «جعل عمر بن الخطاب للناس قارئين في رمضان فكان أبي يصلي بالناس وابن أبي حثمة يصلي بالنساء».

وعن عرفجة قال: «كان علي يأمر الناس بقيام رمضان، وكان يجعل للرجال إماما وللنساء إماما، قال عرفجة: فأمرني علي فكنت إمام النساء». قال الألباني في قيام رمضان: ثبت ذلك، وأخرجهما ابن نصر في قيام رمضان واحتج بهما. كما أن من لم يتمكن من صلاتها مع الإمام في جماعة أن يصليها وحده لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك وأصحابه.

5-              وقت التراويح: ذهب الجمهور إلى أن وقت صلاة التراويح من بعد صلاة العشاء وقبل الوتر إلى طلوع الفجر، لنقل الخلف عن السلف، ولأنها عرفت بفعل الصحابة فكان وقتها ما صلوا فيه، وهم صلوا بعد العشاء قبل الوتر. والتراويح لا تكون في غير رمضان، فلو أراد الناس أن يجتمعوا على قيام الليل في المساجد جماعة في غير رمضان لكان هذا من البدع، ولكن لا بأس أن يصلي الإنسان جماعة في غير رمضان في بيته أحيانا لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم فقد صلى بابن عباس وابن مسعود وحذيفة بن اليمان جماعة في بيته لكن لم يتخذ ذلك سنة... ولم يكن أيضا يفعله في المسجد.

6-              كيفية صلاتها؟

اختلف العلماء في ذلك، فمن قائل إنها تصلى ركعتين ركعتين ومستنده في ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب فقال: كيف صلاة الليل، فقال: «مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة توتر لك ما قد صليت»وما رواه مسلم عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء وهي التي يدعو الناس العتمة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة.

ومن قائل: إنها تصلى أربعا أربعا ومستنده في ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة -رضي الله عنها-: كيف كانت صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان؟ فقالت: «ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا». قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي.

والراجح أن صلاة الليل تصلى مثنى مثنى للآتي:

-        أن حديث عائشة مطلق وحديث عبد الله بن عمر مقيد، والقاعدة حمل المطلق على المقيد.

-       وحملوا حديث عائشة -رضي الله عنها- بأنه -صلى الله عليه وسلم- صلى ركعتين ثم وصلهما فورا بالركعتين الأخريين ثم جلس وأمهل ثم استأنف وصلى ركعتين ثم أتبعها بركعتين ثم جلس فأمهل ثم صلى ثلاثا. فأخذ السلف من هذا أن يصلوا أربع ركعات بتسليمتين ثم يستريحوا، ثم يصلوا أربعا ثم يستريحوا ثم يصلوا ثلاثا إذا قاموا بإحدى عشر ركعة.

-       جاء في الفقه على المذاهب الأربعة (1/298) قول الشافعية: «يجب أن يسلم من كل ركعتين فإذا صلاها بسلام واحد لم تصح».

-       قال الإمام أحمد: إذا قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر.

-       قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «إذا قام إلى ثالثة في التطوع في صلاة الليل فإن صلاته تبطل إن كان متعمدا وإنه كان ناسيا وجب عليه الرجوع من ذكر ويسجد للسهو بعد السلام من أجل الزيادة».

7-              عدد ركعاتها:

اختلف العلماء في عدد ركعاتها إلى عدة أقوال: فمنهم من يقول بعدم جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة، وذلك لحديث عائشة المتقدم، ومنهم من يرى جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة، فمنهم من يراها عشرين ركعة، ومنهم من يراها أربعين، ويوترون بثلاث، ومنهم من يراها ستا وثلاثين ويوترون بثلاث، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه عددا معينا، بل كان هو -صلى الله عليه وسلم- لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث، وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين ركعة هو الأفضل وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين. اهـ.

8-              فضيلة من قام مع الإمام حتى ينصرف: ورد في حديث أبي ذر المتقدم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة». والمقصود انصراف الإمام من الصلاة وليس انصرافه من المسجد، فإذا قام الرجل مع الإمام حتى ينصرف من الصلاة كتب له قيام ليلة وإن نام بعد ذلك.

فإذا أراد المرء أن يتهجد بعد القيام فقد ذكر العلماء ثلاثة أحوال:

الأول: لا يوتر مع الإمام لأنه لو أوتر مع الإمام لخالف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا»[متفق عليه[.

الثاني: يوتر مع الإمام ولا يتهجد بعده لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة». وفي هذا إشارة إلى أن الأولى الاقتصار على الصلاة مع الإمام لأنه لم يرشدهم إلى أن يدعوا الوتر مع الإمام ويصلوا بعده في آخر الليل وذلك لانه يحصل له قيام الليل كأنه قامه فعلا فيكتب له أجر العمل مع راحته وهذه نعمة من الله على العبد.

الثالث: يتابع إمامه في الوتر ويشفعه بركعة أي أنه إذا سلم الإمام من الوتر قام فأتى بركعة وسلم، فيكون صلى ركعتين أي لم يوتر، فإذا تهجد في آخر الليل أوتر بعد التهجد فيحصل له في هذا العمل متابعة الإمام حتى ينصرف ويحصل له أيضا أن يجعل آخر صلاته بالليل وترا وهذا عمل طيب.

9-              القراءة في التراويح:

يستحب أن يختم القرآن في صلاة التراويح ولو مرة في رمضان ليسمع المسلمون كلام الله -تعالى-: روى مالك في الموطأ بسند صحيح عن الأعرج قال: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، قال: فكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف.

والأفضل كما قال ابن تيمية في عدد ركعات الصلاة يختلف باختلاف أحوال المصلين، فيقرأ الإمام على حسب القوم، فيقرأ قدر ما لا ينفرهم عن الجماعة، فقد روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي عثمان قال: «دعا عمر القراء في رمضان فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمسا وعشرين آية والبطئ عشرين آية». فسبحان الله!! أين نحن الآن من هذا الهدي. ومن الأئمة من يقرأ آية واحدة أو جزءا منها في الركعة بقصد التخفيف على الناس ويسرعون في الصلاة سرعة تخل بركن الطمأنينة فهؤلاء كما ذكر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يجب على من صلى خلفهم أن ينفصل ويتم بمفرده، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر الرجل على الانفراد من أجل تطويل الإمام[متفق عليه]. فالانفراد من أجل القيام بالركن من باب أولى.

10-         الصلاة بين التراويح:

وهذه تقع على وجهين: الأول: أن يصلي بمفرده والناس يصلون وهذا لا شك في كراهته لخروجه عن جماعة الناس فإن لم يكن قد صلى الفريضة أي العشاء فيدخل معهم في صلاة القيام بنية العشاء ثم يقوم فيكمل الصلاة.

الثاني: أن يصلي بين التراويح إذا جلسوا للاستراحة وهذا أيضا مكروه.

تنبيه:

قراءة المصلين إذا انتهوا من الركعتين سور الإخلاص والمعوذتين ليس من السنة في شيء والأولى السكوت لفعل الصحابة ذلك.

11-         قضاء قيام الليل لمن فاته:

يستحب لمن فاته قيام الليل أن يصلي بدله بالنهار لما رواه مسلم عن عائشة قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملا أثبته، وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة».

12-         القنوت في الوتر:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاوى "الفتاوى الكبرى: «وإذا صلى بهم قيام رمضان فإن قنت في جميع الشهر فقد أحسن وإن قنت في النصف الأخير فقد أحسن، وإن لم يقنت بحال فقد أحسن». اهـ. والله الموفق.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply